ازداد في المدّة الأخيرة انشغال المواطنين بمسألة الإرهاب بعد عملية شارع محمد الخامس الجبانة والتي استهدفت حافلة للأمن الرئاسي أسفرت عن استشهاد 12 عونا وضابطا وجرح 18 آخرين. وسبب الانشغال ما شكلته هذه العملية من منعرج في الأعمال الإرهابية التي اكتفت سابقا باستهداف الأفراد سواء سياسيين أو أمنيين وذلك باستعمال السلاح الفردي.
أمّا عملية محمد الخامس فهي منعرج فعلا من جهة اعتمادها آلية التفجير بما يعني أنّ العصابات الناشطة في بلادنا انتقلت من طور استهداف الأفراد الى استهداف الجماعات والتجمّعات. وهذا الطور يسمّى طور الإرهاب الأعمى بمعنى التحوّل إلى الفضاءات التي تضمّ عددا كبيرا من الناس بما يعني تضاعف أعداد الضحايا بما لا يقارن بعدد ضحايا عمليات استهداف الأفراد. وأخطر ما في هذه العمليات هو تضاعف منسوب الخوف عند الناس إذ أنّ كلّ الفضاءات قد تكون مسرحا لعمليات تفجير وهذا ما أكّدته مختلف تجارب البلدان التي عاشت هكذا أوضاع مثل لبنان والعراق وسوريا وإفغانستان والباكستان والصومال…
إنّ انشغال جماهير الشعب التونسي اليوم مشروع ومعقول، ولا أدلّ على ذلك من تضاعف عدد الخلايا الإرهابية وخاصة تضاعف كميات العدة والعتاد وأساسا أدوات التفجير من أحزمة ناسفة وغيرها، بما يعني أنّ بلادنا مقبلة على طور جديد في التعاطي مع الظاهرة الإرهابية الآخذة في الاتساع رغم أهمية الضربات التي تلقتها وما زالت على يد الأجهزة الأمنية. إنّ وضعا بهذا التعقيد يطرح سؤالا مهمّا وحاسما هو في مدى قدرة الحاكمين اليوم على القضاء على الإرهاب ولو على المدى المتوسّط؟ هل التعاطي الأمني لوحده كاف للتغلّب على الإرهاب؟ لماذ تتهرب الحكومة والواقفين وراءها من تنظيم مؤتمر وطني للتصدي للإرهاب؟
التّحالف الحاكم عاجز عن مقاومة الإرهاب
هذه قناعتنا وقناعة جزء غير يسير من الشعب وفعالياته. خلفية هذه القناعة هي نوعية التحالف الحاكم الذي يشارك فيه “ممثلو” الإسلام السياسي أو أحد أهمّ تعبيراته وهي حركة النهضة المعبّر التقليدي عن تيّار الإخوان المسلمين المتورّط في الأنشطة الإرهابية بالمشاركة في سوريا وليبيا، والدعم في تركيا. وتعتبر علاقة النهضة بالموضوع علاقة مركّبة خاصة منذ اعتلائها الحكم، وذلك سواء من جهة التعالق مع التيارات الإرهابية التي آزرها رئيس حركة النهضة وأهمّ قادتها، أو بالصمت والتواطؤ حول أنشطتها التي أخذت في التصاعد بداية من 2012 أيّام حكم الجماعة. بل الأدلّة قائمة على اختراق الأجهزة الأمنية والقضاء، فضلا عن الإدارة، في كل مستوياتها. وهو ما خلق نوعا من الخلفية المساعدة للأنشطة الإرهابية.
ورغم المعارضة المتنامية لها والتي عرفت ذروتها بعد اغتيال الشهيد محمد البراهمي والتي أفضت إلى إزاحتها من الحكم، فإنّ هذه الحركة استفادت من الدعم الخارجي المزدوج من قطر وتركيا وفجر ليبيا من جهة ومن أغلب الدول الغربية من جهة مقابلة وذلك بحكم خصوصية الفسيفساء السياسية في تونس التي تتميّز بحضور محترم للقوى الديمقراطية والمدنية، بما فرض على صنّاع القرار العالمي التركيز على تشريك حركة النهضة كضمانة لكبح تقدّم القوى الوطنية والتقدمية، لذلك حافظت هذه الحركة ومازالت على وجود فاعل في المشهد السياسي والاجتماعي. وهذا لا يعني البتّة إنكار حجم وجودها التنظيمي، وهو ما تجلّى خاصة في صياغة التحالف الحاكم الجديد الذي تمّ تحت إشراف دول وصناديق وبنوك التسيير العالمي رغم كون الجناح الآخر للحكم قد بنى مشروعيّة وجوده أصلا على مناهضة حكم الإخوان وعمله الدؤوب لدحرهم، وهو ما تخلّى عنه دقائق بعد فوزه برفع شعار “التشارك” في الحُكم. وهذا الحلف ينعكس رأسا على معالجة مختلف القضايا بما فيها خاصة ملف الإرهاب الذي تتقاطع معالجته ضرورة مع دور بارز لهذه الحركة.
لكن مقتضيات التحالف والحكم المشترك لها ثمن وهو الصمت على ملف علاقة النهضة بالإرهاب ولو كان الثمن انقسام حزب النداء، لذلك تكرّست عند قطاع هام من الرأي العام أنّ تحالف الحكم فيه ضلع متورّط وضلع متستّر والحزبان الآخران هما مجرد ديكور أو تعزيز عددي في مجلس النواب لا غير. لذلك معالجة الفريق الحاكم لملف الإرهاب لن يتجاوز المتابعة اليومية لأعمال الفرق الأمنية.
أمّا المعالجة العميقة والجدية فليست مطروحة، يُضاف الى ذلك العجز البنيوي للقوى الليبرالية على تقديم مقاربة شاملة تستهدف أصل الظاهرة وأسبابها الكامنة في أوضاع الناس الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعلاقات البلاد الاقليمية والخارجية، وتتخذ ما يلزم من إجراءات عاجلة واستراتيجية وتشرّك عموم الشعب في هذه المعركة باعتبارها معركته. هذه المعالجة لن تكون معالجة حكومة الأيادي المرتعشة بل هي معالجة القوى الشعبية ممثلة اليوم في الجبهة الشعبية التي تدعو اليوم إلى تنظيم مؤتمر وطني للتصدي للإرهاب يكون فاتحة لمعالجة جديدة للتحدي الإرهابي عنوانها التعبئة الشاملة والمشاركة الشعبية الواسعة.
(صوت الشّعب: العدد 187)