اهدار للمال العام و ضعف اقبال الطلبة
المعهد العالي للفنون و الحرف بتطاوين مثال حي عن ظاهرة الجامعات الأشباح في المناطق الدّاخليّة.
مشاريع ضخمة ذات كلفة جنونيّة في الغالب, افتقرت للدّراسة المحكمة عند احداثها فأنتجت جامعات مهجورة بطلبة يعدّون على أصابع اليد, جامعات موجودة على الورق, كمشاريع تنمويّة للجهات الدّاخليّة, و هي في الأصل مشاريع وهميّة , تهدر المال العام و لا تقدّم الفائدة لهذه الجهات و لا للمجموعة الوطنيّة.
صرفت عشرات المليارات على البناية المخصّصة للمعهد العالي للفنون و الحرف بتطاوين و مبيت الطّلبة و مطعمها الجامعي, و صرفت المليارات على التّجهيزات دون احتساب رواتب العملة و الاداريّين و الأساتذة… معهد تمّ بناؤه لاستقبال 1500 طالب, سيستقبل هذه السّنة سداسيّه الثّاني, ب26 طالب فقط.
عدد الأساتذة ال23 أصبح يضاهي عدد الطّلبة في المعهد. الأساتذة لا يؤدّون حتّى ساعات تدريسهم القانونيّة. و الأمر يزداد سوءا, اذ بعد فقدان الأمل في توجّه الطّلبة للمعهد , قد نجده في السّنة القادمة يشتغل بكامل طاقته ب6 طلبة .
تحوّل المعهد الى ما أصبح ظاهرة في المناطق الدّاخليّة: الجامعات الأشباح.
تراجع أداء الطاقم الاداري و التعليمي للمؤسّسة
ما تبقّى من الطّلبة يواصلون تكوينهم بلا روح و لا ارادة, و ينتقل الأساتذة كلّ أسبوع من المدن الكبرى الى تطاوين و هم يشعرون بأنّهم يقومون بدور شهود الزّور على التّنمية الجهويّة الوهميّة, يقضّون غالب وقتهم في الطّريق ثمّ لا يشتغلون.
المدير أيضا يلعب دور المدير الشّبح, غائب تماما عن المؤسّسة مثله مثل غالب المنتسبين اليها, يطلّ يوم الاثنين صباحا مدّة ساعات معدودات ثمّ يختفي باقي الأسبوع, و انعدم الحافز لدى اداريّي المؤسّسة. مناخ من التّراخي و اللّامبالاة يتراكم خاصّة مع شعور عام بأنّها جامعة منسيّة لا يصل خبرها لمسؤول…
مشاريع من العهد البائد لا تسمن و لا تغني من جوع
قد نتساءل عن السّبب؟ و الأمر واضح و معلوم بالنّسبة للمتابعين, السّبب هو فشل التّخطيط و فقدان القرار لايجاد الحلول.
تمثّل جهة تطاوين أكثر الجهات التي تعاني من البطالة (تفوق ال40 بالمائة), تعاني من الشّيخوخة بسبب هجرة شبابها امّا للمدن الكبرى أو للخارج بحثا عن الشّغل الغير متوفّر بالجهة.
احداث جامعة بولاية تطاوين فكرة كانت قد تستقطب الشّباب النّاشط و تحدث حركيّة اقتصاديّة تدور حول الحياة الجامعيّة و متطلّباتها و تكوّن اختصاصات تهمّ احتياجات الجهة في التّكوين و التّشغيل.
غير أنّ المشروع الذّي أعدّ في العهد البائد منذ 2006 كان في اطار التضخيم اللّامدروس لعدد الجامعات و زرع كلّيات بكامل الولايات دون تخطيط مسبق للحاجيات الخاصّة لكلّ جهة من أجل تقديم تقارير ايجابيّة وهميّة لصندوق النّقد الدّولي حول التّنمية في الجهات. و تواصلت هذه الجامعات بضع سنوات في البقاء اصطناعيّا عبر التّوجيه الاجباري لعدد من الطّلبة, غير أن واقع ما بعد الثّورة كشف الغطاء عن فشل التّجربة, و جاء ضعف نتائج الباكالوريا ليزيد من تأكيد الكارثة.
غياب القرار و تهرّب من المسؤوليّة
اختيار احداث معهد عالي للفنون و الحرف بتطاوين كان اختيارا خاطئا. سكّان الجهة الذين يعانون البطالة لم يخاطروا بتوجيه أبنائهم لهذا النّوع من الشّعب المكلفة و ذات الآفاق الغامضة, و واصلوا منذ أعوام طلبهم المتكرّر في فتح اختصاصات تهمّ جهة تطاوين, خاصّة اختصاصات مجال الطّاقة التي تخوّل لهم العمل في حقول النّفط و الغاز بالجهة و المشاريع المستقبليّة في مجال الطّاقات المتجدّدة كالطّاقة الشّمسية. و منذ أعوام تتلقّى تطاوين الوعود لتحقيق هذا المطلب , و منذ أعوام لا تتحقّق الوعود, بل يتواصل واقع الجامعات الأشباح شاهدات زور على التّنمية الجهويّة دون اتّخاذ أيّ قرار في وقف اهدار المال العام و تعويض هذه الشّعب باختصاصات أخرى أكثر فائدة للجهة.
هل يأتي يوما القرار لايقاف هذه المهزلة؟ و الى متى سيتواصل هذا الوضع؟
السّؤال لا يزال مطروحا للسّلطات المعنيّة.
ليلى قيقة – مساعدة بالمهعد العالي للفنون و الحرف بتطاوين