تابعت بكثير من الهدوء الحملة التي يشنّها البعض على مستشار وزيرة الثقافة السيد عاطف بن حسين بصفة خاصّة وعلى باقي المستشارين بشكل عام، وحاولت ان آخذ مسافة من الحياد، خاصّة وانّي لا اعلم الكثير من الخفايا في تسيير شؤون الوزارات ولم اكن من طالبي الدّعم لا من قريب ولا من بعيد، فقط شغفي للمسرح كممثلة وأستاذة تربية مسرحية متخرجة من المعهد العالي للموسيقى والمسرح بالكاف، جعلني أغار على الوضع الثقافي في البلاد، ودوري في دفع عجلة التاريخ إلى الأمام من موقعي كمواطنة..
أسلفت أنّي وقفت على الحياد فقط لأتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود كما يقال. وبعد هذا تبيّن لي التالي:
- · أولا في مستوى الأسلوب
إن الجدّية في الدّفاع عن الوضع الثقافي وعن أي وضع في البلاد يهم الشأن العام له آلياته وأساليبه التي ترتقي إلى مستوى من الدّقة في اللغة وفي التحليل والحجّة والبراهين، وفي الخطاب، لكن ما لاحظته في هذه الحملة انتهاجها أسلوب متدنّي من حيث طرح الموضوع، وذهابها إلى التركيز على الحياة الخاصّة من جهة، واعتمادها المغالطة والتزييف واستعمال منطق كل الوسائل متاحة في الحرب، فوقع النّبش في خصوصيات السيد عاطف بن حسين (وهي مسائل لا تعنيني ولا أظنها تعني المثقفين ولا الوضع الثقافي لا من بعيدي ولا من قريب)، بل وذهب الأمر إلى أخذ بعض الصور من أعماله الدرامية في التلفزة وترويجها على انها حقيقة السيد في الحياة اليومية. وهذه مسألة على درجة من الخطورة، إذ أنّ أشباه المثقفين اللّذين يشنون هذه الحملة يوظّفون عملا فنّيا ومُنتَجا إبداعيا للتشويه من جهة، ومن باب آخر كذب وزيف ومحاولة بائسة لمَنْ لا حجّة له.
وهذه أساليب دأب عليها طيلة العقود الفارطة كل من كانوا يضعون أيديهم في يد النظام لتصفيّة حساباتهم مع خصومهم، والطّريق الذي ينتهجه كل الانتهازيين ومحترفي السمسرة، ومن لا ثقل لهم في ميزان الثقافة والفعل الفنّي، كما استعمل هذا الأسلوب العديد من المرضى الواهمين (من باب المرض النفسي طبعا) أنّهم عباقرة لمجرّد أن يغنّي لهم فلان اغنية متواضعة في أحد الحفلات الخاصّة كالأعراس فيصفّق لها السكارى والمزاطيل، فيصنّف من لا يصفّق له بعدها في صف الأعداء أو لا يفهم في الفن ولا في الإبداع وهذا شأن بعض من هاجم المسرحي والأكاديمي عاطف بن حسين.
في محصّلة قراءة الأسلوب يمكن أن نقول أنّ من دأب على شيء شاب عليه، والتاريخ لا يرحم، و”الأسلوب هو الإنسان” Le style c’est l’Homme.
- · ثانيا في مستوى الدّوافع
إذا عُرِف السبب بطُل العجبْ، انطلاقا من هذا المنهج العلمي يمكن ان “نبربش” قليلا في دوافع هذه الحملة لنفهم أكثر ما الذّي يحدث.
كان المنطلق مسألة الدّعم، والتلاعب بمسألة نتائج اللجنة، وتدرّج بقدرة قادر ليمس الحياة الشخصية لمستشار الوزيرة، وهاهو الآن يلعب في دوائر بوجمعة الرميلي، عضو نداء تونس. ومن يلاحظ الصراع القائم بين الأجنحة في نداء تونس، وخاصّة أن القائمة بالحملة تجمعيّة شرسة (نسبة إلى التّجمّع). ثمّ انها لم تناقش المسألة من جانبها القانونين ولم تقدّم معطيات دقيقة يمكن الارتكاز عليها لمساندتها أو مواجهتها، لتركت أصل الموضوع وانغمست كما التجمعيين الأصيلين في النّبش في صور عاطف بن حسين وفي أصل زوجته وفصل عمّته وكم ينام من ساعة ونوع بدلته وكل تلك التفاهات التي لا يقترفها إلاّ من خفّت موازينه في الثقافة ومن تعوّد على تشويه من يختلف معهم (رغم انّي لا أتصوّر ان المسرحي بن حسين يمكن ان يختلف مع حنان قم مثلا) لآنه ببساطة لا مجال للمقارنة لا في مستوى التكوين ولا في غزارة الفعل الابداعي ولا القيمي والأخلاقي ولا التاريخي.
لم تكن الدّوافع في الحملة على السيد عاطف بن حسين لشبهة في الفساد الاداري أو المالي، بل أكاد اجزم بعد ما نشرته حنان قم من ربط بين الوزيرة الثقافة وبوجمعة الرميلي وعاطف بن حسين وزوجته يدخل في إطار صراع بين التجمعيين والحكومة القائمة وتهيئة الوزراء المستهدفين وإثارة العديد من القلائل حولهم لتسهيل تغييرهم أو الاطاحة بهم في مخطط يذكّرنا بالسيناريوات التجمعيّة. فالمستهدف هي الوزيرة والواجهة هم مستشاريها لنهم وبكل بساطة على درجة من النزاهة والصّدق ولهم تاريخ يحميهم من الانزلاق وقيم وأصدقاء تدعمهم وتنبههم كلما ادلهمّت امامهم السبل. ومن يشنون الحملة بكل بساطة كذلك، قد تم قطع مسلك التلاعب والمحسوبية والانتهازية أمامهم.
- · ثالثا في صلب الموضوع
الهم الثقافي بالأساس هو الموضوع ألأصلي، وهنا يمكن ان نعرّج على وزارة الثقافة التي ما زالت تعاني الكثير من النّقص من حيث الغياب الكبير لدور الثقافة والنّقص الفادح للفضاءات الثقافية بما هي دور ثقافة ومراكز فنون درامية وركحية ومسارح هواء طلق ومقرّات للجمعيات الثقافية كالرابطة الكتاب التونسيين الأحرار والجمعية الوطنية لمحبّي المبدع وغيرها.
إن الثقافة هي عماد الدّنيا، وهي المؤسس للتحولات الحضارية الكبرى في تاريخ الشعوب وهي الحامي والحارس والموجّه للقيم الانسانية النبيلة، خاصّة تلك الثقافة التي يحملها الفنان المبدع عبر آلية المسرح والموسيقى والرّقص والرّسم والغناء والشّعر وغيرها من الفنون كالسينما والصورة.
أي ثقافة إنسانية يمكنها أن تواجه ثقافة القتل والموت والخراب، بميزانية لا تمثّل إلاّ 0.7% من الميزانية العامة.
وفي صلب الموضوع دائما ليتّحد المثقّفون جميعا من أجل الضّغط على السلطة القائمة للترفيع في ميزانية وزارة الثقافة وفتح الباب إنتداب المبدعين في المعاهد والمدارس ودور الثقافة ليحوّلوا الابداع والفن خبز يومي للأطفال والشباب والمواطن حتى لا يأكلنا وحش الارهاب والجهل والانتهازية.
- · في العودة إلى التاريخ
هذا الرابط من باب العودة إلى الترايخ:
http://www.alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=487