من كان يصدّق أنّ “داعش” ستحتفظ بالموصل لمدة سنة كاملة؟ فعندما سيطرت عليها في مثل هذا الشهر من السنة الفارطة ظنّ الجميع أنّ هذا التنظيم الإرهابي لم يتمكّن من البقاء طويلا في هذه المدينة العريقة التي تعتبر ثاني أكبر مدينة في العراق وتتميز بعمقها الثقافي والتاريخي والحضاري وتنوعها السكاني رغم الغالبية السنية التي تقطنها.
وقد اعتقد الجميع أنّ المقاومة الشعبية ستنهض بسرعة لطرد “الدواعش” بعد انهيار الجيش العراقي وهروبه وتواطؤ قوات الاحتلال الأمريكي مع الغزاة الجدد وهو ما جعلهم يدخلون المدينة دون مقاومة ويبسطون سيطرتهم عليها ويجعلون منها منطلقا لـ”غزواتهم” وتوسيع دائرة نفوذهم.
كلّ هذه التوقّعات كذّبتها الوقائع الميدانية وبقيت “داعش” تحكم الموصل لمدة سنة كاملة في ظل وضع مستقر جعل المراقبين يتساءلون ليس فقط عن مستقبل الموصل في ظل حكم “الدواعش” ولكن أيضا عن مستقبل العراق وإمكانية تقسيمه. بل إنّ البعض ذهب إلى اعتبار العراق مقسّما الآن ما دامت لا تحكمه سلطة مركزية واحدة وما دامت القوى العظمى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية متواطئة مع “داعش” وساكتة عن اعتداءاتها وقابلة بتوسّعها وسيطرتها على مزيد من المناطق بل وأكثر من ذلك تمدّها بالأسلحة والمؤونة وتضيّق بالمقابل الخناق على القوى المتصدّية لها حسب ما ذكرته عديد التقارير والمعطيات التي لا يرقى إليها الشك حتى بات من تحصيل الحاصل لدى القاصي والداني أنّ “داعش” هي الأداة التي تستعملها واشنطن لتقسيم العراق من خلال فسح المجال أمامها للتوسع في المناطق “السنيّة” وتهجير الأقليات الأخرى نحو مناطق يقع الإعداد لها مسبقا لإعادة رسم خارطة العراق على أسس طائفية ومذهبية تمهيدا لتقسيمها إلى ثلاثة أقاليم إقليم لـ”السنة” عاصمته الموصل، وإقليم للشيعة عاصمته الموصل وإقليم للأكراد عاصمته كركوك في حين يقع تقسيم بغداد بين الشيعة والسنة حسب الانتماء الطائفي. ومشروع التقسيم هذا ليس جديدا بل هو قديم وخطّط له الاحتلال الأمريكي منذ احتلاله للعراق.
لقد أدّت الحرب الطائفية المدمّرة في العراق إلى قتل روح المواطنة لدى المواطن العراقي وغاب الانتماء إلى الوطن وعوّضه الانتماء للطائفة والقبيلة، وهذا ما يفسّر عدم قيام مقاومة وطنية لمواجهة تنظيم “داعش” في الموصل وفي المناطق ذات الغالبية السنية التي سيطر عليها. فالسنة في العراق عانوا من ظلم وبطش الحكومات الطائفية المتعاقبة على العراق والمدعومة من إيران ومن الاحتلال الأمريكي لذلك فإنّنا نراهم اليوم قابلين نوعا ما بحكم “داعش” لأنهم يرون فيها قوة طائفية مضادة بإمكانها الانتقام لهم وحمايتهم من بطش الطوائف الأخرى وخاصة الطائفة الشيعية.
إنّ العراق يمرّ اليوم بمرحلة صعبة جدا فالمواطن العراقي فقد الإحساس بالمواطنة وظل الاحتماء بالطائفية ملاذه الوحيد والاحتلال يستغل هذه الحالة للدفع نحو جعل تقسيم العراق أمرا واقعا وحلاّ مقبولا من طرف أغلب العراقيين. وما بقاء “داعش” عاما كاملا في الموصل إلاّ مقدمة نحو استكمال مخطط التقسيم.
(صوت الشّعب: عبد الجبّار المدّوري)