أصدرت الجبهة الشعبيّة بيانا ردّا على خطاب رئيس الجمهوريّة الباجي قايد السّبسي حول قراره إعلان حالة الطّوارئ بالبلاد:
توجّه رئيس الدولة مساء السبت 3 جويلية 2015 بخطاب إلى الشعب التونسي أعلن في خاتمته أنه، بعد استشارة رئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الحكومة، أمضى قرارا يقضي بإعلان حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية لمدة ثلاثين يوما، وذلك استنادا إلى الأمر عدد 50 لسنة 1978. وقد برّر رئيس الدولة هذا القرار بتردّي الوضع الاقتصادي والاجتماعي وخاصة كثرة الإضرابات والاحتجاجات الشعبية وتزايد المخاطر الأمنية التي تهدّد استقرار البلاد، ذاهبا إلى أنه يكفي أن تحصل عملية جديدة شبيهة بعملية سوسة لكي “تنهار الدولة”.
إن الجبهة الشعبية إذ تذكّر بموقفنا المبدئي من الإرهاب الذي كانت أول من اكتوى بناره، باغتيال إثنين من قادتها ورمزين من رموزها، الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي، وبدعوتها المبكرة إلى ضرورة عقد مؤتمر وطني لضبط إستراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب، وإلى اتخاذ إجراءات مستعجلة، جدّية وناجعة، كمدخل ضروري لهذه الإستراتيجية، دون المساس بحرية التونسيات والتونسيين وحقوقهم، ترى من الضروري إبداء الملاحظات التالية بشأن خطاب رئيس الدولة وقرار إعلان حالة الطوارئ:
1 – إن رئيس الدولة لم يكن مقنعا في خطابه الذي جاء بعد حوالي أسبوع من عملية سوسة، لأنه لم يقدّم ما يفيد أن هناك دوافع جديدة واستثنائية من شأنها أن تفرض على السلطة إعلان حالة الطوارئ بل إن ما قدمه من مبرّرات لقرار إعلان حالة الطوارئ ليس جديدا ولا يقتضي بالضرورة قرارا استثنائيا بقدر ما يقتضي اتخاذ إجراءات لتحسين جاهزية القوات المسلحة وأجهزة الأمن الداخلي لتدارك ما شاب عملها من قبل من إخلالات ونواقص كانت السبب الحقيقي والأساسي وراء فظاعة الخسائر الحاصلة تقريبا في كل العمليات الإرهابية التي طالت قوات الجيش والأمن أو المدنيين (باردو، سوسة) وهي نقائص وإخلالات لن يحلها قرار إعلان حالة الطوارئ.
2 – إن تخصيص رئيس الدولة الجزء الأول من خطابه لاستعراض صعوبات الوضع الاجتماعي والاقتصادي وتركيزه على “مساوئ” التحركات الاجتماعية والإضرابات التي اعتبر أن غالبيتها “لم تكن مشروعة” ووضعها في مقام “العصيان المدني” لا يفهم منه غير كونه يضع التحركات والنضالات الاجتماعية على رأس دواعي اتخاذه قرار إعلان حالة الطوارئ مقدما إياها حتى عن الدواعي الأمنية بل عن الإرهاب ذاته، وهو ما يعكس موقفا خطيرا فيه خلط بين الإرهاب من جهة والنضالات الاجتماعية، بغرض تجريمها، من جهة أخرى.
3 ـ إن رئيس الدولة الذي حمّل، دون وجه حق، الحراك الاجتماعي مسؤولية أساسية في الانخرام الأمني وجعله سببا مباشرا لقرار إعلان حالة الطوارئ، لم ينبس، في المقابل، ببنت شفة عن مسؤولية الحكومات المتعاقبة، بما فيها حكومة حزبه وحلفائه النهضويين خاصة، في ما وصلت إليه البلاد من انهيار اقتصادي واجتماعي، ومن انخرام أمني، نتيجة اختيارات لا شعبية ولا وطنية لا تستجيب لمقتضيات الوضع في بعديه الاجتماعي والأمني خاصة.
4 – إن إشارة رئيس الدولة في كلمته إلى أنه لن يقع المساس بحرية الصحافة، مع اشتراطه ممارسة هذه الحرية، بعدم “تعكير الأجواء و”بعدم تعسير عملية محاربة الإرهاب”، يؤشّر لإمكانية تشديد الرقابة على حرية التعبير والصحافة، كما أن الإشارة فقط إلى عدم المساس بحرّية الإعلام دون غيرها من الحريات، يمكن أن يفهم منه إمكانية المساس بالحريات الأخرى، وخاصة منها حرية التظاهر.
5 – إنّ الاستناد في اتّخاذ قرار حالة الطوارئ على القانون عدد 50 لسنة 1978 الصادر بتاريخ 26 جانفي 1978 له مغزى سيّئ باعتبار الظرف الذي صدر فيه ذلك القانون (الإضراب العام الذي أقره الاتحاد العام التونسي للشغل دفاعا عن نفسه وعن الشغالين والذي سقط فيه العشرات من الشهداء برصاص قوات الأمن وميليشيات حزب الدستور) الذي اعتبر وقتها مخالفا حتى لدستور ذلك العهد، فما بالك بالدستور الجديد لتونس الذي لم يشر إليه رئيس الدولة في خطابه حتى مجرد الإشارة وهو ما يقوّي الشكوك في دستورية القرار الذي اتّخذه.
6 ـ إن تصريح رئيس الدولة بأن عملية أخرى شبيهة بعملية سوسة ستؤدّي إلى “انهيار الدولة”، هو كلام غير مسؤول وغير مقبول، لأن الهدف منه هو تخويف التونسيات والتونسيين وحملهم على قبول قرار إعلان الطوارئ بل قبول مقايضة أمنهم بحريتهم. إن تونس وشعبها، هما أقوى من أن تقوضهما عمليات إرهابية، بل إنهما قادران على مواجهتها وعلى هزم الجماعات والقوى التي ترتكبها أو تدعمها أو تتستر عليها شرط الوقوف عند الأسباب الحقيقة التي حالت وتحول، إلى حد الآن، دون التصدي للإرهاب بالنجاعة المطلوبة رغم المجهودات التي تبذلها قوات الأمن والجيش.
7 ـ إن الجبهة الشعبية إذ تدرك ما تتطلّبه مواجهة الإرهاب من مجهودات استثنائية فإنها تؤكد أن هذه المجهودات ستظل محدودة الفاعلية إذا اقتصرت على الجوانب الأمنية ولم تندرج صلب خطة وطنية عامة تأخذ بعين الاعتبار كل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية والدبلوماسية للمسألة. ويكون المدخل لهذه الخطة كشف الحقيقة في اغتيال الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي وكافة شهداء الأمن والجيش ومراجعة التعيينات والتحقيق في الأمن الموازي وحلّ الجمعيات المشبوهة والتصدّي لعصابات التهريب ومحاسبة كل من تورط في الإرهاب بالتّساهل معه أو بالتستر عليه.
8 ـ إن الجبهة الشعبية التي ناضلت دائما من أجل الحفاظ على وحدة الشعب التونسي وقاومت كل محاولات تمزيق هذه الوحدة، لا تخفي رفضها لدعوات الوحدة الوطنية المغشوشة التي تغطّي قصور الائتلاف الحاكم، بحكم تركيبته الهجينة واختياراته اللاشعبية، في معالجة أوضاع البلاد بما فيها مقاومة الإرهاب، كما تطمس الحقائق المتعلقة بالظروف التي نما فيها الإرهاب في بلادنا واستفحل، وتعفي خاصة حكومة الترويكا بزعامة حركة النهضة من مسؤوليتها في ذلك.
9 ـ إن الجبهة الشعبية ستكون دائما إلى جانب المطالب والنضالات المشروعة لكل الفئات الاجتماعية والشعبية رافضة الخلط بينها وبين الإرهاب، وإلى جانب الإعلاميات والإعلاميين الذين يقومون بواجبهم في إيصال المعلومة للتونسيات والتونسيين ولتنويرهم، رافضة كل ما من شأنه أن يمنعهم من القيام بذلك، وهي على قناعة بأن الإرهاب لا يمكن هزمه بالعودة إلى الاستبداد، وبأن الشعب التونسي قادر على هزمه وهو يتمتّع بحريته وحقوقه وكرامته.
10 – وبناء على ما تقدم فإن الجبهة الشعبية تعتبر هذا القرار متسرعا وغير مبرر ولا جدوى من ورائه في مقاومة ظاهرة الإرهاب فضلا عن كونه لا ينسجم مع الدستور (خاصة الفصل 49 والفصل 80 ) ومن شأنه أن يعرّض قطاعات السياحة والتجارة والاقتصاد ككل لمزيد من المصاعب، ولذلك فإن الجبهة الشعبية تطالب برفع هذا القرار والشّروع فورا في بدائل أخرى لمقاومة ظاهرة الإرهاب.
عن مجلس الأمناء
الناطق الرّسمي