ونحن نغالب أوضاعا من فوارسها الارهاب والتصّحر الثقافي تعود لنا جذوة الأمل حين نتابع ما يقوم به المركّب الثقافي أسد ابن الفرات بالقيروان من أنشطة تشعل جذوة الحياة. عبر رزنامة أنشطة نسوق منها ما يلي على شبيل الذكر لا الحصر:
ملتقى الابداع الادبي هذا الفضاء الذّي يجمّع المبدعين من أجل صقل اللغة حتى تقول أفراحنا وهمومنا وأحلامنا في كل مرّة يهلّ فيها علينا شهر أفريل من كل عام. ملتقى يعيد للمثقف والشاعر دوره ومسؤوليته الانسانية من خلال مشاركته في هندسة الوعي الجمعي والذّائقة الابداعية الخلاقة.
ملتقى التراث الشفوي المغاربي من المشافهة للمكاتبة تدوين كل ما هو تراث غير مادي وحفظ الذاكرة الشعبية الشفوية التي تختزن قيم تكاد تندثر مع مرور الزمن، شهر التراث ليس شهر الفلكلور بل هو مناسبة لإعادة إحياء ما اختزنته ذاكرتنا من جمال القول ورفعة العادات ورهافة التفاعل الاجتماعي والحضاري عبر تقلبات التاريخ.
لم يكن ذلك من باب الانغلاق على الماضي بل بهاجس الانفتاح على الآتي وصهر كل ذلك الجمال في عوالم جديدة وحديثة تفسّخ عبرها الطابع الحضاري المميز للشعب التونسي جرّاء سيطرة وسطوة الثقافة الاستهلاكية.
لم يكن مشغل التراث هو الوحيد الذي يشد اهتمام المشرفين على المركب الثقافي أسد ابن الفرات، فللموسيقى الحديثة مساحاتها الخصبة وذلك من خلال مهرجان القيثارة الذي بدأ يشتدّ عوده وهو الآن يخطو خطوة سنته الثالثة، هذا المهرجان الذّي وُجِّهَ للشباب المولع بآلة القيثارة، حيث أنه لم يقتصر على العروض والعزف بل يسعى إلى الاضافة المعرفية والتكوين الأكاديمي وذلك من خلال القيام ورشات يشرف عليها أكاديميين يثرون تجارب الناشئة بالخبرة والمعرفة العلمية التي تؤسس وتخرج هذه الملتقيات من دائرة الاستهلاك إلى دائرة الخلق والتكوين حتى يكون الابداع مشبّع بالمعرفة.
التعليم في الصّغر نقش على حجر الذاكرة الذي لا يمحى تحت ضربات عوامل التعرية والانجراف التي تصبها المشاغل اليومية مع تكوّر سنوات العمر. إيمانا بقيمة الطّفل في رسم خرائط الجين الحضاري لمستقبل أي شعب ينظم مركب أسد ابن الفرات ربيع الطّفل في شهر الطير (مارس) من كل عام يفرد فيه الأطفال اجنحتهم عبر مساحات تنشيطية حرّة تشمل المسرح والموسيقى والرّقص وكل اشكال الفنون التي تهندس الأرواح. في ذلك الوقت الذّي يركن فيها الأطفال إلى الراحة بعد الثلاثية الأولى من العام الدّارسي يفتح لهم المركب الثقافي أسد ابن الفرات منافذ جديدة للحلم والمتعة والبهجة من خلال ملتقى مسرح الطّفل أين يكون الطّفل في عوالم الخيال والتّمثّل والتجسيد لحكايات سكنت مخيّلته عبر حكايات الجدّة أو الأفلام الكرتونية. هذا الملتقى الذي يعيش هذا العام الدورة الثالثة.
لم يقتصر النشاط على ما تأسس بل أنه لم يترك تلك المناسبات المهمة في الساحة الوطنية تمرّ دون أن بحتفي بيها ويرسّخها في الذاكرة الجماعية عبر الاحتفاء بها فنيا بالاشتراك مع شركاء في الفضاء والمصير. وذلك بفتح الأبواب للمجتمع المدني الجمعياتي لإبراز مثل تلك المحطات كعيد الثورة وذكرى الشهيد واليوم العالمي للرقص.
كما يقيم المركب شراكة مع اتحاد الكتاب وذلك بإحياء أيام الشعر في مدينة القيروان.
كما انفتح على المؤسسات المحيطة التي تنشغل هي الأخرى بعالم الابداع والفن، فعشنا أجمل الأيام مع تظاهرة لقاء المسرح والشّعر مع مركز الفنون الدّرامية والركحية بالقيروان، هذا المولود الفتي.
ليس شراكة فقط بل احتضان لمجمل الانشطة الثقافية التي يقع برمجتها في القيروان لأن المركّب هو الفضاء الثقافي الوحيد الذي يتّسع لمثل تلك الأنشطة كتظاهرة ربيع الفنون ومهرجان المنولوج وأيام المسرح الحديث والمهرجان الدولي للموسيقى الصوفية والروحية.
كما احتضن الانشطة الفنّية المبرمجة من قبل بعض الجمعيات على غرار الثقافة للجميع ومستقبل تونس وروتاري وشباب الجيل الجديد وشباب الديناميكي وهو كذلك مقصد مجمل التظاهرات الوطنية تنظمها بعض الوزارات والدواوين : (الملتقى الوطني لموسيقى بالوسط المدرسي، والمهرجان الوطني للمسرح الموجه للطفل مع مندوبية المرأة والأسرة، ومهرجان ديوان الخدمات الجامعية ووزارة الشؤون الدينية في ندوة المولدية.
هذا الكم الهائل من الأنشطة وكذلك العديد التي لم نأت على ذكرها تقام في فضاء يفتقر إلى مزيد الامكانيات والتجهيزات والعامل المختص. لكن ذلك النّقص لم يكن عائقا أمام المركّب لرسم تمشي لإرساء جذوة الفعل الثقافي الجاد.
سمير طعم الله