توصلت الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية إلى اتّفاق حول الحلّ النهائي للملف السوري. ويبدو أنهما قرّرتا تنفيذ هذا الاتّفاق بغضّ النظر عن مواقف الأطراف الأخرى بما في ذلك القوى الإقليمية المؤثرة في الصّراع وأطراف النزاع في الداخل السوري.
إنهاء الدّور الإقليمي
الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، أنهيا، في هذا الاتفاق، حضور وأدوار القوى الإقليمية. وينطبق ذلك على السعودية وقطر وتركيا، كما على إيران. القوتان الأعظم سوف تتوليان، وحدهما، إدارة المسار السياسي لحل الأزمة السورية، وفقا لقواعد الاتفاق الذي أبرمتاه.
فالسعودية التي طالما راهنت على القوى الإرهابية التي تحارب نظام بشار الأسد بما في ذلك “داعش ستجد نفسها مجبرة على الانصياع لقرارات وإملاءات الولايات المتحدة التي ستلزمها بعدم التدخل في الشأن السوري، إلاّ بما يخدم بنود الاتفاق. وفي صورة رفضها فإنها ستجد نفسها في مواجهة غير متكافئة وستخسر الدعم الأمريكي في حربها الظالمة في اليمن. أمّا تركيا ورغم انضوائها تحت لواء الحلف الأطلسي ورغم حدودها المشتركة مع سوريا ورغم كلّ ما لديها من أوراق الضغط وخاصة فتح مجالها الجوي أمام واشنطن وتسخير قواعدها العسكرية للانطلاق في ضرب الأهداف داخل العمق السوري ورغم دورها الفعّال في ملف اللاّجئين، فإنها رغم كلّ هذا غير قادرة على الوقوف في وجه قوّتين لهما القدرة العسكرية والسياسية على خنقها داخل حدودها وزيادة التوترات داخلها من خلال تحريك الملف الكردي وملف حقوق الإنسان.
إيران رابحة بالغياب
أما بالنسبة إلى إيران، الحليف المباشر للنظام السوري، فإنها ستكون القوة الإقليمية الأكثر استفادة من الاتفاق الروسي الأمريكي لأنّ هذا الاتفاق اعترف، بصورة لا لبس فيها، بالإطار الشرعي القائم للجمهورية العربية السورية، كإطار لأي حل سياسي في سوريا، إلى جانب اعترافه بالقوى العسكرية التي تحارب الإرهاب في سوريا، وهي: الجيش العربي السوري وحلفائه، القوات الروسية، والتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. وهو ما ينهي أيّ مبادرات عسكرية إقليمية، ويجعل الانخراط في العمليات العسكرية ضد الإرهاب، منوطا بالانضواء تحت أي من هذه القوى الثلاث، وهو ما يعني إطلاق يد التحالف الروسي ـ السوري ـ الإيراني ـ اللبناني (حزب الله) في شن العمليات العسكرية ضد تنظيمي “داعش” و”النصرة”، وهو ما يعني خوض معركتي “الرقة” و”إدلب” وسائر المناطق التي يسيطر عليها التنظيمان الإرهابيان. وذلك تحت غطاء سياسي دولي، وبالتعاون مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وروسيا.
الأكراد أكبر الخاسرين
لم تقع الإشارة في الاتفاق الروسي الأمريكي إلى “قوات سوريا الديموقراطية” بقيادة الأكراد، بما يعني عدم الاعتراف بأي كيانية سياسية مستقلة للأكراد في سوريا. وهذه النقطة ستجعل أكراد سوريا مضطرين إمّا إلى خوض حرب طويلة الأمد في ظل موازين قوى لا تخدم لصالحهما أو الاحتماء بمظلة النظام السوري ودعمه ضد التدخل التركي في الشأن السوري، خاصة وأنّ هناك تنظيمات كردية تحارب إلى جانب النظام السوري.
في سياق متصل وضع الاتفاق ثلاثة معايير لمشاركة القوى السورية في مسار الحل النهائي. وهي أوّلا: نبذ التنظيمين اللذين قررت الأمم المتحدة أنهما إرهابيان، أي “داعش” و”النصرة”، وكل تنظيم آخر يدان بالإرهاب بقرار أممي. وثانيا القبول بوقف إطلاق النار بلا شروط. وثالثا القبول بالقرار الأممي 2254 والامتثال لكافة عناصره.
النّظام السّوري أكبر المستفيدين
إلى جانب الاعتراف بالنظام السوري بوصفه شريكا في الاتفاق الروسي الأمريكي وحليفا لا غنى عنه في أي حل نهائي فإنّ الاتفاق يسمح أيضا للجيش العربي السوري باستعادة كلّ الأراضي التي هي الآن تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية التي حدّدها الاتفاق. وهي تمثل ثمانين بالمائة من جملة الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة. وبذلك سيصبح النظام السوري بموجب هذا الاتفاق هو المحدد في الحل النهائي بوصفه يمثّل الدولة السورية المعترف بها دوليا والمدعومة من أكبر قوتين في العالم ويكون بذلك الاتحاد الأوروبي خارج اللعبة وما عليه سوى السير خلف واشنطن والدب الروسي.
عبد الجبار المدوري