لا توجد إحصائيات أو أرقام دقيقة حول سرقة الأعضاء البشرية في تونس رغم تزايد شكاوى المتضرّرين ضدّ الأقسام الطبّيّة الحكوميّة سنويّا بسبب عمليّات التحيّل.
كما لم تسجّل أيّ عقوبات جزائيّة ضدّ الأقسام الطبية أو الأطباء الذين وقع اتّهامهم، رغم ثبوت بعض الشكاوى سجّلتها ثلاث ولايات القصرين سوسة وتونس العاصمة حيث تتطابق الشهادات وأقوال المتضرّرين الذين أجروا عمليات جراحية لانتزاع أعضائهم دون علمهم وخاصة منها الكلى.
في حين تنفي المصادر الطبية ووزارة الصحة ذلك، موضّحة أنّ تلك العمليات كانت بسبب تعفّن الكلى، فيما تتزايد مخاوف المواطن والجهات من تحوّلها إلى جريمة منظّمة، لأنّ كثيرا من الناس على استعداد لبيع أعضائهم لتجّار الأعضاء من أجل المال.
س.م يقول “كلّ شيء أصبح متاحا في بلدي لقد سرقوا كلوتي ألحقونا”. ويوضّح قائلا:”لقد وقع تلاعب بملفي الطبي بعد أن سرقوا كليتي دون علمي أو موافقتي” مؤكّدا “من الطبيعي أنّهم لن يعترفوا بأخطائهم الطبية وسيجدون ثغرات قانونية لكونهم أبرياء”.
ويردف “لقد سُرقت كليتي ليقع بيعها لزبون ما، لقد أضحت المؤسّسات الطبيّة سوقا للنخّاسين”.
هذه الشهادة يمكن سحبها على سائر الحالات التي سجّلناها من بين عشرات الشكاوى والتي ترفض الجهات المعنيّة إطلاعنا عليها بتعلّة سريّة الملف الطبّي والقضائي للمريض أوالشّاكي.
أحد المسؤولين في المركز الوطني للنّهوض بزرع الأعضاء، الذي طلب عدم الكشف عن هويّته، رفض التعليق على تجاوزات بعض الأطبّاء وشكاوى الأشخاص المتضرّرين ويكتفي بالإشارة إلى التقصير الحاصل مع قبل بعض المسؤولين أثناء العمليات الجراحية. ويضيف “نحن نعاني نقصا في المتبرّعين بالأعضاء وهو ما يتسبّب في موت ووفاة آلاف الأشخاص سنويا”.
ويقول، في هذا الصدد، يجب أن لا يتجاوز العمر الافتراضي للقلب المنتزع من الميّت دماغيا 4 ساعات قبل الشروع في عملية زرعه، ولا يجب أن تتجاوز المدة الفاصلة بين انتزاع القلب والانتهاء من زرعه 7 ساعات على أقصى تقدير، ويجب أن يعود القلب إثرها إلى النبض الطبيعي. أمّا الكبد فلا يمكن أن تتجاوز مدّة توقّفه عن العمل 12 ساعة باعتبار ما تستغرقه مدّة عملية الزّرع التي تمتدّ إلى 7 ساعات. وبالنسبة إلى الكلية تصبح غير صالحة للعمل بعد مرور 36 ساعة على انتزاعها إذا لم يقع زرعها.
وأكّد على ضرورة أن تتمّ عمليّة زراعة الأعضاء في إطار قانوني ومجّانا حتى لا تتحوّل إلى سوق تتحدّد أسعارها وفقا للعرض والطّلب.
من جهتها تُعلّق رفيقة البارودي مديرة مركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء “لا يوجد في تونس سرقة أعضاء بشرية، ونحن نعاني من نقص المتبرّعين. وهم ما يدفع المريض إلى السفر إلى بلدان أخرى حيث تتوفّر سياحة الأعضاء البشرية، أين يباع العضو مقابل ملايين الدينارات”.
وعند سؤالنا لها عن بعض الحالات المشبوهة، أشارت أنّ الطريقة التي تمّت فيها تلك العمليات كانت في ظروف غامضة وأنّ عمليّات نزع أو زرع دون موافقة المريض المتبرّع تبقى غير قانونيّة.
وبعد إعلامها أنّ العمليات تمّت في مستشفيات حكوميّة تراجعت لتقول “ربّما يحدث ذلك دون علمنا وهنا يتحمّل الطبيب كلّ المسؤولية إذا وقعت مخالفات”.
وفيما يتعلّق بشكاوى المواطنين حول طول الانتظار ردّت البارودي بدهشة “غالبا ما نصطدم كوننا نتحايل مع الأشخاص عند حصولنا على العضو لزرعه” موضّحة أنّه “هناك تحاليل وفحوصات طبّيّة تعطي الفرصة والأولويّة لأشخاص سجّلوا أسماءهم في قائمة الانتظار حديثا على حساب آخرين مسجّلين منذ أشهر”.
وبحسب استبيان غير علمي نشره معدّ التحقيق على صفحات التّواصل الاجتماعي والتويتر، أكّد 9 أشخاص من بين 10 سألناهم، أنّ الأطبّاء الذين يقومون بمخالفات لا يستندون إلى معايير الفحوصات الطبية فيما يبيّن 4 من بين 10 أشخاص أنهم على استعداد لبيع أعضائهم من أجل المال.
كلّ ذلك يحدث رغم أنّ القانون التونسي يجرّم عمليّات زرع الأعضاء البشرية خارج المؤسّسات الحكوميّة وبشروط وإجراءات طبيّة صارمة باستثناء عمليات زرع القزحية في المؤسسات الاستشفائية الخاصّة.
وطبقا لقانون نزع الأعضاء وزرعها فقد نصّ الفصل 15 من القانون الصادر في 25 مارس 1991 أنّه لا يمكن نزع العضو إلاّ إذا تمّ التثبّت من أنّ الإنسان قد مات دماغيّا من قبل طبيبين ليس من ضمن الفريق الذين سيقوم بعمليات الزّرع أو نزع الأعضاء. إضافة إلى وجوب ذكر يوم وساعة وأسباب وفاة الشخص. وعلاوة على ذلك لابدّ أن يكون المتوفّي متبرّعا وبموافقة أسرته. ودون هذين الشرطين يُبطل القانون عمليّة الزّرع أو النّزع.
وينصّ القانون التونسي أن يكون المتبرّع راشدا وسليم المدارك العقليّة ويُطالب المتبرّع بملء استمارة التصريح بالتبرّع يقع إمضاؤها أمام محكمة الناحية. كما تنصّ النّظم الدّاخليّة المتّبعة من قبل مركز النّهوض بزرع الأعضاء ووزارة الإشراف على أنّ المتبرّع من الأحياء لا يكون إلاّ من بين أفراد العائلة الواحدة، إضافة إلى أنّ المشرّع التونسي يمنع منعا باتّا التبرّع بمقابل مادّي أو معنوي.
جمعيّة أجنبيّة وكوادر في قفص الاتّهام
السّؤال الذي ظلّ في حاجة إلى إجابة هو كيف تتمّ عمليات نزع الأعضاء في إطار غير قانوني؟ وما هو الخيط الفاصل بين الانتهاكات الحاصلة وشكاوى المتضرّرين والجهات المسؤولة سواء الطبّيّة أو الأمنية؟
لاحظنا خلال التّحقيق، أنّ السّائل الطبّي أي المادّة الحافظة التي يستعملها الأطبّاء بعد دخول المريض في حالة موت دماغي لتبقي العضو صالحا والتي لا يتمّ توريدها إلى تونس إلّا بموافقة الصيدلية العامّة ومصالح الديوانة، يمكن أن يمرّ عبر تقصير أحد الطّرفين.
هذا وقد تمّت إحالة ملف إلى وزارة الداخلية بتاريخ 11-11-2012 من أجل مساءلة فرقة الأبحاث والتفتيش الديوانية لحجز أحد الفرق الأمنية مواد طبيّة مضرّة بصحّة المواطن حيث تمّ حجز بضاعة دون تصاريح وزارة التّجارة والصحة.
وفي هذا الإطار قال المحامي المنذر الشارني إنّ كل مخالفة لقانون التّبرّع ونزع الأعضاء يُعتبر جريمة. والمخالفات لابدّ أن تكون تأديبيّة وموجبة للمساءلة التأديبيّة أمام هيئة الأطبّاء باعتبارها ضدّ الممارسات الأخلاقية للمهنة وفيها تعدّ على الحرمة الجسدية.
وأوضح الشارني أنّ قانون نزع وزرع الأعضاء لابدّ أن يكون واضحا وصريحا ويطبّق بصرامة حتى لا تحصل تجاوزات لأنّ الأمر يتعلّق بتجاوزات وبحياة أشخاص لذلك يجب أن تكون العقوبات في مستوى حجم الجرائم.
معدّ التحقيق- محمد علي لطيفي