يوم الثلاثاء تمّ الإعلان عن حلف عسكري جديد يضم 34 دولة إسلامية بقيادة المملكة العربية السعودية. وحسب التصريحات فإنّ مهمّة هذا التحالف العسكري، الذي ستكون الرياض عاصمته، تتمثل في” مقاومة الإرهاب”. وتمثل تونس إحدى دول هذا التحالف. وقد أثار هذا الخبر سيلا من التعاليق سواء في تونس أو في البلاد العربية أوفي العالم، إذ كيف للسعودية المورّطة، مع دول أخرى وفي مقدّمتها قطر وتركيا، في تكوين الجماعات الإرهابية الوهابية وعلى رأسها التنظيم الإرهابي “داعش” أن تتحوّل بقدرة قادر إلى قوّة ‘معادية” لهذه الجماعات. بل وتكوّن حلفا عسكريّا لمقاومتها؟ ثمّ كيف لتونس، وهذا سؤال يهمّ الرأي العام الوطني، أن تنخرط، هكذا، ودون أيّ تفكير أو تدبير أو استشارة، في مثل هذا التحالف؟
ولكن، وكما قال العرب، “إذا عُرف السبب، زال العجب”. فما يحرّك السعودية ومن لفّ لفّها لا علاقة له بمقاومة الإرهاب مقاومة حقيقية وجدّيّة وهم الذين زرعوه وموّلوه وسلّحوه باتّفاق مع أسيادهم في واشنطن وتل أبيب ولندن وباريس لتدمير الوطن العربي وتخريب ثورات شعوبه وتفكيك دوله وتقسيم مجتمعاته لتسهيل إعادة تقسيمه على أسس دينية ومذهبية وطائفية وأثنية لتأبيد السيطرة عليه وعلى ثرواته. ولكن وأمام افتضاح هؤلاء، كرعاة للإرهاب الذي لم يتوقّف عند حدود البلدان العربية، كما أرادوه له، وإنما امتدّ ليشمل أوروبا وحتى أمريكا، فقد أصبح هؤلاء مضطرّين، أمام الرأي العام العالمي، للتظاهر بأنهم يناوئون الإرهاب.
ولكن هل أنّ هؤلاء جادّون حقّا في مقاومة الإرهاب وبالتالي في التصدي لـ”داعش” وأخواتها؟ بالطبع لا، فللجماعة أغراض وأهداف أخرى. إنّ آل سعود وحلفاءهم الذين وضعوا أنوفهم في سوريا وزرعوا فيها الخراب والدّمار ظنّا منهم أنّ نظام بشار، “العلوي”، “حليف إيران”، سيسقط في لمح البصر، وجدوا أنفسهم اليوم وبعد قرابة الخمس سنوات في مأزق. فالنظام لم يسقط وخيوط اللّعبة خرجت من بين أيديهم خاصّة بعد التّدخّل الرّوسي. كما أنّ الجماعة وضعوا أنوفهم في اليمن وتخلّوا عسكريّا عن طريق تحالف كوّنوه للغرض وذهب في اعتقادهم أنهم سينتصرون على الحوثيّين “الزيديّين” في بضعة أيام ولكن الحرب تطوي شهرها السادس ملتهمة معها مليارات الدولارات من الخزينة السعودية دون نتيجة، ممّا اضطرها إلى قبول هدنة. وفي العراق بدأت الدوائر تدور على “الدواعش” و”القاعدة” وعلى حلفاء السعودية عامة.
كلّ هذا خلق لدى آل سعود وأعوانهم الحاجة إلى تكوين ائتلاف واسع، عسى أن ينجوا من الغرق. وقد اختاروا لهذا الائتلاف طريق الفتنة المذهبيّة بين السنة والشيعة. فاختاروا في تحالفهم الأنظمة السّنّيّة المقرّبة منهم أو التّابعة لهم.
لقد خيّرت الجزائر أن لا تكون في هذا التحالف. كما أنّ عددا من الدول المحشورة في هذا التحالف (ماليزيا، أندونيسيا، باكستان…) أوضحت أنها لم تنضمّ إليه رسميّا. وفوق ذلك فإنّ سوريا والعراق اللتين يضربهما الإرهاب ليستا ضمن هذا التحالف. إنّ هدف حكام السعودية وقطر وتركيا ليس مقاومة الإرهاب الذي تمثّل اليوم “داعش” رأس حربته، وإنما صيانة مصالحهم في مواجهة الحلف المقابل الذي يجمع النظام السوري وحزب الله وإيران والحوثيّين. إنّ “الدواعش” و”القاعدة” وغيرهم من الفرق الوهّابيّة هم إلى جانب السعودية كما الحال في سوريا والعراق واليمن وليسوا أعداء لها. ومن جهة أخرى فإنّ هذه الحرب التي يراد خوضها هي حرب بالوكالة لفائدة الأمريكان والكيان الصهيوني والقوى الامبريالية التي يهمّها أن يدخل الطرفان، السني والشيعي، في مواجهة ويُضعف بعضهما بعضا ثم تتدخّل هي في النّهاية لإعادة تقسيم المنطقة إلى كيانات هشّة وضعيفة. لقد أجاب رئيس حكومة الكيان الصهيوني عن سؤال حول موقفه من الصراع في سورية: “نحن لا نريد تقوية طرف على طرف بل نريد إضعاف الطرفين”. وهذا هو ما تريده كلّ القوى الاستعماريّة في المنطقة.
ولكن ما دخل تونس في هذا التّحالف العسكري الرّجعي الذي يريد إغراق المنطقة كلّها في حرب طائفيّة ومذهبيّة؟
إنّ تونس تواجه الإرهاب وهي مطالبة بشنّ حرب عليه. هذا صحيح. ولكن من يقف وراء الإرهاب الذي يضرب تونس؟ أليس “الدواعش” الذين ترعاهم السعودية وقطر وتركيا؟ إنّ الائتلاف الحاكم الحالي ارتمى من جديد، كما ارتمت الترويكا من قبل في أحضان قطر والسعودية مقابل وعود فارغة. ثمّ كيف تمّ ذلك؟ بشكل مفاجئ ودون أيّ تشاور مع الأحزاب السياسية، بمن فيها الأحزاب الحاكمة، ودون أيّ نقاش في البرلمان. وهو ما يؤكّد أنّ نفس الأساليب القديمة مستمرّة، وبما أنّ هذه الأساليب لم تنجح في الماضي فإنّها لن تنجح اليوم أيضا، وستجد صدّا من كافّة القوى الوطنيّة والدّيمقراطيّة.
(افتتاحيّة “صوت الشّعب”: العدد 189)