أتابع منذ مدّة باستغراب كبير الحملة الشرسة التي يشنّها المسرحيون دفاعا عن حقّهم في الدّعم. كما شدّ انتباهي كلام بعض السادة المسؤولين في الدّولة من وزراء وبعض أعضاء الديوان الرئاسي في دفاعهم المحموم – وغير الصادق – على دور الثقافة في مواجهة الارهاب وكلا المدافعين سواءٌ، من حيث الدّافع والمقاصد.
فالمسرحيين الذّين لم يتركوا فضاء لم يطبّلوا فيه دفاعا عن شفافية الدّعم والحفاظ على المال العام، واتهام البعض بالفساد المالي، في الحقيقة ليس واعزهم المخفي تحت رداء المصلحة العامة والدّفاع عن الحق الجماعي إلا دفاعا عن الحق الفردي والشخصي الضيّق. لأن أغلبهم يملك شركة إنتاج وبعضهم الآخر شريك في شركة إنتاج وبعضهم يملك شركة إنتاج دون أن يسجلها رسميا باسمه لأسباب قانونية. وكلّهم سيخذل بعضهم البعض لو أنه أخذ الدّعم لشركته الخاصة دون غيره. لأنهم في واقع الأمر بلا مشروع ثقافي وبلا رسالة اجتماعية قيمية تحفّز الروح والذهن على المضي قدما في نكران الذّات وتعْلِية راية الكرامة الجماعية وكل الشعرات التي رفعوها في حربهم من أجل الدّعم.
ومنهم في الحقيقة من عايشتهم ولاحظتهم في التسابق والتطاحن من أجل الفوز بغنيمة الأموال التي رصدتها الوزارة لتظاهرة مبدعون من أجل الحياة. فمن أجل الفوز بالمنحة المرصودة يطرحون بعض الأنشطة بلا مضمون ولا هدف والتي تصل قيمتها إلى بعض آلاف الدّنانير، كادت تقوم حرب داحس والغبراء بين المثقفين والفنانين. كلّ يعرقل غيره من أجل الفوز لخاصّة نفسه. طبعا لابد من التنسيب هنا لأنه ثمّة الكثير من المبدعين الحقيقيين الذين ذهبوا إلى المناطق البعيدة والعصيّة، وأخذوا إلى أطفالها وأهاليهم نشوة الابداع وفيروس الفن الجميل الذّي ما أن يصيب حتى يحصّنك من لعنة الموت والدعاية إلى الموت ويفتح شهيّتك على الحياة بكل كرامتها وفتنتها.
إنّ حال المثقّف الانتهازي كحال السياسي الانتهازي تماما، كلاهما لا مشروع له سوى نجاحه ولو كان على رقاب الآخرين. وما الحملة التي يشنّها بعض الوزراء في حملتهم الدّعائية بأن الثقافة هي المتراس الأول والحاجز الأساسي في مواجهة الإرهاب. كل ذلك ليس سوى بضاعة دعائية لتلميع صورتهم، فوزير التربية والتعليم الذّي يذكرنا دائما بأنه يحمل راية المثقف والعودة بالمدرسة والمعهد إلى دورها الحقيقي في التثقيف وتسليح العقول بالمعرفة والفن والثقافة، طلع علينا بفكرة ما أنزل الله بها من سلطان. وهي دليل على خواء مشروعه وفراغه من المعنى ومن الهدف والجدوة، فقرّر أن يجعل في كل مدرسة وفي كل معهد نادي مسرح، في الوقت الذّي تفتقر فيها معظم المدارس والمعاهد إلى تدريس مادة التربية المسرحية، فهو يسوّق لنا مقولة اعطني مسرحا أعطيك شعبا عظيما، دون أن يجعل من المسرحيين وأهل الاختصاص وأساتذة التربية المسرحية هم من يحقق هذا المشروع. ربما يجهل البعض أنّ تونس ليس فيها سوى 200 مائتي أستاذ تربية مسرحية معطّل عن العمل في حين عندنا ألاف المدارس والمعاهد لا يدرّسون التربية المسرحية، أضف أن النوادي المزمع بعثها في المؤسسات التربوية سيقوم بتنشيطها معلمون وأساتذة ليسوا من أهل الاختصاص.
لكل زمن هناك من يرقص على إيقاع الشعارات البرّاقة، لكنّ ساقاه في الوحل. إنّه الرّقص مع الذّئاب. متى نخلع عنّا جبّة التباهي، ولعنة التسويق والدّعاية الفجّة لنجيب فعلا على سؤال يقودنا إلى المستقبل. أي مشروع حضاري نريد؟.
سمير طعم الله