يُعتبر القطر الليبي الشقيق من أولى الجهات التي يقصدها التونسيون بحثا عن الرزق. العلاقات بين الشعبين عريقة ومتينة منذ القدم فالعديد من الليبيين عاشوا في تونس ودرس أبناؤهم في المؤسسات التعليمية التونسية قبل أن يغادروا إلى وطنهم الأم. وعديد التونسيين تزوّجوا من ليبيات وعملوا واستقرّوا في ليبيا. وحركة التبادل والتجارة لم تنقطع حتى في أحلك الظروف. وكذلك الزيارات المتبادلة بين العائلات والأصدقاء من الجهتين.
ورغم تفكّك الدولة في ليبيا وانتشار السلاح وتنامي الأعمال العسكرية للجماعات المسلّحة من أجل السيطرة على النفط والدولة، وما انجرّ عن ذلك من مخاطر أمنيّة، فإنّ حوالي 17 إلى 20 ألف تونسي، أغلبهم من الشباب المهمش وأرباب العائلات المعوزة، يتواجدون في القطر الليبي. لقد اضطرّتهم أوضاع الفقر والتهميش والبطالة المزمنة في وطنهم الأم إلى الهجرة متّحدين كلّ المخاطر. وقد تعرض العديد منهم إلى الاختطاف والقتل من طرف العصابات الإجرامية أو انتزعت أموالهم وممتلكاتهم…
من يتحمّل المسؤولية؟
شباب الثورة من المعطلين والمهمشين وأبناء الجهات المحرومة لم يجدوا الرعاية الضرورية الدنيا في تونس الثورة ولم تتحقق مطالبهم في الشغل والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية التي ثاروا من أجل تحقيقها ضد نظام بن علي.
الحكومات التي تعاقبت على السلطة منذ 14 جانفي إلى اليوم لم تعر الاهتمام الضروري لمسألة الفقر والبطالة وغياب التنمية الجهوية والمحلية.بل لعل الفقراء ازدادوا في ظلّ حكمها فقرا وتهميشا في حين ازداد كبار الرأسماليين وخاصة أباطرة التهريب ثراء. لقد ارتفع عدد الملياردارات بعد 14 جانفي 2011 إلى 16 % مقابل 24 % يعيشون تحت خط الفقر.
أحزاب الحكم على اختلاف مشاربها الفكرية والسياسية انخرطت دون تحفظ في نفس اختيارات النظام البائد ورضخت لتعليمات المؤسسات المالية العالمية النهّابة بما خلق استقطابا حادّا بين قطبي الفقر والثروة وتلاشي الفئات الوسطى التي مثّلت لفترة ليست بالقصيرة عماد الاستقرار والتوازن في تونس.
عجز الحكومات المذكورة لم ينحصر في موضوع معالجة الفقر والتهميش بل تعدّاه الى عجز أكثر خطورة يتمثل في عدم القدرة على حماية الجالية التونسية من المخاطر المحدقة بها خلال تواجدها بالقطر الليبي وهو الأدنى الذي من المفروض أن توفّره كلّ دولة تحترم شعبها. فلم تتجرّأ على تحذيرهم من التواجد في بؤر التوتر ولم تتابع أوضاعهم ولم تطلق نداءات لمغادرتهم وعودتهم في فترات التوتر الحاد. ولم تتعاط بالسرعة والجدية الضروريّتين مع الملفات الخطيرة على غرار ملف الصحافيين نذير القطاري وسفيان الشورابي اللّذان مازال مصيرهما مجهولا بعد سنة ونيف من الاختطاف. وحتى السفارة التونسية التي تمثل الدولة ومعهود لها خدمة الجالية لم تتوفّر لها وسائل الحماية والأمن الدنيا واختطف بعض موظّفيها بسهولة مريبة.
في كلمة، الحكومات لم تتعامل مع الجالية التونسية كمواطنين من واجب الدولة عليهم متابعة أوضاعهم وتوفير الحماية الدنيا لهم وفرض احترامهم والتعامل معهم في إطار القانون.
كما لم تضع ميزانيات وبرامج ومخططات تنموية لتشجيعهم على العودة واستيعابهم في الدورة الاقتصادية المحلية بما يساعد على الحد من الهجرة القسرية ومن التعويل على التهريب والتجارة الموازية التي ساهمت في إنعاش الإرهاب وتغوّله.
في هذا الإطار نفهم اختطاف بعض التونسيين في مدينة الزاوية الليبية الأسبوع الفارط ومن بينهم الشاب محمد البعزاوي أصيل جهة الشراردة الذي شارك في اعتصام القصبة 1 ومهّد الطريق لمن هم في الحكم اليوم.
شباب الثورة لم يكن يبحث عن منافع شخصية ضيّقة. كان كلّ حلمه تغيير وجه البلاد والعيش في وطن جديد يوفّر للجميع الشّغل والحرية والكرامة الوطنية. لكن حكومات ما بعد 14 جانفي دون استثناء كان لها رأي آخر.
علي البعزاوي: عضو لجنة مركزية لحزب العمال
“صوت الشّعب”: العدد 187