ضرب الإرهاب مرّة أخرى. ولكنّ هذه المرّة وسط العاصمة تونس، بشارع محمد الخامس، وفي مكان غير بعيد عن شارع الحبيب بورقيبىة، بل غير بعيد عن وزارة الداخلية ذاتها. أمّا المستهدف فهو حافلة تقلّ أعوانا من الأمن الرئاسي، كانوا قاصدين عملهم، وأمّا الجاني فهو “داعشي” يحمل حزاما ناسفا، فجّر نفسه في باب الحافلة فكانت النتيجة 12 شهيدا و20 جريحا. جرى كلّ هذا أياما بعد جريمة ذبح الراعي، مبروك السلطاني، بمعتمدية جلمة. وكالعادة ندّد الائتلاف الحاكم بالجريمة، وأعلن حالة الطّوارئ لمدة شهر، كما أعلن حظر الجولان لمدة غير معلومة. وتعالت من هنا وهناك أصوات داعية لـ“الوحدة الوطنية” و”نبذ الخلافات” وغير ذلك من الكلام الذي أصبح مألوفا لدى التونسيات والتونسيّين بعد كلّ عملية إرهابية.
ولكن هذه الإجراءات والتّصريحات لم تقنع ولم تبدّد حيرة التونسيات والتونسيين الذين أصيبت قطاعات واسعة منهم بالإحباط وأصبحوا يتساءلون: أين ومتى ستكون الضربة القادمة؟ ومن سيكون ضحيّتها؟ وما من شك بأنّ هذا الموقف نابع من الشّعور بأنّ الائتلاف الحاكم، الفاشل، حتى الآن، سياسيّا واقتصاديّا واجتماعيّا، هو فاشل أيضا في توفير الأمن في البلاد لأنّه غير جادّ في مقاومة الإرهاب بصورة ناجعة، لأنّ طرفيه الرّئيسيّين، أي حركة النهضة من جهة وحزب نداء تونس من جهة أخرى، أحدهما تحوم حوله شبهة التّورّط، بشكل أو بآخر، في ما عرفه الإرهاب من تطوّر خطير، زمن حكم الترويكا، والآخر متّهم بالتّستّر عليه، حفاظا على التّحالف معه، وهو ما يفسّر، مثلا، تعطيلهما، لعقد المؤتمر الوطني لمكافحة الإرهاب.
إنّ المقاومة الجادّة والنّاجعة للإرهاب، المستوطن بالبلاد، والمتغذّي من الوضع الإقليمي المتفجّر، لا يمكن حصرها في إجراءات جزئيّة، ذات طابع أمني، تتّخذ بمناسبة هذه العملية الإرهابية أو تلك، ولكنها باتت مسألة سياسة كاملة ينبغي أن تتغير لتحلّ محلها سياسة واختيارات جديدة. فإذا كان الإرهاب يتغذّى من الفقر والبطالة والبؤس والتهميش، فلا بدّ من سياسة اقتصادية واجتماعية جديدة تقضي على كلّ هذه المظاهر. وإذا كان الإرهاب يتغذّى من انخرام وفساد مؤسّسات دولة الاستبداد التي ما تزال قائمة حتى الآن، فلا بدّ من تغيير هذا الوضع وإقامة المؤسّسات الديمقراطية، الجديدة للدولة وفقا لما جاء في الدّستور. وإذا كان الإرهاب قد استفحل واستوطن وعظمت إمكاناته المادية والعسكرية، فلا بدّ من عقيدة أمنيّة وعسكريّة جديدة تراعي هذا المعطى وتأخذ بعين الاعتبار أنّ للتونسيات والتونسيين حريات وحقوقا، غير قابلة للتصرف حتى لو كان باسم مقاومة الإرهاب. وإذا كان للإرهاب امتداد إقليمي ودولي، فلا بد من عقيدة دبلوماسية جديدة، يكون فيها الفرز واضحا بين من هو في صفنا ضدّ الإرهاب وبين من هو ضدّنا ومع الإرهاب.
إنّ تجربة حوالي العام من حكم الرباعي بيّنت أنّه أعجز من أن يوفّر كلّ هذه المقوّمات لمواجهة الإرهاب الذي تزداد مخاطره على بلادنا، لأنّ الائتلاف الحاكم يعبّر عن مصالح أقلّيّات ثريّة لا علاقة لها بالشعب. وإذا كان ثمّة من أمل لبلادنا للخروج من أزمتها المتفاقمة، فيكمن حتما في الوفاء لثورة الشّعب التونسي وللمطالب والطموحات التي حملتها وعبّرت عنها. وما من شكّ أنّ القوّة السّياسيّة التي تحمل اليوم هذه المطالب والطموحات هي الجبهة الشعبية، بكلّ مكوّناتها الدّيمقراطية والتّقدّميّة ومنها حزبنا، حزب العمّال، الذي خبره الشّعب التونسي طوال ثلاثين سنة ووجده دائما معه وإلى جانبه في كلّ المحطّات. فَلْيُثبت مناضلات الجبهة الشّعبيّة أنّهم جديرون بحمل المشعل وأنّهم القيادة التي يتطلّبها الوضع والظرف.
(افتتاحيّة “صوت الشّعب”: العدد 186)