أحيى الشعب التونسي الذّكرى الخامسة لاندلاع الشرارة الأولى للثورة التونسية بسيدي بوزيد وسط أجواء ومناخات فيها الكثير من الصّعوبات والتعقيدات التي تكاد تشمل كلّ المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية.
فكلّ المعضلات والقضايا الحارقة للثورة التونسية مازالت ليس فقط معلّقة ودون حلول تُذكر، وإنما أضحت أكثر تعفّنا وأشدّ وطأة على الأغلبية الساحقة من بنات وأبناء هذا الشعب الذين وجدوا أنفسهم من جديد تحت حكم وحكومات لا تتقن سوى المزيد من إدارة الظهر لمقتضيات استحقاقات الثورة وبناء تونس الجديدة.
فإحياء الذكرى الخامسة مرّ باهتا ودون فعاليات رسمية تليق بحجم الحدث التاريخي الذي وضع مسألة الثورة وتغيير النظام على جدول أولويات القوى التقدمية والثورية.
والحقيقة أنّ هذا التّعاطي بهذه الشاكلة من قبل الائتلاف المتنفّذ ليس بالأمر الغريب ولا الشاذ، ذلك أنّ القوى الأساسية الحاكمة، حزب نداء تونس وحركة النهضة، هي المسؤولة عن تفاقم آفات البطالة والإرهاب والتفاوت الطبقي والجهوي والارتهان للأجنبي. كما أنّ هذه القوى وحلفاءها هي من تولّت مهمّات الالتفاف على المسار الثوري واختطافه بكلّ الطرق لمصلحة استمرار الخيارات القديمة التي ثار ضدّها شعب تونس.
هذه الخيارات التي رفعت من حجم المخاطر والتحديات وأوصلت الدولة إلى عتبات “الدولة الفاشلة” القابلة لكلّ أنواع التدخل الأجنبي تحت عناوين خادعة من قبيل “الانفتاح على الآخر” و”المجهود الدولي لمقاومة الإرهاب”…
وهذه الخيارات هي التي مكّنت وما زالت علل البلاد من مساحات جديدة للتطور والتمدّد مثلما هو الحال في مجالي استشراء الفساد المالي والإداري وكذلك اشتداد عود الجماعات الفاشية الإجرامية التي انتقل مطمحها إلى سقف شديد العلوّ يطال وجود الدولة ذاتها، إضافة إلى ازدياد طوابير المعطّلين عن الشغل ووصولها حدودا غير مسبوقة وسط تعطّل محرّكات التنمية المحلية والجهوية ضمن ضجيج لا ينقطع عن تحريك “المشاريع المعطّلة” تحت حكومة تكاثرت المؤشرات على فشلها الذريع في مباشرة الإصلاحات الصغيرة دون الحديث عن الإجرءات الجذرية التي يقتضيها منطق الثورة.
ونحن نعتقد أنّ السّياسات المتّبعة من قبل الائتلاف الحاكم (انظر الميزانية مثلا) لن يقود إلاّ إلى مزيد تعميق الهوّة القائمة أصلا بين السّلطة وأغلب الفئات الشعبيّة ممّا يدفع إلى الاعتقاد بأنّ حالة الارتخاء الجماهيري ظرفية وعابرة ومضغوط عليها إمّا بالانغماس العضوي في المصاعب الحياتية، وما أكثرها، أو بالتوظيف الرّجعي لمخاطر الإرهاب.
النائب بمجلس الشعب عن الجبهة الشعبيّة عمار عمروسية
“صوت الشعب”/ العدد 188