الرئيسية / أقلام / الخبير محمود مطير: “مشروع قانون الماليّة لسنة 2016، بين مواصلة إنتاج القديم والإصلاحات الشّكليّة”
الخبير محمود مطير: “مشروع قانون الماليّة لسنة 2016، بين مواصلة إنتاج القديم والإصلاحات الشّكليّة”

الخبير محمود مطير: “مشروع قانون الماليّة لسنة 2016، بين مواصلة إنتاج القديم والإصلاحات الشّكليّة”

مطيرتقديم مشروع قانون الماليّة لسنة 2016 يتطلّب كثيرا من التّفاصيل التي سنأتي عليها لاحقا في مقال قصير لذا سأكتفي بتقديم بعض الملاحظات الأوّليّة التي تعبّر عن جوهر هذا المشروع.

ورد في مقدّمة تقرير وزارة المالية لمشروع قانون الماليّة لسنة 2016 أنّ إعداد ميزانيّة 2016 يتنزّل في إطار الوثيقة التّوجيهيّة للمخطّط الأوّل 2016-2020 حيث تمثّل سنة 2016 السّنة الأولى من مخطّط التّنمية الجديد. لكن المفارقة أنّه لا أثر لا للمخطّط ولا لمنوال التنمية. فكيف يمكن أن تؤسَّس ميزانيّة الدّولة على مخطّط لم يولد بعد؟ وإن وُجد هذا المخطّط هل يحقّ للشّعب التونسي أن يتبنّاه وأن يبدي رأيه في توجّهاته؟

كلّ هذه الأسئلة وغيرها تبقى دون جواب وتدلّ فقط أنّ بعض ممتهني السّياسة في تونس وعلى رأسهم من يحكمونها الآن يمارسون الشّعوذة.

ميزانيّة لا تخدم النّموّ:

جاء أيضا في مقدّمة تقرير وزارة الماليّة المتعلّق بمشروع قانون الماليّة لسنة 2016 أنّه تمّ التّوجّه نحو إرساء “هيكلة متطوّرة للاقتصاد عبر تحقيق نموّ مستدام يراعي العدالة في توزيع الثّروات ويعتمد على تطوير مجالات التّنمية والتّشغيل”. غير أننا نجد بنفس المقدّمة أنه تمّ ضبط تقديرات مشروع الميزانية لسنة 2016 “أخذا بعين الاعتبار للهدف الأساسي المتمثّل في الخروج بسرعة من ركود نسق النّموّ الذي شهدته البلاد خلال الفترة المنقضية”.

ونتساءل هنا ما هو الهدف الأساسي للميزانية: هل هو النمو المستدام مثلما ورد في الفقرة الأولى أم هو الخروج من الرّكود مثلما ورد في الفقرة الموالية؟ يبدو أنّ الأهداف متناقضة وتدلّ على غياب الرّؤية الواضحة لحكومة رباعيّة الأحزاب ليس لها برنامج وكلّ ما تقدر عليه هو مواصلة إنتاج القديم.

من ناحية أخرى، قدّرت وزارة الماليّة في مقدّمة تقرير مشروع قانون الماليّة لسنة 2016 نسبة النمو المنتظرة بـ2,5%. وهنا نتساءل: كيف تمّ تحديد أو تقدير هذه النسبة وعلى أيّ أساس؟ وكيف يمكن لاقتصاد يمرّ بفترة ركود منذ مدّة طويلة ويحقّق نسب نمو في حدود الصفر في المائة (0,1% بالنسبة للثلاثي الثالث لسنة 2015) أن يحقّق هكذا، بقدرة قادر، نسبة نمو تساوي 2,5% خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار سياسة الاستثمار في البلاد وعجزها عن الخروج من عنق الزجاجة؟

توجّهات قائمة على التّقشّف والتّداين:

فيما يتعلّق بالتّوجّهات العامّة لمشروع قانون الماليّة لسنة 2016 فقد خيّرت الحكومة مواصلة سياسة التّقشّف التي ستنعكس على الانتدابات في الوظائف العموميّة المزمع بعثها خلال سنة 2016. وقد تمّ حصر الانتدابات أساسا في خرّيجي مدارس التكوين (الداخلية والدفاع والعدل) وبعض القطاعات ذات الأولويّة. ومن هذا المنطلق سيتمّ انتداب قرابة 16 ألف عون في حين سيتمّ إحالة حوالي 14 ألف عون على التّقاعد، ممّا يعني أنّ الانتدابات الصّافية ستكون في حدود 2000 عون فقط.

وفي الاتّجاه نفسه غيّبت الحكومة مسألة الاستثمار والتّشغيل حيث لا نجد إجراءات في قانون الماليّة تشجّع على الاستثمار أو تبعث الروح لدى المستثمرين. وقد ورد في مقدّمة التّقرير المذكور أنه من المتوقّع إحداث 50 ألف موطن شغل جديد باعتبار نسبة النمو المقدرة بـ2,5%، إلاّ أنّ قانون الماليّة هذا لا يتضمّن أيّ عوامل أو آليات أو حوافز من شأنها أن تدعم هذه التقديرات سواء فيما يتعلّق بنسبة النمو أو فيما يتعلّق بعدد مواطن الشّغل.

والملاحظ أيضا أنّه لا وجود لاستثمارات عموميّة من شأنها أن تدفع عجلة التّشغيل ضمن ميزانيّة الدولة لسنة 2016. في المقابل تواصل الحكومة اعتمادها على سياسة التّداين الخارجي الذي سيكون في حدود 6,5 مليار دينار سنة 2016 في حين سيبلغ حجم الدّين العمومي نسبة 53,4% من الناتج المحلي بالنسبة لنفس السنة.

إصلاح جبائي شكلي:

أمّا على مستوى الإصلاح الجبائي، تواصل الحكومة الحاليّة، كما الحكومات السّابقة، مسلسلا أصبح ممجوجا. ذلك أنّ مختلف الحكومات تقدّم ضمن كلّ قانون ماليّة وقانون ماليّة تكميلي (أربعة قوانين ماليّة تكميليّة منذ سنة 2012 أي بمعدل قانون ماليّة تكميلي كلّ سنة) بعض الإجراءات الجبائيّة الجزئيّة التي يتمّ إلغاؤها أو تعديلها في القانون الموالي.

لقد كان من المفروض القيام بإصلاح جبائي شامل ومتكامل يكون منطلقا من رؤية واضحة وشموليّة وله أهداف محدّدة. لكنّ هذه الإجراءات لا يمكن اعتبارها إصلاحا جبائيّا فهي مجرّد ترقيعات أبعد ما تكون عن الإصلاح الجوهري الضّروري الذي من شأنه أن يجعل النظام الجبائي في تونس فاعلا وعادلا ومحفّزا على الاستثمار ويوفّر عائدات مهمّة.

فمنذ 4 سنوات نسمع عن مراجعة جدول الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيّين ولكن لم تقدر أيّ حكومة منذ 2012 ورغم تعدّد قوانين الماليّة وقوانين الماليّة التكميليّة على أخذ هذا القرار الهام الذي يُعطي إشارة مهمّة لإرساء شيء من العدالة الجبائية.

 محمود مطير: عضو لجنة التخطيط والدّراسات بالجبهة الشعبية

“صوت الشّعب”: العدد 186

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×