جاء تقرير دائرة المحاسبات المتعلق بغلق ميزانية الدولة لسنة 2013 في ما يقارب 190 صفحة باعتبار الملاحق. وتضمن، إلى جانب التوطئة، ثلاثة أجزاء غير متوازية الحجم:
– الجزء الأول يتعلق بملخص تنفيذ ميزانية الدولة لسنة 2013 (11 صفحة)
– الجزء الثاني يتعلق بتحليل إجمالي لتنفيذ عمليات الميزانية لتصرف 2013 (12 صفحة)
– الجزء الثالث يتعلق بتحليل موارد وتكاليف ميزانية الدولة وميزانيات المؤسسات العمومية الملحقة ميزانياتها ترتيبيا بميزانية الدولة والمراكز الديبلوماسية والقنصلية بالخارج (76 صفحة)
كما ضمّ التقرير ملاحق وردود وزارة المالية.
أهمّ إخلالات التّصرّف في الأموال العموميّة
إنّ إعداد دائرة المحاسبات تقريرا يتعلق بغلق ميزانية الدولة يدخل في مهامها العادية، طبق ما تنصّ عليه القوانين الجاري بها العمل. لكن هذا التقرير على غير العادة أثار تعاليق متعددة أغلبها في اتجاه طرح تساؤلات حول حسن التصرف في المال العمومي. ناهيك أنّ السنة المعنية هي سنة 2013، أي السنة الثانية لحكم “الترويكا” بقيادة حركة النهضة، والشكوك التي حامت حول تصرف حكومتي الجبالي والعريض في الأموال العمومية. ونذكر على سبيل المثال قضية الهبة الصينية التي لم تتّضح معالمها إلى حد الآن، وتشغيل آلاف النهضويين في إطار قانون العفو العام وما تحمّلته ميزانية الدولة من أعباء غير عادية وما أفرزته من ضرورة الالتجاء إلى الاقتراض عديم الفائدة.
ونظرا لطول التقرير، وبما أنه يصعب تناول كل ما ورد فيه في مقال قصير واحد، فقد اخترت أن أقدّم ملخصا لما ورد بالجزء الأول منه، على أن نعود في أعداد مقبلة لتقديم باقي التقرير.
تحويلات ماليّة غير قانونيّة وغير شفّافة
توصل تقرير دائرة المحاسبات في جزئه الأول، المتعلق بتنفيذ ميزانية الدولة لسنة 2013، إلى العديد من الاستنتاجات التي تمثّل خرقا للقوانين المنظّمة للتصرف في المالية العمومية ومنها:
– تقديم الحسابات: على عكس ما ينصّ عليه القانون الجاري به العمل، تمّ تقديم الحسابات لدائرة المحاسبات بتأخير وصل ثمانية أشهر.
– عدم إرفاق الحساب العام لسنة 2013 بالحسابات التي ينصّ عليها الفصل 208 من مجلة المحاسبة العمومية (الحسابات الخاصة)
– عدم تضمّن الحساب العام للسنة المالية 2013 والجداول المرفقة له تفصيلا لمبالغ نفقات الوزارات المعنيّة حسب البرامج التي تشرف عليها.
– عدم شمولية الحساب العام للسنة المالية. فقد “تمّ بموجب القانون 51 لسنة 2013 بتاريخ 23 ديسمبر 2013 المتعلق بقانون المالية لسنة 2013 الترخيص في إجراء تحويل بمبلغ ألف مليون دينار (1.000 م د) من الرصيد المتبقّي لدى البنك المركزي التونسي بعنوان التفويت في قسط من رأس مال شركة اتصالات تونس لفائدة موارد ميزانية الدولة (العنوان الأول) ولا يتماشى هذا الترخيص مع أحكام الفصل 8 من القانون الأساسي للميزانية، وذلك بالنظر إلى أنّ مداخيل التخصيص تدرج ضمن الصنف السادس (مداخيل غير اعتيادية أخرى) من موارد ميزانية الدولة والذي يمثّل أحد مكوّنات موارد العنوان الثاني”.
لقد كانت عائدات فتح رأس مال شركة اتصالات تونس بنسبة 35 في المائة سنة 2006 تساوي 3050 مليون دينار، على أنّ المبلغ المتبقّي من هذه العملية يساوي 873,041 مليون دينار حسب التقرير السنوي للبنك المركزي التونسي لسنة 2013 “غير أنّ حساب سنة 2013 والوثائق المصاحبة له لا يتضمّن مبالغ بهذا العنوان، وهو ما يتعارض مع مقتضيات الشفافية ومبادئ الميزانية المنصوص عليها بالقانون الأساسي للميزانية“.
عدم إدراج الحجم الحقيقي للموارد والنّفقات
– عدم عكس المبلغ المدرج بالحساب العام ومشروع قانون غلق الميزانية لتصرّف 2013 الحجم الحقيقي للمصاريف المنجزة لتغطية نفقات تخصّ العنوان الأول وصناديق الخزينة “فقد تضمّن حساب التصرف لأمين المال العام لسنة 2013 بقايا للتسوية، بعنوان حسابات تسبقات على عمليات الميزانية طبق العنوان الأول، قدرها 285,188 مليون دينار. ومن شأن عدم إدراج الحجم الحقيقي للموارد والنفقات أن يقلّص من قيمة إيرادات ونفقات السنة للميزانية وأن يحدّ من مصداقية النتائج التي ينتهي إليها تنفيذ الميزانية للسنة المقبلة”
– عدم الإفصاح عن معطيات ذات صلة بتنفيذ الميزانية إذ تبيّن، من خلال النّظر في الحساب العام للسنة المالية لسنة 2013، عدم الإفصاح عن المعطيات التالية:
- الحجم الجملي للموارد الجبائية ومبلغ فائض الأداء الذي يتمّ استرجاعه وحجم الامتيازات الجبائية والديوانية
- حجم مستحقّات الدولة بعنوان مرابيح المؤسسات والمنشآت العمومية
- العدد الجملي للانتدابات المرخّص فيها بموجب قوانين المالية والعدد الجملي للانتدابات المحققة.
ومن شأن عدم الإفصاح عن هذه المعطيات أن يحول دون ضبط جملة الموارد المحصّلة وجملة النفقات المنجزة وبالتالي دون تمكين السلطة التشريعية من مراقبة مدى التّقيّد بتراخيصها.
توصيات عامة:
ينتهي تقرير دائرة المحاسبات بالتوصيات التالية فيما يتعلق بتنفيذ ميزانية الدولة لتصرف 2013:
ضرورة تقديم الحسابات في الآجال
ضرورة تنمية الموارد الذاتية وذلك بالتصدي للتهرب الجبائي، لاسيما المتصل منه بالتجارة الموازية، كالرفع من مردودية النظام الجبائي مع ضرورة المحافظة على مستوى مقبول للضغط الجبائي يسمح بدعم النشاط الاقتصادي ودفع الاستثمار.
ترشيد النفقات العمومية بما يمكّن من حصر نسبة عجز الميزانية في حدود معقولة
التحكم في المديونية بالنظر إلى نسبة ارتفاع التداين العمومي (45,7 في المائة سنة 2013 مقابل 44,5 في المائة سنة 2012). لذا يجب “تجنّب الاقتراض من أجل تمويل نفقات التصرف وحصره قدر الإمكان لتمويل نفقات التنمية، حيث أنّ التعويل على الاقتراض من أجل الاستهلاك يرفع من حجم خدمة الدّين العمومي ولا ينعكس بصفة إيجابية على مسار التنمية وعلى الرفع من نسب النمو الاقتصادي”.
إضفاء المزيد من الشفافية على الحساب العام للسنة المالية وذلك “بتضمين الحساب إيضاحات في خصوص الفوارق الهامة بين التقديرات والإنجازات بالنسبة إلى مختلف بنود الميزانية وإدراج كل الموارد والنفقات الراجعة الى ميزانية الدولة وكذلك فائض الأداء الذي تم إرجاعه وذلك قصد إضفاء مزيد الشفافية على تنفيذ الميزانية.
وفي الختام – ودون توجيه اتهامات لأي كان- يمكن القول إنّ غياب الشفافية ووجود إخلالات تتعلق بتنفيذ ميزانية الدولة، طبق ما تنصّ عليه قوانين البلاد، يطرح تساؤلات عدة حول التصرف في المال العمومي ومدى صحة ما نسمعه عن الفساد المستشري في دواليب الإدارة وصلب العديد من المؤسسات العمومية ومدى مسؤولية السياسيين الذين يشرفون على الإدارة.
كما يمكن القول إنّ توصيات دائرة المحاسبات لا تبتعد كثيرا عمّا طرحته الجبهة الشعبية في برنامجها الانتخابي بالنسبة إلى تنمية الموارد الذاتية وخاصة الجبائية منها والحد من المديونية والضغط على المصاريف.
الاستاذ محمود مطير
المحامي لدى التعقيب و المستشار الجبائي