إن المراهنة على الأجيال القادمة لبناء مجتمعات سليمة من اهم المشاريع التي على الأمم والشعوب التنّبه إليها والعمل عليها بجدّية. خاصّة امام ما يتهدد الشعوب من مخاطر الانحراف نحو العنف والتطّرف والإرهاب. لكن هذه الظواهر ليست ولادة لما يعتمل داخل المجتمعات من تناقضات وميز اجتماعي واقتصادي وسياسي فقط، بل هي كذلك تتغذّى عبر آلية الثقافة والفن وعوالم الإبداع بتلويناته وتشكيلاته المختلفة.
إنّ ما نلاحظه اليوم من جهود لمكافحة آفة الارهاب عبر المعالجة الأمنية لا يفي بالحاجة بل بالعكس قد يعمّق هذه الظاهرة إذا ما كان منفردا دون الاعتماد على مقاربات أخرى في المعالجة. ومن أهم المقاربات في مواجهة ظاهرة الارهاب والتطرّف هو الفعل الثقافي، ذلك لأن الإرهاب هو في الأصل سلوك مبني على مفاهيم وقيم وفكر تعمل على شدّ الانسانية إلى الوراء. وما فتئ القائمون بهذا الفعل من الاعتماد على خطابات وصور ومادة دعائية تتمكّن بسهول من عقول الشباب اللّذين لم يكتشفوا قيمة الحياة وبهجتها عبر قيم الفن والإبداع.
وقد تفطّن المثقفون في تونس إلى هذه المسألة، وانكبوا على وضع برامج وخطط تجعل من الفن سلاحا جدّيا يضاهي مفعوله السلاح الحربي في استئصال الجذور الأولى للإرهاب. وفي هذا السياق عمل السيد حسن بن جدّو على هندسة برنامجا متكاملا يستهدف الشباب التونسي وبالتحديد الفئات المهمشة وذوي الأوضاع الاجتماعية الصعبة لأنهم عرضة للتأثر والانفعال بما يروّجه الارهابيون من مقولات ودعاية ثورية في ظاهرها ورافضة للسائد في شكلها لكنّها مكرّسة لنمط حضاري وثقافة مجتمعية رهيبة تدعو للموت والخراب اكثر منها تؤسس للحياة وللإنسان في عمقه وبعده الكوني البنّاء. الانسان المحب لبهجة الوجود.
إنّ مشروع السيد حسن بن جدّو مدير مشروع “أولادنا في عينينا” تحت شعار”بأولادنا نحمي بلادنا” والذّي عرضه على وزارة المرأة التي تبنّته مشكورة هو لبنة أولى لها عمقها الاستراتيجي الهادف إلى تسليح أبنائنا بمقومات حب الحياة وقيم الخير والتسامح وقبول الاخر رغم اختلافنا معه. وهذه القيم التي تجعل من المجتمعات في حالة الأمان والاستقرار والرّقي يمكن تثبيتها وغرسها في أجيالنا القادمة عبر آليات المسرح والرّسم والسينما وفن التخاطب وفهم المختلف دون تشنج وإقصاء.
أولادنا في عينينا برنامج وطني ينتشر على أكثر من نصف ولايات تونس مبدئيا في انتظار ان يعم باقي الولايات أستطاع من خلاله صاحب المشروع ومديره التنفيذي السيد حسن بن جدّو أن يجمّع حوله جملة من المبدعين والفنّانين واللذين آمنوا بدور الفن في مواجهة الارهاب من أمثال لطفي بوشناق وهشام رستم المدير الفني للمشروع والمكلف بالتنسيق مع الفنانين وغيرهم من المبدعين من وجوه موسيقية ووجوه تلفزية وسينمائية حتى يكونوا قدوة ويوجهون أطفالنا لعالم الفن والضوء عوض عالم اليأس والإحباط والموت.
ولتنفيذ المشروع ميدانيا تمّ الاتفاق مع مختصون في المسرح ومعظمهم من خرّيجي المعهد العالي للفن المسرحي بتونس والمعهد العالي للموسيقى والمسرح بالكاف كما راهن على العديد من اللفنانين التشكيليين خرّيجي معاهد الفنون الجميلة وأصحاب التجارب والخبرة في عالم الفن التشكيلي مرفوقين بمختصين في التنمية البشرية. وينفتح المشروع في أيامه القادمة على خبراء في علم النفس وعلم الاجتماع، كما سيقع تعزيز هذه الكوكبة من الفنون بورشات ونوادي سينما تسلّح الأطفال وأولادنا بمهارات وآليات في قراءة المشهد المصور عبر السينما والتلفزة والفيديو كليب لما للسمعي البصري من قدرة على التأثير. خاصّة وانه مستغل من الارهابيين عبر شبكات التواصل الاجتماعي واليوتوب لتمرير دعايتهم المسمومة.
هذا مشروع ينفتح على عوالم الابداع ونموذج تونسي يحتذى في مواجهة الارهاب وتسليح العقول بالفن والحياة قبل تسليح الجيوش.