تقديم:
يتعرّض حمّه الهمامي، الأمين العام لحزب العمال والناطق الرسمي للجبهة الشعبية، منذ مدة إلى حملة تشويه ممنهجة. وقد تكثفت هذه الحملة في الأسابيع الأخيرة في علاقة بالأزمة التي تمرّ بها الجبهة الشعبية والتي يتحمل مسؤوليتها بالكامل حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد. ومن بين الأساليب المعتمدة في تشويه حمه الهمامي من بعض قيادات حزب الوطد الموحّد هو الادعاء الكاذب بأنه”يماطل في عقد الندوة الوطنية الرابعة”و”يعطّل تطور الجبهة الشعبيةوهيكلتها وتنظيمها ونشاطها” و”يرفض النقد” رغبة في “الحفاظ على موقعه كناطق رسمي”.
ولئن لازم حمه الهمامي الصمت حيال العديد من التجاوزات التي استهدفته في وسائل الإعلام وشبكة التواصل الاجتماعي عن طريق بعض قيادات حزب الوطد الموحد ومناضليه في الداخل والخارج، فإنه لم يفعل ذلك خوفا من جدل أو لقلة حجة بل من باب التحفظ أولا وللحفاظ على وحدة الجبهة الشعبية ثانيا.إن حمه الهمامي الذي تربّى في حزب العمال على الروح الجماعية وعلى احترام الأطر والانضباط لقرارات الأغلبية فضّل تحمّل التشويه والتجريح في شخصه على أن يسقط فيما سقط فيه الآخرون من ممارسات غير مسؤولة تضرّ بالجبهة وبصورتها.
ولكن اليوم وبعد أن دفع بعض قادة حزب الوطد الموحد الأمور إلى أقصاها وخرجوا من جديد لوسائل الإعلام لمواصلة التشويه الذي طال حزب العمال وقياداته كما طال حزب التيار الشعبي وأمينه العام بأشكال لم يجرأ عليها حتى الخصوم والأعداء (تقديم حزب العمال في صورة الحزب “اللي يجزّر في مناضليه” وأمينه العام في صورة من “يقوم بالتطهير العرقي” وناطقه الرسمي في صورة “الأرعن الطفولي وغير المسؤول والمخرب” من جهة وتقديم التيار الشعبي في صورة الحزب المرتبط ببعض القوى الإقليمية في إشارة إلى إيران وحزب الله بما يعني اتهامه زورا وبهتانا “بالعمالة”والتحريض عليه علنا الخ…) فقد ارتأينا ألا نصمت عن هذه الممارسات وأن نقدم لمناضلات الجبهة الشعبية ومناضليها ما يساعدهم على كشف الادعاءات الكاذبة لبعض قيادات حزب الوطد الموحد وإدراك طبيعة الخلاف مع هذا الحزب وهو خلاف يهم خطّ الجبهة واستقلاليتها السياسية عن اليمين الليبرالي وطرق العمل داخلها كما يهمّ سبل تنظيمها وهيكلتها. وهو ما يريد طمسه حزب الوطد الموحد محاولا اختزال الخلاف في بعض المسائل التنظيمية وأساليب العمل لا غير.
لقد نشرنا منذ أيام وثيقة بعنوان: “حول تكتيك الجبهة الشعبية ومسألة الدخول إلى الحكومة” وهي وثيقة شرحنا فيها بعض أوجه الخلاف السياسي مع حزب الوطد الموحد في شخص أحد قياديه.
وفيما يلي ننشر وثيقة جديدة بعنوان: “كيف نتقدم بالجبهة الشعبية؟”قدمها حمه الهمامي باسم الحزب في أواخر شهر سبتمبر من العام الماضي 2018 إلى كافة أعضاء المجلس المركزي وفيها نقد بشكل عام وشامل ودقيق أوضاع الجبهة الشعبية وبعض المواقف والممارسات الموجودة صلبها والتي لا يخفى على كل متابع للشأن الجبهوي أن فيما ذكره حمه الهمامي إشارات عديدة إلى سلوك حزب الوطد الموحد داخل الجبهة الشعبية.
إن القارئـ/ة الجبهويـ/ة بإمكانه/ها أن يستنج من خلال هذه الوثيقة أن حمه الهمامي لم يدّخر أي جهد للتنبيه إلى دقّة الوضع الذي تمر به الجبهة الشعبية وضرورة معالجته في أسرع وقت. كما يمكن للقارئ أن يقارن بين ما يوجد في هذه الوثيقة وبين ما يردده بعض قيادات الوطد الموحد من ادعاءات كاذبة بل يمكن للقارئ أن يفهم في النهاية من يبحث عن النهوض بالجبهة ومن يعرقل تطورها سياسيا وتنظيميا وعمليا ويريد تطويعها لأجندته الشخصية أو الحزبية مع العلم أن وثائق أخرى تقدمت بها مختلف مكونات الجبهة تبيّن انشغالها هي أيضا بأوضاع الجبهة وهو ما يكذّب ما يعمد إليه حزب الوطد الموحد في تصريحات بعض قياديه من إيها الرأي العام الجبهاوي بأنه “الأحرص” على تطوير الجبهة الشعبية سياسيا وتنظيميا فيما البقية يريدون الحفاظ عليها واهنة وضعيفة.
إن الجبهة الشعبية هي في أزمة اليوم ولكن إذا عرفت مكوناتها الثورية والتقدمية كيف تتعامل مع هذه الأزمة وتخوض الصراع الذي ينبغي خوضه ضد محاولة تطويع الجبهة لبعض الأجندات الانتهازية فإنها ستخرج قوية. إن الوحدة شيء جيد وقد تأسست الجبهة لذلك الغرض، ونحن نفهم ردود فعل العديد من الجبهويات والجبهويين اليوم والتي تطغى عليها العاطفة أكثر من أي شيء آخر، ولكن الوحدة بلا مضامين ثورية وتقدمية تصبح لا معنى لها وبالتالي فإن السؤال الذي يبقى مطروحا باستمرار هو التالي: الوحدة حول ماذا ولماذا وبأي طريقة؟ ومن هذا المنطلق فإن الوحدة تتعزّز باستمرار في خضم النضال والصراع ضد الأفكار والمواقف والممارسات الانتهازية بمختلف أشكالها اليسراوية واليمينية.
إن النقد أو اللوم لا ينبغي أن يوجّه إلى من يدافع عن هوية الجبهة الثورية وعن استقلاليتها السياسية بل إلى من يعمل على طمس هذه الهوية وضرب تلك الاستقلالية إذ بهذه الطريقة وبهذه الطريقة فقط يمكن الحفاظ على الجبهة الشعبية وتطويرها.
حزب العمال
إن تأسيس الجبهة الشعبية منذ ست سنوات خلت مثّل استجابة لحاجتين أساسيتين متداخلتين بعضهما في بعض: حاجة القوى الثورية والتقدمية إلى توحيد صفوفها لوضع حد لحالة التشتت المزمنة والتي بينت انتخابات 2011 خطورتها من جهة، وحاجة الطبقات والفئات الكادحة والشعبية التي أنجزت ثورة 17 ديسمبر 2010 ـ 14 جانفي 2011 إلى صوت يعبر بشكل واع ومنظم عن مطالبها ويساعدها على تحقيقها في وجه هجوم الثورة المضادة بقواها القديمة (النظام السابق) والجديدة (حركة النهضة الإخوانية وحلفائها) التي تمثل في مجموعها مصالح التحالف الطبقي الرجعي المحلي التابع عضويا للقوى الاستعمارية الغربية من جهة ثانية.
ولئن حقّقت الجبهة الشعبية نصيبا من أمل القوى الثورية والتقدمية بتجميعها أهم فصائلها في تنظيم موحد تمكن من فرض نفسه أهم قوة معارضة في البلاد (هذا لم يعد بديهيا في الوقت الراهن) للتحالف الطبقي الرجعي، ولئن سعت أيضا إلى أن تكون صوت المضطهدين والمقهورين وتدافع في المحطات الهامة عن مصالحهم فإن نسق تطورها ظل محدودا بل إنها لم تتمكن من أن تستغل الظروف التي توفرت لها لكي تفرض نفسها بديلا جديا للائتلاف الحاكم رغم فشله وانحسار تأثيره ودخوله في أزمته حادة.
لقد ظل انغراس الجبهة الشعبية في صفوف الشعب محدودا وأداؤها ضعيفا وتنظيمها منخرما ووحدتها مهتزة في كافة المستويات وهو ما كان له تأثير واضح في نتائج الجبهة الشعبية في الانتخابات البلدية الأخيرة بشكل خاص وفي التأثير في مجرى الأحداث التي تعرفها بلادنا بشكل عام.إن الجبهة الشعبية توجد اليوم، بعد ست سنوات من تأسيسها في مفترق طرق فإما أنها ستقيم تجربتها بعمق وموضوعية وتتجاوز أخطاءها ونقائصها وتنجز نقلة نوعية في أدائها وإما أنها ستبقى تراوح مكانها مكبلة بأخطائها ونقائصها مما يجعلها تتآكل داخليا إلى أن تندثر.
ونحن لا نعتقد أن أيا من مناضلات الجبهة ومناضليها الصادقين ولا أيّا من مكوناتها التي آمنت بها وبدورها التاريخي، يرغب في تفككها واندثارها. ومن هذا المنطلق فمن الواجب أن نباشر معالجة الأخطاء والنقائص. وهي أخطاء ونواقص لا يمكن بأي حال من الأحوال اختزالها في مظهر من مظاهر عطالة الجبهة. فهذه المظاهر تشمل السياسي والتنظيمي كما تشمل النشاط والأداء. ولكن لا بد من توضيح أن الأولوية ينبغي أن تعطى للسياسي فالتنظيم وأسلوب العمل والخطاب كوسيلة إبلاغ تبقى كلها، على أهميتها، أدوات في خدمة السياسي.
وسنحاول في هذه الورقة تقديم رؤيتنا لواقع الجبهة وسبل تجاوزه بصورة مكثفة على أن نتولى في النقاش تفصيل هذه الرؤية.
1ـ حول الهوية السياسية للجبهة الشعبية.
تشمل هذه المسألة عدة أوجه نحاول حوصلتها في النقاط التالية:
أولا: هل الجبهة الشعبية جبهة سياسية أم جبهة انتخابية؟
يبدو هذا السؤال في غير محلّه ذلك أن مؤسسي الجبهة الشعبية أعلنوها منذ البداية جبهة سياسية، من أجل الوصول إلى الحكم وإدارة البلاد، لا جبهة انتخابية ظرفية. ولكن ست سنوات من الممارسة المشتركة تبيّن أن الأمور ليست بالبداهة التي انطلقت بها الجبهة الشعبية، فالجبهة لا تتعبأ بشكل خاص إلا في الفترات الانتخابية وما يصحبها من حسابات ضيقة. وما أن تنتهي الانتخابات حتى تخفت الحركة وتنحل الهياكل والأطر وحتى العلاقات ولا يبقى منها إلا القليل.
وهو ما يتطلّب تعديلا في البوصلة كشرط لاستمرار الجبهة الشعبية. إن ما يجمع مكونات الجبهة هو برنامج لمرحلة كاملة وهو ما يتطلّب الاستمرارية في النشاط والتنظيم.أما الانتخابات فهي عمل ظرفي، لتحقيق أهداف ظرفية. هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن الانتخابات في ظل منظومة الحكم الرجعية الحاليةتبقى واجهة من واجهات النضال للدعاية لذلك البرنامج ولتوسيع تأثير الجبهة الشعبية في صلب الشعب والمجتمع ولكسب مواقع تستثمر لتطوير المسار الثوري والسير نحو تحقيق أهداف الثورة والوصول إلى الحكم.
ثانيا: هل الجبهة الشعبية جبهة للتغيير الجذري أم جبهة إصلاحية؟
وهذا السؤال أيضا قد يبدو في غير محلّه لأن الجبهة الشعبية تأسست أصلا بعنوان واضح وهو “تحقيق أهداف الثورة”. ولكن التجربة بيّنت أن هذا العنوان ليس بالبداهة التي نتصور. فقد عرفت الجبهة الشعبية ولا تزال، فترات تردد. فالجبهة الشعبية بدت في أكثر من مناسبة وكأنها جزء من منظومة الحكم وذلك لسببين اثنين: أولهما غياب الموقف الواضح من طرفي الحكم، النداء والنهضة معا، إذ بدت الجبهة وكأنها تهادن النداء وتركز على النهضة فقط، وثانيهما غموض إن لم نقل غياب المشروع/البرنامج المتباين جذريا مع المنظومة الليبرالية المتوحشة إذ تبدو الجبهة أحيانا وكأنها تبحث عن إصلاح الوضع القائم لا غير.
وبالطبع فإن المسألة لا تتعلق مطلقا بالموقف من الإصلاحات فهي ضرورية ولكن بالنظرة إليها وبوظيفتها. كما أن المسألة لا تتعلق بما يمكن أن تفرضه ظروف النضال الصعبة كتلك التي فرضت جبهة الإنقاذ ولكنها تتعلق رأسا بالهدف من هذه الإصلاحات والتكتيكات: لتقوية الائتلاف الحاكم أم لإضعافه وعزله والتقدم نحو الثورة؟ كما أن الأمر لا يتعلق بالمشاركة في الانتخابات واحتلال مواقع في المؤسسات التمثيلية بل بدور ممثلي الجبهة في هذه المؤسسات: فضح سياسات منظومة الحكم وتوعية الشعب من أجل الانتفاض عليها أم الاكتفاء بما توفره هذه المؤسسات من هامش تحرك بما يعزز منظومة الحكم ويُديمها؟
ثالثا: إن السؤال السابق يطرح سؤالا آخر وهو: هل أن الجبهة الشعبية تهدف إلى إسقاط التحالف الرجعي المحلي الاستعماري الجديد وتعويضه بتحالف طبقي جديد، شعبي، يُجَمِّعُ غالبية المجتمع المتكون من الطبقات والفئات الكادحة والفقيرة والمتوسطة، وهل أن الجبهة الشعبية برنامجا عاما يقطع مع النظام القائم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا بما يخدم مصالح الطبقات والفئات الكادحة والشعبية والوسطى؟ إن دعاية الجبهة وسلوكها يناقضان هذا التمشي. ففي مستوى الدعاية لا نرى توعية من أجل إسقاط الائتلاف الحاكم ولا نرى برنامجا بديلا واضحا لليبرالية المتوحّشة ترتكز عليه تلك الدعاية. أما في مستوى الممارسة فإننا لا نلمس تركيزا على النضال الشعبي بل إن نشاط الجبهة يكاد ينحصر أحيانا في نشاط الكتلة البرلمانية. ومن جهة أخرى فإن النزعة “الدخولية” (المشاركة في الحكومة) ظهرت في أكثر من مناسبة ولم تحسم هذه المسألة بشكل واضح ونهائي.
إن الجبهة لا يمكن أن تكون في المطلق ضد الدخول في الحكومات. فالثوريون قد تضطرهم الظروف فعلا إلى المشاركة في حكومة من الحكومات. ولكن ما هي هذه الظروف أو بالأحرى في أية حالة من الحالات هم يقبلون مثل هذه المشاركة؟ إن المشاركة في أية حكومة من الحكومات تتحدد، بطبيعة هذه الحكومة وبرنامجها والمهمات الملقى على عاتقها تحقيقها أي تتحدد بما إذا كانت هذه الحكومة “الائتلافية”، (التي تشكل في الواقع تحالفا اجتماعيا بين طبقات وفئات تتقاطع مصالحها، في لحظة من اللحظات)، تعبر، بهذا الشكل أو ذاك أو بهذا القدر أو ذاك، عن مصالح مشتركة ذات بعد وطني أو ديمقراطي، تجعلها قادرة على القيام على الأقل بإصلاحات إن لم نقل تغييرات تستفيد منها الطبقات والفئات الشعبية بشكل مباشر وبما يمكنها من جهة أخرى من التقدم بقضيتها على طريق تحررها بالكامل.
أما إذا تعلق الأمر بالدخول في حكومة يمينية، ذات برنامج رجعي، معادٍ لمصالح الوطن والشعب، كما هو الحال بالنسبة إلى الحكومات المتعاقبة منذ الثورة، فإن موقف الثوريين لا يكون إلا بالرفض لأن المستفيد الوحيد من هذا الدخول هو اليمين الرجعي وهو ما يبينه دخول بعض العناصر المحسوبة زورا على اليسار في حكومة الشاهد.
رابعا: هل الجبهة الشعبية تريد الحكم أم تريد البقاء “معارضة أبدية”؟ إن هذا السؤال يطرح على الجبهة بكل إلحاح لأن المسألة لا تتمثل في الإعلانات فقط بل تتعداها إلى العقلية والممارسة. ففي الوقت الذي تتصارع فيه مختلف الكتل البورجوازية الرجعية على السلطة وعلى الالتفاف نهائيا على المسار الثوري فإن ما يشعر به أي ملاحظ هو أن الجبهة الشعبية لا تطرح على نفسها هذه المسألة ولا تخطّط لحسمها لصالحها ولصالح الشعب إن في المدى القريب أو المتوسط أو البعيد وكأنها مسألة مؤجلة إلى تاريخ غير مسمى. إن هذا الأمر لا علاقة له بالإرادوية الفارغة فنحن لا نثير مسألة السلطة دون نظر إلى موازين القوى المختلة حاليا لصالح قوى الثورة المضادة ولكننا نثيرها من زاوية أن كل قوة سياسية جدية لا يمكنها إلا أن تطرح على نفسها مسألة السلطة كمسألة مركزية وتخطط لحسمها بتوفير الشروط الضرورية لذلك عبر سلسلة من التكتيكات والأعمال والمراكمات.وهو ما لا يتوفر اليوم عند الجبهة التي تسير دون بوصلة.
خامسا: هل نوسّع الجبهة؟ وأيّمعنى نعطيه لهذا التوسيع؟ وما هي الأسس التي تعتمدها الجبهة الشعبية في تحالفاتها؟ لقد أوضحت الجبهة الشعبية منذ تأسيسها أنها تتوسّع باحتضان القوى التي تشاركها أرضيتها السياسية وأهدافها الثورية التي تبقى الشرط الأساسي للانخراط في الجبهة الشعبية. كما أوضحت أنها تتوسّع بكسب أوسع جماهير الشعب لبرنامجها وأهدافها وأنشطتها. وبعبارة أخرى فالجبهة الشعبية مدعوة إلى كسب تعاطف مختلف الطبقات والفئات الكادحة والفقيرة والوسطى التي لها مصلحة في تحقيق أهداف الثورة وحثّها على الانخراط في صفوفها حتى تصبح الجبهة الشعبية الحاضنة الحقيقية لتلك الطبقات والفئات وتخرجها من تحت تأثير القوى الرجعية. وأخيرا فقد أوضحت الجبهة الشعبية سلوكها التكتيكي اليومي فهي قابلة بالقيام بأعمال مشتركة، مع القوى التي تتقاطع معها ظرفيا حول هذه المهمة المستعجلة أو تلك لعزل الائتلاف الحاكم وهو ما كرّسته في العديد من المناسبات.
ولكن منذ مدّة ومع تراجع المسار الثوري وإشعاع الجبهة الشعبية التي أخفقت في الانتخابات البلدية الأخيرة بدأت تظهر بعض الأفكار في حزام الجبهة تروّج لكون الجبهة الشعبية بهويتها الحالية وخطها التكتيكي الحالي “انتهى دورها” وأصبح مطروحا “توسيعها” أو بالأحرى تعويضها بجبهة أوسع ذات طابع إصلاحي، تجمّع القوى “الحداثية” أو “الديمقراطية”، بمختلف تلويناتها الفكرية والسياسية من أجل مواجهة “حركة النهضة” والإعداد لانتخابات 2019. ومن البديهيأنّ توسيع الجبهة الشعبية بهذا المفهوم الثاني يعني تفسّخها وتحوّلها إلى مجرد جزء من منظومة الحكم لا هدف لها غير كسب مواقع في مؤسساته. وهو ما ينبغي التصدّي له. فبقدر ما أن الجبهة الشعبية مطالبة بتوسيع صفوفها أوعقد اتفاقات أو القيام بتحالفات أو تكريس تقاطعات مع قوى أخرى تختلف معها في الأهداف العامة، فإنها مطالبة بالحفاظ على هويتها الثورية والتقدميةوهو ما لا يعني بالمرة الانعزالية والتقوقع.
وفي الخلاصة: نقترح تكوين لجنة تعدّ مقترحا في أسرع وقت تتولّى تقديم وثيقة سياسية توضّح هوية الجبهة الشعبية وأهدافها العامة وتكتيكها في المرحلة الحالية: الشعارات والتحالفات وأشكال النضال الخ…
2ـ حول العمل الجبهوي:
هل أن الجبهة الشعبية كيان موحّد حول المشترك الذي يناضل الجميع من أجل تحقيقه باقتناع أم أن الجبهة الشعبية إطار لتحقيق أغراض حزبية ضيقة؟ إن ست سنوات من العمل المشترك بيّنت طغيان الروح الانعزالية على الروح الجبهوية الحقة. وقد برز ذلك بشكل خاص في عدة مجالات:
أولا: المحطات الانتخابية: ففي انتخابات 2014 خسرت الجبهة مواقع في التشريعية نتيجة الحسابات الضيقة لا غير إذ كانت بعض المكونات تقبل أن تخسر الجبهة مقعدا في هذه الدائرة أو تلكعلى أن ينجح مناضل من مكون آخر. وهو ما تجلّى في تشكيل قائمات موازية للقائمات الرسمية للجبهة وفي الضغط في آخر لحظة لفرض رئيس قائمة غير متفق عليه جهويا. أما في الرئاسية فقد انحاز العديد من المناضلين من بعض المكونات بشكل واضح لمرشح من خارج الجبهة ( السيدة كلثوم كنو) دون أن يقيّم ذلك أو تقع محاسبة.
وفي الانتخابات البلدية الأخيرة فإن التزام كل مكونات الجبهة الشعبية بتشكيل القائمات وبالدعاية والتصويت لها لم يكن بنفس الدرجة إذ أن العديد من مناضلي بعض المكونات قاطع تقريبا تشكيل القائمات ولم يسهم في الحملة ولم نقرأ تقييما لذلك أو نقدا ذاتيا بما يعزز الثقة داخل الجبهة الشعبية ويطمئن على المراحل القادمة.
ثانيا: النشاط الجماهيري: إن ما يلاحظ هو وجود نوع من العطالة في النشاط الجبهوي والسبب في ذلك هو العقلية التالية: “لا أوافق على نشاط يقترحه مكون من مكونات الجبهة يمكن أن يربح منه لأنني أنا لست جاهزا لذلك أو أنّني أقل تأثيرا منه”. وقد رأينا ذلك بشكل ملموس في توزيع “الفلاير” في خريف 2017، فقد قاطع التوزيع أكثر من مكون أو شارك فيه بصورة شكلية. كما رأينا ذلك في ردود بعض الأفعال على نفس الفلاير في الشبكة الاجتماعية فعوض دعمه ونقده، إن كان ثمة نقد، داخل أطر الجبهة، يقع تقزيمه من منطلقات ذاتية وغير بناءة. ومثل هذا السلوك ينفّر من الجبهة ولا يجمع الناس حولها وهو في النهاية منقاد بروح فردانية، نرجسية. أو بروح حزبية ضيقة.
ثالثا: العمل القطاعي: إن ستّ سنوات بالكامل مرّت ومع ذلك فإن أية خطوة لم تنجز في اتجاه توحيد شباب الجبهة ونسائها ونقابييها بل إن الصراعات الفئوية هي التي ماتزال تحكم العلاقات في هذه القطاعات وإذا بحثنا عن السبب وجدناه في غياب الإرادة في مستوى القيادات الحزبية للتقدم بالجبهة خطوة نحو التوحيد لأن الطاغي هو ما لهذا المكون أو ذاك من مصلحة في استمرار الوضع على حاله وهو ما يجسده الوضع:
ـ ففي الحركة النقابية العمالية رغم الطاقات الكبيرة عددا وكفاءة بما يمكّن الجبهة الشعبية من كسب مكانة مؤثرة صلب هذه الحركة، فإن الطاغي هو الانعزالية والتقرب بهذا الشكل أو ذاك من هذا الطرف النقابي المؤثّر أو ذاك لكسب مغانم ضيقة وظرفية على حساب المبادئ والأهداف الاستراتيجية للنضال.والأنكى من ذلك هو ما يُعْقد أحيانا من تحالفات مع أطراف مناوئة للجبهة ضد هذا المكون أو ذاك من مكونات الجبهة والهدف هو افتكاك نقابة أو مجرد مقعد في نقابة لا وزن له. ونحن لا نجد أية رغبة جدّية لتناول هذا الموضوع بل إن ما نسمعه من مختلف أطراف الجبهة لا يخرج عن إطار التبرير وحتى التملّص من مناقشة هذا الموضوع بكل جرأة وبعيدا عن الإذعان لإرادة هذا المسؤول النقابي أو ذاك.
ـ وفي الاتحاد العام لطلبة تونس وفي مناسبتين متتاليتين (المؤتمر 25 والمؤتمر 26) يقع الاتفاق تقريبا على كل الحيثيات ولكن في آخر لحظة وقبل المرور للعملية الانتخابية تتم بعض الانسحابات، بسبب الصراع حول الأمانة العامة ورفض بعض أطراف الجبهة الاحتكام للصندوق، واشتراطها تسوية سياسية لحسم هذه المسألة رغم اعتراض الأغلبية على ذلك. والجميع يعلم ما للقيادات الحزبية من تأثير في هذه المسألة التي لم يقع تقييمها وظل الصف الطلابي مشتّتا. ولا نرى مخرجا إلا بالجرأة على مباشرة هذا الملف والاحتكام فيه للنقاش المفتوح ولقواعد العمل الديمقراطي مع منح الشباب حرية التصرف في شأنه بعيدا عن الضغوط والحسابات الفوقية.
ـ وفي الحركة النسائية لم تتطور الوضعية إذ أن الفصائل النسائية (منظمات ومجموعات) التابعة للجبهة الشعبية لم تهتد إلى حد الآن لتوحيد صفّها. وإنّه لمن المؤسف حقا أنيسعى هذا الفصيل النسائي أو ذاك إلى التنسيق مع هذا التنظيم النسائي أو ذاك أو ينخرط في هذا الائتلاف أو ذاك في الوقت الذي لا تبذل فيه فصائلنا النسائية الجهد المطلوب لتنسيق أعمالها وتوحيد صفها مما يجعلها عاجزة عن الاستثمار الجماعي لأنشطتها المشتتة التي تستفيد منها الأطراف الأكثر تنظيما وتأثيرا في الساحة.
ـ وفي اتحاد المعطّلينعن العمل فإن ما حصل في المؤتمر الأخير يبيّن أن الصراع عن المواقع هو الذي ما يزال يحكم العلاقات. فهل من المشروع مثلا أن يلام أنصار حزب العمال واتحاد الشباب على عدم موافقتهم على منح خطة الأمانة العامة لمناضل متغيب عن الساحة لمدة عامين وله تمثيلية لا تتجاوز الثلاثة مناضلين في المؤتمر بالإضافة إلى كونه لم يناقش معهم بالمرة ترشّحه بل إن مناضلي حزب العمال هم الذين بادروا بالنقاش معه أثناء المؤتمر، حسب ما أكدوه، لإقناعه بأن الترشّح للأمانة العامة للمنظّمة يتطلب الحضور المباشر في الحركة والتميّز عن بقية رفاقه بالنشاط والقدرة على التوحيد الخ…واقترحوا عليه الترشح للعضوية في قيادة المنظمة ولكنه رفض مشترطا الترشح لخطة واحدة ووحيدة وهي الأمانة العامة.
رابعا: وفي العمل البرلماني، فرغم أنه يبقى الواجهة التي ظلت الأكثر تماسكا من حيث المواقف ومن حيث الدفاع عن خط الجبهة الشعبية فقد شابته عدة نقائص وأخطاء مثله مثل بقية مجالات عمل الجبهة. إن رئيس الكتلة قد كلّ خلال الأربع سنوات الماضية من دعوة أعضاء الكتلة إلى الاجتماع والتشاور بشكل منتظم من أجل توحيد المواقف وضبط الخطط الضرورية لإعطاء عمل الكتلة النجاعة المطلوبة. ولكنّهلم يُوَفِّق في ذلك، فبقي عمل الجبهة البرلماني منقوصا.إن مشاريع القوانين المقدمة باسم الكتلة تُعدّ على أصابع اليد الواحدة، وهي نقيصة تركت الجبهة عرضة للعديد من النقود وبات من الضروري تداركها ولو جزئيا فيما تبقّى من الفترة النيابية.
ومن جهة أخرى فقد وجدت الكتلة نفسها، أمام ممارسات فردية لبعض النواب، دفعت ثمنها السياسي الجبهة ككل التي اتهمت تارة بالتواطؤ مع الشاهد وطورا بالتواطؤ مع السبسي، وطورا ثالثا بالولاء لهذه الجهة الأجنبية أو تلك، دون أن تقدر على الدفاع عن نفسها بشكل واضح وجريء بما يضع حدا لتلك الممارسات أو بما يجعلها لا تحسب على الجبهة. وهو ما ينبغي معالجته بشكل جدي ودون مجاملات فليس من المعقول أن تتحمّل مكوِّنات الجبهة أخطاءً لا مسؤولية لها فيها.
ومن البديهي أن استمرار الوضع على هذه الحالة من التشتت لن يسمح للجبهة بالتقدم نحو تحقيق أهدافها بل إنها لن تتحول إلى قوة قادرة على قلب موازين القوى. ومن هذا المنطلق فإنه من الضروري ضبط رزنامة نقاشات لتوحيد الجبهة قطاعيا. لقد اتفقنا منذ الندوة الماضية على حسم هذه المسألة في الندوة الرابعة، وعليهفمن الضروري إعداد التقارير اللازمة والمقترحات الملموسة لنكون عند تعهّدنا رغم التأخر الذي عرفه انعقاد هذه الندوة.إن هامشا كبيرا من الحرية ينبغي أن يمنح لرفيقاتنا ورفاقنا في مختلف القطاعات ليبلوروا مقترحاتهم لتحقيق وحدة صفهم.
خامساـ وفي الحضور الإعلامي: إن المسألة واضحة في هذا الإطار فقيادات الجبهة لا تتصرف بنفس الأسلوب. فالبعض منها يؤثر الحديث في وسائل الإعلام باسم صفته الجبهوية والبعض الآخر يؤثر الحديث بصفتها الحزبية وفي أحسن الحالات فهو يسعى إلى إبراز صفته الحزبية إلى جانب صفته الجبهوية، بل ثمة من لا يتردد أحيانا، رغم أن الجبهة أوصلته إلى سدّة البرلمان، في الحديث باسمه الشخصي. وهو ما يعطي مشروعية لضجر المكونات التي ليس لها تمثيل في البرلمان أو ليس لها دخول سهل لوسائل الإعلام أو التي تؤثر الكلام باسم الجبهة الشعبية فقط. إن العديد من مناضلي مكونات الجبهة أصبح يتساءل هل الجبهة مكسب للجميع أم مكسب لهذا الطرف أو ذاك كي يجعلها وسيلة للتعريف بحزبه؟
كل هذا يتطلب توضيحا للعلاقة بين المجالين الحزبي والجبهوي. فلا المجال الجبهوي يطمس المجال الحزبي، إذ من حق كل مكوّن أن يستفيد من وجوده في الجبهة بل من حقّه ألا تطمس الجبهة ذاتيه الحزبية. ولا المجال الحزبي يطغى على المجال الجبهوي فتصبح الجبهة إطارا شكليا للتوظيف الحزبي لا غير.
ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد. إن التشهير، ولا نقول النقد، أصبح وسيلة من وسائل التعامل داخل الجبهة الشعبية سواء كان ذلك عبر وسائل الإعلام العادية أو عبر الشبكة الاجتماعية. وهو يستهدف القيادات كما يستهدف المؤسسات بل والجبهة الشعبية ككل أحيانا بهدف التحقير والتقزيم. ولو أنّنا أحصينا حملات التشهير التي انطلقت من داخل الجبهة ضد الجبهة أو ضد ناطقها الرسمي أو ضدّ بعض قيادييها الآخرين والتي ساهم فيها قياديون من هذا المكون أو ذاك، لوجدنا أنها أكثر عددا من الحملات التي شنها الخصوم والأعداء أحيانا بل إن هذه “النيران الصديقة” شكّلت مادة للإعلاميين المعادين للجبهة ولخصومها السياسيين كي يشوهوا صورتها عند الرأي العام ويقلّلوا من شأنها وهو عامل من العوامل المهمّة التي ساهمت في تراجع إشعاع الجبهة وإضعاف ثقة الناس فيها. وهو أمر مفهوم فالإنسان العادي إذا لاحظ أن قيادات جبهوية يشكك بعضها في بعض أو حتى يشكك في قدرة الجبهة على مواجهة الائتلاف الحاكم فينبغي أن يكون غبيا حتى لا يقول: “وشهد شاهد من أهلها فلماذا أنخرط في تنظيم يشهد أصحابه أنفسهم بأنه فاشل وعاجز”.
إن النقد يبني ويعطي الأمل ويقوّي الثقة، أما ما يمارس الآن في الجبهة من قبل بعض قياديها فهو تشهير منقاد بحسابات ضيقة وبالتالي فهو يُضعف ويُحْبط. ومن هذا المنطلق فإن الجبهة الشعبية إذا لم تتجاوز هذه الحالة ولم تفرض الانضباط، على الأقل على قياديها، مركزيا وجهويا ومحليا، فإن ما تبنيه في أشهر يمكن أن يُهْدَمَ في لحظة سواء عن حسن نية أو سوء نية خاصة إذا لم يواجه بقوة من كافة الجسم الجبهوي ولعبت فيه عقلية المناصرة الفئوية التي تهوّن من تجاوزات “القريب” وخطورتها وتضخّم من أخطاء “الآخر” حتى لو كانت محدودة.
3ـ حول الهيكلة والتنظيم:
إن التنظيم أداة لتحقيق أهداف سياسية وليس مسألة تقنية مستقلة بذاتها. وقد لاحظنا أنه كلما تم التطرق إلى أوضاع الجبهة إلّا وكانت هذه المسألة في صدارة التعاليق: “الجبهة موش مهيكلة”، “الجبهة موش منظمة”، “الجبهة بلا قيادة” الخ… ولكننا لم نتساءل عن السبب الحقيقي لتردي الوضع التنظيمي للجبهة. وفي هذا السياق فإننا نغفل في داخل الجبهة أننا هيكلناها مرة في مرة ناهيك أننا منذ 2014 هيكلنا الجبهة على الأقل مرتين ولكن هذه الهيكلة سرعان ما تنحل وتندثر ولا يبقى منها إلا النزر القليل.
وفي رأينا فإن الأسباب متعددة لفشلنا التنظيمي:
أولا: غياب رؤية واضحة للعمل الجبهوي. إن الخلط بين العمل الجبهوي والعمل الحزبي ما يزال قائما. إن الجبهة ليست حزبا تجمعه وحدة الخط الفكري والسياسي والتنظيمي، بل هي تنظيم خاص يجمع أحزابا وتنظيمات وشخصيات مختلفة في انتماءاتها الفكرية وفي استراتيجياتها السياسية البعيدة وفي مفاهيمها التكتيكية أحيانا ولكنها تلتقي حول أهداف سياسية مباشرة ومرحلية، كما هو الحال في جبهتنا، تريد أن تعمل على تحقيقها بعضها مع بعض. ومن هذا المنطلق فإن أية هيكل لا تراعي هذا المعطى وتسقط في نزعة إرادية محكوم عليها بالفشل.
إن الجبهة لا يمكن أن تخضع لنفس شروط الحزب. فإخضاع كافة هياكل الجبهة للانتخاب مثلا كما لو كانت لحمة واحدة تمشّ غير سليم لأنه يمكن أن يقود إلى إسقاط كل مرشحي المكونات صغيرة الحجم نسبيا (لأن حجم كافة مكونات الجبهة صغير) أو حتى إسقاط ممثلي أي مكون من المكونات بمجرّد تشكيل تحالف بين مكوّنين أو أكثر. وإلى ذلك فقد رأينا أن الانتخاب لا جدوى له في تشكيل المكاتب الجهوية والمحلية إذ تشتد الصراعات على المنصب ولكن ما أن تنتهي الانتخابات حتى تنحل المكاتب الجهوية والمحلية وذلك راجع لسبب أساسي وهو سعي المكونات لافتكاك المقعد دون مراعاة عامل الكفاءة في مناضليها الذين تقترحهم.
إن الأحزاب ينبغي أن تكون مسؤولة عن ممثليها داخل الهياكل القيادية للجبهة وعن أدائهم وانضباطيتهم: تعينهم وتتابعهم وتقبل نقدهم من هياكل الجبهة وعند الاقتضاء تغيّرهم لا أن تتعامل بمنطق: “أنصر أخاك ظالما أو مظلوما” تبرر أخطاءه وانحرافاته. وبعبارة أخرى فإن ممثلي المكونات في الجبهة مطالبون بأن يكونوا فعلا جبهويين لا ممثلين لأحزابهم من أجل فرض مواقفها أو لتطويع الجبهة في هذا الاتجاه أو ذاك لأجنداتها ومصالحها الضيقة. وبطبيعة الحال فإن الحياة داخل هياكل الجبهة ينبغي أن تكون ديمقراطية وينبغي أن تخضع التعيينات في هذه الخطة أو تلك، بما فيها خطة الناطق الرسمي، للنقاش والانتخاب بعيدا عن الانعزالية، مع مراعاة مبدأ التداول كلما دعت الضرورة إلى ذلك وإن لزم الأمر تقنين هذا التداول فما المانع من ذلك؟. كما أن ممثلي الأحزاب والمستقلين ما أن يدخلوا أطر الجبهة حتى يصبحوا خاضعين لانضباطيتها.
أما بالنسبة إلى المستقلين فإننا نجد أنفسنا أمام جملة من الإشكاليات التي علينا معالجتها. إن الجبهة هي جبهة أحزاب أساسا في الوقت الراهن على الأقل. ولكن ذلك لا يقلل بالمرة من وزن العناصر غير الحزبية. ولا أدل على ذلك من القرار المتخذ منذ الندوة الفارطة في تمكين المستقلين، حيثما وجدوا، بثلث المقاعد داخل هياكل الجبهة الشعبية بدءا بالمجلس المركزي. ولكن السؤال يكمن فيما يلي: كيف نضمن تمثيلية ديمقراطية للمستقلين؟ وكيف نضمن أيضا حدّا أدنى من الالتزام والانضباط بالنسبة إلى هذا الرافد الجبهوي الهام؟ فالمستقلون ليسوا حزبا ليكون من السهل تمثيلهم ومن جهة أخرى فقد بينت التجربة أنه إذا كان من السهل تغيير ممثل لحزب فإنه من الصعب فرض الانضباط على مستقل وتعويضه عند الاقتضاء.
لقد ارتكبت الندوة الفارطة خطأ فادحا في تشريك الأحزاب في اختيار ممثلي المستقلين رغم ما قدم من تبريرات، منها خاصة، وهذا للتذكير، فشل المستقلين في ترشيح من ينوبهم في المجلس المركزي.كما أن المستقلين كانوا في انتخابات 2014 ضحية الحسابات الضيقة للأحزاب التي لم تراع الكفاءات المستقلة سواء في الترشيح أو في الحملة الانتخابية (عدم إسناد رئيس القائمة المستقلة من بعض المكونات). وهذا السلوك ينبغي أن يتوقف. فعلينا مراجعة النظرة للمستقلين بشكل عام وعدم النظر إليهم كـ”احتياطي” أو “عجلة خامسة”.ومن هذا المنطلق فإن على الجبهة تصحيح هذا الوضع على النحو التالي:
ـ الانفتاح على المستقلين، سواء الذين كانوا معنا وانسحبوا لسبب من الأسباب، أو الجدد منهم، والنقاش معهم والاتفاق معهم على أسلوب تعامل واضح.
ـ انتخاب ممثلي المستقلين من المستقلين أنفسهم بناء على برامج والتزامات يتقدم بها إليهم المترشح
ـ انتخاب معوضين من الندوة (suppléant) ليأخذوا مكان كل ممثل للمستقلين ينسحب أو لا يقوم بواجباته.
ثانيا: لا تنظيم دون أهداف واضحة ودون نشاط مستمر. وهذا سبب من أسباب الانهيار السريع لهياكل الجبهة. فالهياكل التي لا تعرف نحو أي هدف تسير وما هي المهمات التي عليها إنجازها لتحقيق ذلك الهدف محكوم عليها بالانحلال. وتعود المسؤولية الأولى في ذلك إلى قيادة الجبهة التي لم تمارس دورها كقيادة فلم تضبط خطط عمل ولم تتابع تنفيذها بل هي تتحرك بشكل مناسباتي وحين تبدأ في عمل ما فهي لا تتابع تنفيذه وغالبا ما تنتقل إلى عمل آخر دون تقييم الخطوة السابقة. إن الجبهة الشعبية لم تقيم مثلا انتخابات 2014 التشريعية والرئاسية ولا التحركات الميدانية التي خاضتها بعد هذه الانتخابات. كما أنها لم تُقيّم الانتخابات البلدية الأخيرة بل إنّ التقييم توقَّف عند الخطوط العريضة ولم يتناول مسؤولية كل مُكَوّن وكل قيادي وكل نائب من النواب في النتائج الهزيلة الحاصلة. ويعود السبب في ذلك إلى الروح السكتارية السائدة التي تُعيق التعمّق في التقييم حتى يصل إلى نقطة تحميل المسؤوليات. وهو ما يعكس عقلية سلبية وأسلوب عمل متخلِّفا.
وإذا أردنا فعلا تجاوز هذا الواقع فإننا مطالبون برسم أهداف ملموسة للجبهة الشعبية تراعي مطالب الشعب ومشاغله بما يسمح لكل طبقة أو فئة من هذا الشعب بأن تجد نفسها ضمن اهتمامات الجبهة الشعبية فترى فيها المعبر عن مطالبها وطموحاتها. كما تراعي حالة موازين القوى في اختيار أشكال النضال وأساليبه. وفي هذا السياق فإننا نشير إلى أنّ حزب العمال ضمّن في وثيقة مجلسه الوطني ما يعتقده محاور أساسية لتعبئة الطبقات والفئات الكادحة والفقيرة والمتوسطة في هذه المرحلة بالذات.
إن هذه المحاور تهمّ الدفاع عن السيادة الوطنية المنتهكة وعن حرية شعبنا ومكاسبه الديمقراطية كما تهمّ الدفاع عن اقتصاد وطني قادر على توفير متطلبات العيش الأساسية للشعب وفي مقدّمتها الحق في الشغل وفي الصحة والتعليم وغيرهما من الخدمات العامة كالماء والتنوير الكهربائي والسكن اللائق. وفي المجال الخارجي الدفاع عن القضايا العادلة لشعوبنا العربية وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني ولشعوب العالم قاطبة في مواجهة الاعتداءات الإمبريالية والرجعية. كل هذه المحاور من الضروري تنزيلها في الواقع وربطها بالأحداث وبسياسات منظومة الحكم.
ثالثا: لا تنظيم دون قيادة فعلية وناجعة:
يمثل العمل القيادي، في كافة المستويات، إحدى أهم حلقات الضعف داخل الجبهة الشعبية. فالهيئات القيادية التي انبثقت عن الندوة الثالثة ضعيفة بكل المقاييس بل يمكن القول إن الوضع كان قبل هذه الندوة، أي في فترة “مجلس الأمناء”، أفضل من ناحية النجاعة على الأقل. لقد انتخبت الندوة مجلسا مركزيا يضم 25 عضوا ليتولى تكريس التوجهات العامة التي حدّدتها. وقد انتخبت هذا المجلس ناطقا رسميا وهيئة تنفيذية دورها السهر على تنفيذ قرارات المجلس المركزي ومتابعة النشاط اليومي للجبهة. وتضم هذه الهيئة مسؤولي الدوائر التي تم انتخابها من بين أعضاء المجلس المركزي. وقد تم الاتفاق على أن يجتمع المجلس المركزي مرة في الشهرين وكلما اقتضت الحالة ذلك.
ولكن ما هي إلا فترة قصيرة حتى انحلت الهيئة التنفيذية لتداخل صلاحياتها مع المجلس المركزي ولتكاثر الغيابات والمشاحنات، مما فرض على المجلس المركزي الاجتماع بشكل متواتر رغم كثرة العدد والبعد عن العاصمة بالنسبة إلى البعض. كما اندثرت الدوائر لغياب برامج العمل من جهة وعدم المتابعة بالنسبة إلى البعض الآخر الذي وضع برنامج عمل. من جهة أخرى. ولم يبق في النهاية إلا مجهود بعض الأفراد في العمل الجماهيري أو التنظيم أو الإعلام. ونتيجة ذلك كله ضعفت العلاقة بالمكاتب الجهوية واقتصرت في غالب الأحوال على الإعلام الذي لا يعمم ولا يصل إلى كافة مناضلي الجبهة ومناضليها. ولقد انعكس ذلك كله سلبا على نشاط الجبهة وعلى أدائها الميداني والإعلامي.
إن الجبهة الشعبية محتاجة إلى هيئات قيادية وإلا فإنها ستبقى مجرّد “تراصف تنظيمات” غير موحّدة وهو ما يحدّ من تأثيرها ويشلّ تطوّرها. ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا إذا توفّر الوعي بأن الجبهة ضرورة تاريخية في هذه المرحلة وأن كل المكونات الثورية والتقدمية في حاجة إليها لتقوية ذاتها وافتكاك قيادة الشعب من القوى الرجعية. وهذا الوعي ولئن هو موجود في الوقت الراهن فهو من جهة ضعيف ومن جهة ثانية منحصر في بعض القيادات المركزية أو الجهوية بينما الطاغي هو العقلية الانعزالية وهو ما تشهد به الحالة العامة للجبهة خاصة في المستوى القطاعي الذي تحدّثنا عنه.
وإلى ذلك فإنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال نفي غياب روح المبادرة لدى المكاتب الجهوية والمحلية للجبهة الشعبية وهو ما حدّ من انغراسها في صفوف الطبقات والفئات الكادحة والشعبية. فلا أحد، في المستوى المركزي، فرض حدودا على نشاط الجهات بل على العكس من ذلك لم تتوقف الدعوات للمكاتب الجهوية والمحلية باتخاذ المبادرات من أجل تفعيل ما تطرحه الجبهة من شعارات أو سياسات لتوسيع حضورها وتأثيرها صلب جماهير الشعب. فكم جهة تحركت مثلا لمواجهة قانون المصالحة؟ وكم جهة تحركت أيضا لمواجهة ميزانية 2017 و2018 رغم دعوات المجلس المركزي؟ وما هي الجهات التي قامت بأنشطة محلية سواء لدعم نضالات جماهيرية أو للتحريض على القيام بتحرّكات حول محاور محددة؟
ومن هذا المنطلق فإن ما تحتاجه الجبهة هو قيادات مركزية وجهوية ومحلية تتوفر فيها الروح الجبهوية والكفاءة السياسية والعملية مع صلاحية اتخاذ القرار. ونحن نرى أن من بين مراكز القيادة التي ينبغي أن تتوفر هو مجلس للأمناء العامين للمكونات مع تمثيل للمستقلين صلبه بما يكسب قيادة الجبهة فاعلية أكبر خاصة في مستوى سرعة اتخاذ القرار والالتزام بتنفيذه.أما في خصوص خطة الناطق الرسمي فكما سبق أن أشرنا إلى ذلك فمن الضروري أن تكون محل توافق بين مختلف المكونات. ونحن في حزب العمال لم نكن في أي يوم من الأيام لا ضد الانتخاب ولا ضد التداول في هذه الخطة.
رابعا: ضعف الجبهة الشعبية من ضعف مكوناتها
إن الجبهة الشعبية، أحببنا أم كرهنا، صورة لمكوناتها فإن كانت مكوناتها منظمة ومنضبطة وجادة تنجح الهيكلة وإن كانت عكس ذلك فهي تفشل. وفي الواقع فإن جبهتنا تعاني من ضعف مكوناتها. ويكفي أن نتساءل عن حالة هذه المكونات مركزيا وجهويا ومحليا. إن نشاط المكونات ضعيف حتى لا نقول إنه منعدم أحيانا. فكيف يمكن للجبهة والحالة تلك أن يكون لها نشاط غزير وأداء لافت؟
إن الجبهة الشعبية لن تتقدّم إذا لم تتقدّم مكوّناتها.وفي هذا السياق لا بدّ على الأقل من توضيح العلاقة بين العمل الحزبي والعمل الجبهوي. إنّ العمل الجبهوي لا ينافي بالمرة العمل الحزبي والعكس بالعكس. فكل مكوّن من مكونات الجبهة يحقّ له القيام بنشاطه الخاص: الدعاية لخطه الفكري والسياسي وبرنامجه وانتداب مناضلين جدد الخ… المهم في كل ذلك هو احترام المشترك المدون في أرضية ومقررات وبرامج عمل. ونحن إذ نشير إلى هذه النقطة فلأن الحد بين العمل الحزبي والعمل الجبهوي أصبح غير واضح: أحزاب تبرر عدم نشاطها بعدم نشاط الجبهة، وجبهة في عطالة لأن الأحزاب لا تقدم مقترحات لتنشيطها وهو ما أصبح يثير تساؤلات لدى العديد من مناضلات المكونات الحزبية ومناضليها حول ما إذا كانت الجبهة إطارا لتقوية الأحزاب أم لتعطيل تطورها؟ وهو أمر خطير لا بد من وعيه ومعالجته.
4ـ الخطاب:
إن الحديث عن “ضعف” خطاب الجبهة و”مساوئه”، سواء كان ذلك في وسائل الإعلام أو في مجلس نواب الشعب كثير، بل هو حاضر في كل مرة يتم فيها التطرق إلى تقييم نشاط الجبهة. ولكنالحديث عن خطاب الجبهة فيه التباس كبير لم يقع رفعه إلى حد الآن. فالبعضحين يتحدّث عن خطاب الجبهة فإن اهتمامه الأول منكب على المضامين لا يتفق مع هذا الموقف أو ذاك المعبر عنه من هذا المتحدث أو ذاك. والبعض الآخر يقصد في المقام الأول الطريقة التي يتم بها تقديم مواقف الجبهة وبالأحرى الجانب الاتصالي. وهذان المستويان لا بد من فصلهما بعضهما عن بعض.
إن خطاب الجبهة ينبغي أن يكون موحّدا في كل ما هو مشترك. وهو ما يتطلب توضيح الرؤية السياسية للجبهة.فحين يكون للجبهة رؤية موحدة وتكتيك واضح يمكن للخطاب السياسي أن يكون موحدا كما يمكن للتقييم أن يستند إلى معطيات موضوعية.
أما في خصوص الجانب الاتصالي فهو يقتضي أن يكون للجبهة الشعبية دائرة إعلامية مختصة لتأطير تدخلات الجبهة الشعبية والدعاية لها.
إن أهمية الاختصاص يكمن في تجاوز الأحكام الانطباعية والذاتية والسكتاريةأيضا: “كل ما يأتي من المكونات الأخرى سيء وكل ما يأتي من رفاقي إيجابي” وضبط معايير موضوعية وعلمية للحكم على مادتنا الدعائية: ما هي الفئات التي نستهدفها بخطابنا؟ وما هو تأثيرنا فيها؟ الخ…
ولكن هذا لا يمكن أن يخفي عنا حقيقة وهي أن ليس للجبهة، على كثرة أنصارها، جيش من الفايسبوكيين الذين ينشرون مواقفها ويدافعون عنها بحماس. إن النزعة السكتارية ما تزال طاغية على السلوك: الدفاع عن الحزبي بدل الدفاع عن الجبهوي ناهيك أن الأمور تصل أحيانا إلى استخدام “المقص” لتغييب صورة هذا أو ذاك من الجبهة لتسويق الحزبي فقط الخ…
ومن جهة أخرى فإن الجانب الاتصالي يتطلب تكوينا وتأطيرا وهو أمر غائب في الجبهة حاليا إذ الجميع يتصرف “بعلي” ودون أية خطة تذكر. إن قوة بعض الأحزاب الاتصالية تكمن في أن لها “ماكينة” للقيام بدعايتها ونشر مواقفها والدفاع عنها والتشهير بخصومها وهو ما يسمح لقياداتها بعدم الظهور في وسائل الإعلام أو بالتقليل منها في حين أننا في الجبهة الشعبية إذا غبنا عن وسائل الإعلام تساءل الناس: أين هم؟ لأننا لا نملك بديلا إعلاميا يخترق الحصار الإعلامي لنا ويمكننا من التواصل مع الفئات التي نستهدفها بدعايتنا ومنها الشباب خاصة.
من هذا المنطلق فإن من أوكد واجباتنا عادة تنظيم الدائرة الإعلامية على أسس جديدة بما يمكننا من تحقيق الأهداف المذكور:
ـ ضبط خطة إعلامية ـ اتصالية للجبهة الشعبية
ـ ربط العلاقات بوسائل الإعلام لضمان حضور مستمر ومنظم ومتنوع للجبهة الشعبية في وسائل الإعلام.
ـ تكوين شبكة لتحقيق تدخل ناجع للجبهة في الشبكة الاجتماعية: ترويج مواقف الجبهة والدفاع عنها والرد على الخصوم.
ـ تأطير المتدخلين من الجبهة الشعبية في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية بالاعتماد على كفاءات اتصالية لتحسين أدائهم.
5ـ في معالجة الخلافات داخل الجبهة
إن إحدى أهمّ المسائل المطروحة داخل الجبهة الشعبية هي كيفية معالجة التناقضات في صلبها. فإذا كان من البديهي أن تظهر تناقضات وخلافات داخل الجبهة بحكم تعدد المشارب الفكرية والسياسية وتنوع المقاربات والتقديرات داخلها فإن ما هو غير مقبول أن يتواصل التعامل مع هذه التناقضات بأساليب خاطئة، غير رفاقية.
لقد وصلت الأمور في أكثر من مناسبة إلى حد السب والشتم والتخوين. ظهر ذلك في مسائل تهم الأوضاع الداخلية في تونس كما ظهر بمناسبة أحداث عربية وإقليمية. والخطير في كل ذلك مشاركة عناصر قيادية من مكونات الجبهة في هذه السلوكات. وكثيرا ما يقع تبرير ذلك “بالانفلات” وتمر الأمور وتعود تلك العناصر مجددا إلى الواجهة لتسب وتشتم وتخوّن وهو ما أثر ويؤثر في إفساد العلاقات بين المكونات والتقليل من منسوب الثقة بينها من جهة وإعطاء صورة سلبية عن الجبهة الشعبية لدى الرأي العالم بما في ذلك لدى الطيف الواسع من المناضلات والمناضلين التقدميين الذي أصبحوا ينفرون من الجبهة بسبب تلك الممارسات من جهة أخرى.
إن النقاش الفكري والسياسي ينبغي أن يكون موجودا بين مختلف مكونات الجبهة الشعبية ومن الضروري التعبير عنه بمختلف الوسائل: تنظيم ندوات، نشر نصوص وكتب الخ… ولكن المسألة في الأسلوب. لا يمكن بأي شكل من الأشكال قبول أسلوب التشهير بين مكونات تنضوي تحت نفس الجبهة. وإذا أردنا حقا أن نضع حدا لعديد السلوكات المزرية فلا بد من ضبط مدونة سلوك تحدد العلاقات بين مكونات الجبهة وتنص على إجراءات ملموسة للتصدي لتلك السلوكات.
6 ـ الانتخابات التشريعية والرئاسية:2019
إن الانتخابات التشريعية والرئاسية لعام 2019 على الأبواب. ومرة أخرى فإن أكثر من مؤشر يدل على أن الجبهة الشعبية لا تنوي القطع مع ممارساتها السابقة أي إضاعة الوقت وعدم الاستعداد المبكر. وهذه الممارسات كانت ساهمت سواء في الانتخابات التشريعية والرئاسية لعام 2014 أو الانتخابات البلدية لهذا العام في النتائج المتواضعة للجبهة الشعبية. وما من شك في أن هذه الممارسات تعكس عقلية مرضية قديمة عند مكونات جبهتنا وهي تتمثل في ضعف التخطيط وترك كل شيء لآخر لحظة. ولكن ما زاد الطين بلة هو الحسابات الحزبية الضيقة.
إن الجبهة الشعبية مطالبة هذه المرة بالتعجيل بمناقشة الاستعدادات لانتخابات 2019 التشريعية والرئاسية. وتعتبر نهاية هذا العام أجلا معقولا لكي تكون الخطة العامة جاهزة: مناقشة الأهداف المرجو تحقيقها، المعايير التي ستعتمد لتوزيع رئاسات القائمات بين المكونات، المعايير التي ستعتمد لترشيح أعضاء القائمات، حصص النساء والشباب في القائمات، الاستعداد اللوجستي والمالي الخ…
وإلى ذلك كله فإن مرشحي الجبهة الشعبية محتاجون إلى وقت للتعريف بأنفسهم وتقديم برامجهم للشعب ولا يمكنهم القيام بذلك في فترة وجيزة. إن الانتصار للثورة والشعب هو الذي يجب أن يتقدم على أي حسابات حزبية ضيقة.
في الختام
إن الجبهة الشعبية تمثل كما قلنا ذلك في مطلع هذه الوثيقة استجابة لحاجة موضوعية ملحة. وهي مكسب للشعب التونسي ولكن المشكل كل المشكل يكمن في قدرة مكوناتها على الاستجابة لهذه الحاجة والإيمان بها وتقديم مصلحة الشعب على المصالح الحزبية والشخصية الضيقة. وعليه فإن الجبهة إذا تقدمت فسيكون ذلك بفضل نضج مكوناتها وإن فشلت فسيكون ذلك بسبب ضعف روح المسؤولية والوعي عند هذه المكونات.
إن الكرة في ملعبنا.
سبتمر 2018