إنّ العملية الإرهابية التي جدّت بسوسة يوم الجمعة الفارط تمثّل، كما جاء على لسان الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية، كارثة وفضيحة في نفس الوقت: كارثة بحسب عدد الضحايا غير المسبوق (39 قتيلا ومثلهم من الجرحى)، وبحسب الانعكاسات المنجرّة عن هذه العملية الشنيعة على قطاع السياحة الذي ما يزال يعاني من ضربة باردو في مارس الماضي، وفضيحة بالنظر إلى السّهولة التي نفّذ بها الجاني جريمته. فهو لم يجد أمامه أيّا من أعوان الأمن ليصدّه، بل إنّ هؤلاء لم يصلوا إلى ساحة الجريمة إلاّ بعد حوالي نصف الساعة، أي بعد أن أتمّ الإرهابي ما كان خطّط له من قتل أكبر عدد من السيّاح الأجانب، في الوقت الذي كان فيه من المفروض أن يتواجد الأعوان بالمكان وأن تصلهم التعزيزات، عند الحاجة، في ظرف دقائق.
إنّ هذا التّقصير اعترف به وزير الداخلية الذي صرّح بأنه لو وُجد عون أمن واحد مسلّح بالمكان، لكان عدد الضحايا أقلّ بكثير ممّا حصل، بل ربما لن يتجاوز الثلاثة أو الأربعة قتلى. أمّا رئيس الدّولة فقد صرّح من ناحيته بأنّ السلطات “فوجئت” بهذه العملية، وهو ما أثار الاستغراب والاستياء في نفس الوقت وعرّى فداحة التقصير الحاصل. فقد تساءل الناس: أين هي الإجراءات التي تمّ إعلانها في مارس الماضي، بعد عملية باردو التي استهدفت السياح هي أيضا؟ وأين هي الإجراءات الاستثنائية التي قيل إنها اتخذت بمناسبة الموسم السياحي من جهة وحلول شهر رمضان الذي يتزايد فيه تقليديا النشاط الإرهابي من جهة ثانية؟ وفوق ذلك كلّه من كان لا يتوقع حصول هجومات إرهابية بهاتين المناسبتين؟ ألم يصرّح رئيس الحكومة بأنّ هدف حكومته الأمني هو رمضان دون عمليات إرهاب؟ وبالتالي ما معنى أن يتحدث رئيس الدولة عن “مفاجأة”؟
لقد كشفت جريمة سوسة الإرهابية مرة أخرى أنّ الكلام والتصريحات في واد والأفعال في واد آخر. فكانت كلفة التّقصير باهظة. ولكن ماذا ترتّب عن هذا التقصير؟ هل استقال وزير الداخلية أو أقيل من منصبه باعتباره يتحمّل المسؤولية الأولى، بحكم منصبه، في ما حصل؟ وهل استقال أو أقيل أحد من كبار المسؤولين الأمنيّين الذين قصّروا في أداء واجبهم ولم يتّخذوا الاحتياطات اللاّزمة تنفيذا لما تقرّر من إجراءات؟
بالطبع لا. لقد اتّخذت بعض الإجراءات بشأن بعض المسؤولين المحليين وكفى. وهو ما كان حصل أيضا، بمناسبة جريمة باردو، في مارس الماضي، رغم أن هول ما حصل لا تنحصر المسؤولية عنه في صغار الموظفين الأمنيين. وهو ما يثير مسألة في غاية من الأهمية، ألا وهي ثقافة المحاسبة التي تمثّل ركنا أساسيّا من أركان الديمقراطية الحقة والتي من الظاهر أنها لم تدخل بعد قاموس حكامنا لضعف ثقافتهم الديمقراطية، إن لم نقل لانعدامها أصلا. فالأخطاء تتوالى والمسؤولون باقون في مناصبهم إلى أن يقرّر “صاحب الأمر” التخلّي عنهم، تماما كما كان يحصل في زمن الحكم الفردي لبورقيبة أو بن علي.
فمن سيتحرّك من نوّاب الشّعب ليطلب مساءلة وزير الداخلية؟ الكرة هذه المرة، كما في مرّات سابقة، عند نوّاب الجبهة الشعبية، فليسارعوا بتحمّل مسؤوليّاتهم.