انا مواطن تونسي، تحصّلت على شهادة تكوين في مجال تربية الماشية من مركز التكوين والرسكلة في تربية الماشية بسيدي ثابت عندما كنت منقطعا عن الدراسة لمدّة 3 سنوات لأسباب عاطفية. ثمّ عدت لمواصلة دراستي بمعهد ثانوي حر، تحصّلت خلالها على شهادة الباكالوريا آداب.. توّجهت إثرها إلى شعبة الفلسفة بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس 9 افريل، ثمّ قمت بإعادة توجيه إلى المعهد العالي للفن المسرحي بتونس. تحصلت على الأستاذية في الدراسات المسرحية شعبة إنتاج وإبداع، بمشروع تخرج تحت عنوان”وجع الصلصال” ورسالة تخرّج بعنوان “مفهوم الإخراج المسرحي لدى أنطونين ارطو من خلال محاضرته: الإخراج والميتافيزيقا”.. ومن الممكن أن أقول أن رحلة الانعتاق الافتراضية التي أحياها انطلقت منذ مشاهدتي لأول مسرحية لا عنوان لها، فاجترحت لها اسما “المسرحية الشمسية”. فضاؤها العالم وزمانها ما بين شروق الشمس وغروبها. واليوم أنا مقاوم بالمسرح داخل المدينة أبدأ من خط انكسار الموج وأعبر راقصا داخل هذه المدينة التي تترنّح على وقع النشاز العام وتتهيأ للسقوط تحت ضربات الرداءة وميديا البشاعة والبلادة ثم أظل واقفا على بوابة المسرح حيث كتبت عليها العبارة التالية: “يا أيها الداخل إلى هنا تخلّ عن كل أمل”. ثمّ أغفو وأفيق لأعود أكثر إصرارا إلى خوض معركة واضحة الخسارة.
- محمد شعبان مدير مهرجان قربة الوطني لمسرح الهواة بعد دورة شهدت العديد من الاستفزاز وصل حد العنف الجسدي.. هل يعد هذا تحدّيا؟
قرّرت مذ كنت صغيرا وجميلا أن لا أتحدى إلاّ ذاتي.. وان كل كيان لجهد وكسب منحوت بعبارة محمود المسعدي.
- بما تفسّر العراقيل الحالية؟
أولا نقص الدعم المالي، ثانيا البيروقراطية المقيتة في مجال العمل الجمعياتي، والفوضى التي تحكم العلاقات بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني.، الغياب الكلّي لمشروع ثقافي واضح الأهداف والمعالم، على مستوى نجاعة الأفكار والقدرة على تحويلها إلى فعل منجز.
- من حيث البرنامج لاحظنا اضطرابا من حيث ما وقع التنصيص عليه بنشرة البرنامج وما تمّ إنجازه، لما يعود ذلك؟
أوّلا نعتبر أننا في حرب حقيقية مع وضعيات متحركة وأعداء غير مرئيين وأشباح نطاردها عبر أزقة المدينة وساحاتها ومقاهيها وفراغاتها التي يعشش فيها الدمار”ويسكنها الفاتحون التتار”، وهي حرب تطلبت منا مقارعتها على أرضها، بأسلوب الكر والفر. والذي يبدو اضطرابا في نظركم نعتبره تعاطيا تكتيكيا مع المزاج العام للمدينة. فنحن نغيّر الأفضية والمواقيت لكننا نحرص على عدم إلغاء العروض، كما نحرص أيضا على جماهيريتها.
- المسرح فن شامل لكل الفنون، ما السر في غياب العروض الموسيقية مثلا؟
إن تقديم الموسيقى في الشوارع يمثل اعتداءا على الموسيقى التي لا يمكن أن تكتب إلا على الصمت، لكننا قدمنا صخبا منظما بالتعاون مع مجموعة “لنقار”.
- الصعوبات المادية التي يعاني منها المهرجان في دورته الحالية؟
أولا، لم تكن منح الجهات الرسمية كافية لتغطية مصاربف المهرجان، ثانيا نشير إلى أن منحة البلدية المخصصة للمهرجان تأخرت ولم تصل حدّ هذه الساعة لأسباب بيروقراطية. ثالثا هناك غياب كلي للتبرعات من أهالي المدينة الميسورين خاصّة، وفي المقابل نشكر شركة “إريكسون” التي صرفت لنا مبلغ 10 آلاف دينار كمعلوم استشهار. عموما مصاريف المهرجان ضخمة جدا ومداخله غير كافية لانجازه وإنجاحه في أفضل الظروف.
- هل كانت هذه الدورة في حجم التحدّي وما مستقبل قادم الدورات؟؟
انعقاد الدورة في موعدها والحضور المكثف للمواكبين من جميع أنحاء الوطن يعتبر في حد ذاته انجازا إذا ما اعتبرنا الظروف والشروط الموضوعية القاهرة التي فرضت علينا (نقص الموارد وغياب مركز إقامة). ونعتبر أن البرنامج المقترح ينفذ رغم الصعوبات المذكورة سلفا. ونحن متفائلون ولكننا لن نستسلم للشعور بالرضا. أما بخصوص الدورة القادمة فإننا سننطلق في الإعداد لها مبكرا أي مباشرة بعد اختتام الدورة الحالية بشهر عبر تشريك جميع الفاعلين في الشأن الثقافي والمسرحي والفكري، وذلك من أجل صياغة مشروع متكامل ومحكم التخطيط يشرف عليه فريق متعدد الاختصاصات بغية أن تكون الدورة متكاملة وناجحة على جميع الأصعدة فنيا وماديا وتنظيميا وجماهيريا…، دون مسّ باستقلالية الجمعية فلا يدخلنّ علينا من لم يكن مسرحيا، وسنعمل جدّيا على أن تكون الجامعة التونسية لمسرح الهوّاة شريكا فاعلا في مشروعنا القادم.
- كلمة أخيرة حول مسرح الهواية كما ترونه...
أعود إلى أصل الاشتقاق، مسرح/هواية – نظر/ عشق في لحظة مواجهة مشهدية، فرجوية، على الهامش. أدعو كل الشباب الشغوف بالمسرح مزيد التعلق لهذا المفهوم البدئي، ليتحدى الاغترابات ويبدع خارج سلطة الاكراهات.
حاوره: حاتم التليلي