افتتاحية “صوت الشعب” – العدد 199، الجمعة 4 مارس 2016
بعد تصنيف مجلس وزراء الدّاخلية العرب حزب الله منظّمة إرهابيّة: الحرب الطائفيّة تشتدّ والائتلاف الحاكم يصطف وراء السّعوديّة
في خطوة تصعيدية وفي إطار “الحرب الطائفية” الشاملة الدائرة بين السعودية وإيران، صنفت دول مجلس التعاون الخليجي حزب الله اللبناني “منظمة إرهابية”. ويطال هذا التصنيف قادة الحزب وقوّاته والتنظيمات التابعة له والمنبثقة عنه. وأكّدت دول المجلس أنها ستتخذ “قرارات لاحقة” تستند إلى هذا التصنيف وذلك بحسب ما أعلنه الأمين العام للمجلس عبد اللطيف الزياني.
ومباشرة بعد صدور هذا القرار حذا وزراء الداخلية العرب المجتمعون بتونس حذو مجلس التعاون الخليجي واصطفوا وراء نظام آل سعود، واعتبروا بدورهم حزب الله “منظمة إرهابية”، متهمين إياه بـ”زعزعة استقرار المنطقة العربية”.
وقد قال الزياني في بيان صدر يوم 2 مارس 2016 “إنّ دول مجلس التعاون الخليجي اتخذت هذا القرار جرّاء استمرار الأعمال العدائية التي تقوم بها عناصر تلك الميليشيات لتجنيد شباب دول المجلس للقيام بالأعمال الإرهابية، وتهريب الأسلحة والمتفجرات، وإثارة الفتن، والتحريض على الفوضى والعنف في انتهاك صارخ لسيادتها وأمنها واستقرارها”.
وقد جاء قرار المجلس بعد يوم فقط من اتهام الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله السعودية بالسّعي إلى إثارة فتنة طائفية بين السنة والشيعة في لبنان واتهامها بشكل غير مباشر بدعم الأعمال الإرهابية التي تستهدف الشيعة في لبنان وفي عدة بلدان أخرى.
وقال نصر الله في كلمة له بثتها قناة “المنار” التلفزيونية التابعة للحزب إنّ المملكة العربية السعودية دفعت لبنان إلى مرحلة جديدة من الصراع السياسي بقرارها وقف المساعدات المقدمة للجيش اللبناني، لكنه أكد أنّ البلاد ليست على حافة حرب أهلية.
ومن المعلوم أنّ السعودية عّلقت الشهر الماضي مساعدات بقيمة ثلاثة مليارات دولار للجيش اللبناني بسبب امتناع الحكومة اللبنانية عن إصدار بيان يدين هجوم إيرانيين غاضبين على بعثتين دبلوماسيتين سعوديتين في إيران عقب إعدام السعودية رجل الدين الشيعي نمر النمر يوم 2 جانفي 2016.
ويمثّل القرار الخليجي الذي أصبح الآن “قرارا رسميا عربيا”، بعد تبنيه من قبل وزراء الداخلية العرب، خطوة تصعيدية في إطار الحرب الطائفية العظمى التي تديرها كل من السعودية وإيران. وتمتد هذه الحرب التي بدأت تفقد “برودتها” على طول منطقة الشرق الأوسط ويشتدّ وطيسها خاصة في العراق وسوريا واليمن، حيث تتواصل الصراعات بين ميليشيات طائفية مدعومة من السعودية وحلفائها من الدول العربية ومن تركيا من جهة، ومن الحلف الإيراني المدعوم أساسا من النظامين السوري والعراقي من جهة ثانية.
وتعمل القوى العظمى على تغذية هذه الصراعات الطائفية وتأجيجها حتى تبقى دول المنطقة متخّلفة وتابعة، فيسهل بذلك نهب ثرواتها وخاصة النفط. فالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي تدعمان دون تحفظ السعودية في حين تنحاز روسيا نوعا ما إلى جانب الحلف الإيراني.
ولا غرابة في أن يجد القرار الأخير ترحيبا واضحا من الامبريالية الأمريكية ومن الكيان الصهيوني الذي يعتبر المستفيد الأكبر من هذا القرار لأنّ حزب الله قوة عسكرية قادرة على منازلة الكيان الصهيوني. وقد سبق أن واجهته في حرب سابقة، وبموجب هذا القرار فإنّ الكيان الصهيوني سيزيد من ضغوطه على كّل فصائل المقاومة الفلسطينية من أجل اجتثاثها والقضاء عليها خاصة بعد تصنيف مصر حركة حماس منظمة إرهابية في وقت سابق.
وتجدر الإشارة إلى أنّ حشر كّل الدول العربية في هذا الصراع الطائفي من خلال مصادقة وزراء الداخلية العرب (عدا لبنان والعراق اللذين تحفظا على بعض البنود والجزائر التي قد تكون امتنعت، حسب بعض المصادر الإعلامية، على التصويت) على القرار الخليجي هو محاولة من الحلف السعودي إلى جرّ كل المنطقة العربية إلى حرب طائفية واسعة تأتي على الأخضر واليابس وتقضي على ما تبقى من أمل في النهوض بالشعوب العربية وبناء دول ديمقراطية ومستقلة.
وفي نفس السياق فإنّ اصطفاف نظام الحكم في تونس وراء الحلف السعودي ومصادقته على القرار دون تحفظ، حسب تصريح لوزير الداخلية، بعد أن كان هذا النظام، زجّ، في وقت سابق، ببلادنا في ما يسمى “التحالف الإسلامي ضدّ الإرهاب”، بقيادة السعودية، ووقع مع الولايات المتحدة الأمريكية “اتفاق الحليف الأساسي” دون حتى العودة إلى البرلمان، هو استهتار بكرامة الشعب التونسي وتلاعب بسيادته، وتأكيد واضح لاصطفاف السبسي وحلفائه وراء المحور السعودي.
إنّ حزب العمال، يدين موقف الائتلاف الحاكم الذي لا علاقة له بمصلحة الشعب التونسي والذي يمثل انتهاكا لاستقلالية قراره الوطني، وتذييلا لبلاده لمحاور رجعية في خدمة الاستعمار والصهيونية، ويطالب بالتراجع عمّا جاء في “إعلان تونس” من مواقف لا تخدم مصلحة البلاد وتزجّ بها في أتون الصراعات والحروب الطائفية، ويدعو كّل القوى الديمقراطية والتقدمية إلى الوقوف أمام هذا التيار مثلما وقفت بالأمس في وجه السياسة الخارجية للترويكا التي دفعت بلادنا وراء المحور القطري التركي السعودي الذي لم تجن منه سوى المشاكل والمصاعب والمخاطر.
افتتاحية “صوت الشعب” – العدد 199، الجمعة 4 مارس 2016