تنطلق هذه الأيام جلّ المهرجانات الصيفية الرسمية في ظروف يـُجمع عديد المتابعين للشأن الثقافي على تدهورها. إضافة إلى أنّ طريقة التّسيير لم تأت بجديد على المستويين الهيكلي والتنظيمي. في حين تبقى الصعوبات المالية وضعف البرمجة القاسم المشترك بين أغلبها.
وتشهد المهرجانات تباينا في المستوى ينعكس بشكل مباشر على برمجتها. فبعضها ينصبّ عليه الاهتمام وتسهر على دعمها الإدارات المركزية وسلط القرار. كما تتسابق المؤسسات والشركات إلى تمويلها. في حين تُهمّش البقية وتُترك لمصيرها، الأمر الذي يجعل من المنافسة وجلب اهتمام الجمهور أمرا محسوما للمهرجانات “الكبرى” على حساب البقية.
ففي الدورة الحادية والخمسين لمهرجان قرطاج التي ستنطلق غدا السبت 11 جويلية، حظيت البرمجة بجانب كبير من عدم الرضا، حيث وصفها العديد من النقاد بأنها هزيلة ودون المأمول، ملقين باللوم على وزارة الثقافة التي لم تقدّم حلولا للنهوض بهذا المهرجان العريق، معتبرين المديرة الحالية “سنيا مبارك” تفتقد إلى القدرة على التسيير على الرغم من أنّ الآراء المدافعة عن البرنامج تنصبّ حول ضرورة توفير ميزانية تليق بحجم المهرجان.
هذا الرأي الذي أثبتت برمجة مهرجان الحمامات الدولي عدم صحته، إذ رصدت وزارة الثقافة والمحافظة على التراث مبلغ 3 ملايين دينار لمؤسسة المتوسط للفنون، يغطّي كلّ تظاهراتها على امتداد السنة بما فيها المهرجان وخلاص أجور العاملين بها.
وجاءت برمجة الدورة 51 لمهرجان الحمامات الدولي محترمة في أغلبها للمحافظة على سمعة المهرجان وخصوصيته بوجود المسرح والكوريغرافيا والأنماط الموسيقية العالمية المتنوعة، حيث انطلق المهرجان البارحة 09 جويلية ليمتد إلى غاية 19 أوت المقبل.
لم تعرف البرمجة بالنسبة إلى مهرجانات سوسة وصفاقس وبنزرت استثناءات تذكر من حيث البرمجة، سوى سهرات قليلة لم تفلح في التغطية على الاستياء الذي عبّر عنه المهتمّون بالشأن الثقافي، ولم تحمل الندوات الصحفية سوى الحديث عن الصعوبات المالية والديون المتخلّدة بذمة المهرجانات. في حين تمرّ مهرجانات أخرى كالعادة دون جديد يذكر إلاّ في المهرجان الصيفي بسيدي بوزيد الذي سيشهد اعتصاما لعدد من فنّاني الجهة بعد إقصائهم من برمجة هذه الدورة. في حين يسيطر هاجس البقاء والمحافظة على استمرارية هذه المهرجانات على حساب مقاييس أخرى.
وإن كان انتقاد برمجة المهرجانات متأتّي من دوافع متعدّدة تختلف من حيث الذوق والمرجعية الفكرية والفنية وكذلك الغايات الشخصية والمصلحة الضيقة في بعض الأحيان، فإنّ تحقيق الآمال التي مازال الفنانون والمتابعون للشأن الثقافي يعلّقونها على النشاط الفني الصيفي تبقى رهينة التفكير العميق والجدّي في سياسة ثقافية تجعل من المهرجانات نشاطا ثقافيا حيويا يتجاوز حدّ البهرج والعادة الموسمية لملأ الفراغ بما “لا يناسب”.
يبدو أنّ برمجة المهرجانات “الكبرى” لهذه الصائفة قد خلّفت استياء من معظمها، حيث حمل النقد تركيزا على أهمية الميزانية في صنع برمجة ناجحة دون الأخذ بعوامل أساسية أخرى من أجل إنجاح هذه الأنشطة وهي تحديد معالم واضحة للمهرجانات من حيث الهوية والأهداف والجمهور المستهدف وكيفيّة تسييرها وتمويلها.
إنّ الاستياء لا يكفي وحده لتغيير العقلية السائدة في إدارة المهرجانات التي ما زالت تجترّ تبعات انتكاسة المشهد الثقافي. إذ أنّ أغلبها تستنسخ وتقلّد مثيلاتها في الخارج والداخل، كاشفة عن فقر منظّميها ثقافيا، وسطحية مشاريعهم التي لا تنبني على أرضيات ثقافية صلبة وبعيدة النظر، مرتبطة بسياسة ثقافية غير مسقطة، تشترك فيها كلّ الهياكل والمعنيّون بالشأن الثقافي الوطني، بعيدا عن بهرج الاستشارات زمن بن علي. على أن تكون البداية بتحليل مستند إلى الأرقام ووضع خارطة للوضع الثقافي الحالي(Les états généraux de la culture) قبل التفكير في إصلاحه.