بعد صدور دستور الجمهورية التونسية خلال شهر جانفي 2014 أصبحت مجلّة الأحوال الشخصية مثلها مثل العديد من القوانين والتشريعات الخاصة بالمرأة لا تتلاءم مع مبادئه، ما يدعو اليوم إلى إعادة النظر فيها بالتعديل والتطوير حتى تضمن مبدأ المساواة وتستجيب إلى طموحات المرأة التونسية. فهي وإن تعلّقت بالأسرة مباشرة فإنها تؤسّس إلى علاقة تمييزية بين الذكر والأنثى يتربّى عليها الناشئة وتصبح من المسلّمات فتعيد إنتاج الصورة النمطية للعلاقة بين الجنسين في المجتمع التونسي .
ورغم أنّ مجلّة الأحوال الشخصية حين صدورها يوم 13 أوت 1956 كانت حدثا تاريخيا رائدا في المجتمع العربي الإسلامي لما مثّلته من تحدّ وجرأة في زعزعة مقومات المجتمع التقليدي ولانعكاساتها الاجتماعية على واقع الأسرة، إلاّ أنّها ظلّت تحمل في طياتها تناقضات وتجاذبات بين الموروث الديني (المذاهب الأربعة) والمأمول الحداثي (الحركة الإصلاحية وبناء دولة حديثة).
إيجابيّات ندعمها ونحافظ عليها
تضمّنت مجلّة الأحوال الشخصية 12 بابا مفصلة في 213فصلا (الزواج ،الطلاق ،العدة ،النفقة، الحضانة، النسب ،أحكام اللقيط ، أحكام المفقود، الميراث، الحجر والرشد، الوصية، الهبة). وتحمل بعض الفصول ايجابيات يجب الحفاظ عليها ودعمها .
فيالزواج
الفصل -1 : ” … كل من الوعد بالزواج والمواعدة به لا يعتبر زواجا ولا يقضى به”
الفصل -3 : ” لا ينعقد الزواج إلاّ برضا الزوجين ” إ
الفصل -4 : لا يثبت الزواج إلا بحجة رسمية يضبطها قانون خاص ( قانون الحالة المدنية 1957 ) …..فكل من لم يبلغ منهما ثمانية عشر سنة كاملة لا يمكنه أن يبرم عقد زواج ، وإبرام عقد الزواج دون السن المقرّر يتوقّف على إذن خاص من الحاكم ولا يعطي الإذن المذكور إلاّ لأسباب خطيرة و لمصحلة الواضحة للزوجين”
كما أنّ زواج القاصر يتوقف على موافقة الولي والأم
الفصل – 18 “تعدّد الزوجات ممنوع” لمنع تعدّد الزوجات وحفظ كرامة المرأة”.
الفصل – 30 ” “لا يقع الطلاق إلاّ لدى المحكمة” .
إنّ ما سبق من الفصول يضمن مدنية الزواج والطلاق إن حدث، فتحفظ حقوق كلا الزوجين بالقانون كما اشترط لصحة الزواج رضا كلا الزوجين وحدد سن الزواج ومنع زواج القاصر وتعدد الزوجات حتى تكون مؤسسة الزواج مبنية على التفاهم والحب والحفاظ على كرامة الطفولة والمرأة من الانتهاك .
المجلّة متأخّرة عن الاتّفاقيات الدّوليّة والدّستور
نصّ الدّستور في الفصول التالية على:
الفصل عدد 20 على “علوية المعاهدات الدولية على القوانين “
الفصل عدد 21 على “إقرار مبدأ المساواة بين المواطنين والمواطنات“
الفصل عدد 46 على “التزام الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها”.
كما ورد في توطئة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ومنها فقد لاحظت الدول الممضية على هذه الاتفاقية :
– على أنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد على عدم جواز التمييز.
– على أنّ الدول الأطراف في العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان واجب ضمان مساواة الرجل والمراة في حقّ التمتّع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية. – وإذ تدرك أنّ تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمراة يتطلب إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل وكذلك في دور المراة في المجتمع والأسرة.
إضافة لذلك فقد نصّت المادة عدد 16 على أن” تتّخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضدّ المراة في كافة الأمور المتعلّقة بالزواج والعلاقات العائلية ” .
واعتمادا على ما قره الدستور والمواثيق الدولية المصادق عليها من طرف الدولة التونسية أصبح إلزاما تعديل مجلة الأحوال الشخصية وتطويرها في أفق القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة في الأسرة والمجتمع
سلبيّات وجب تعديلها وتحويرها
رغم الإيجابيات سابقة الذكر إلاّ أنّ المجلة لم تقطع في فصول عديدة مع الطابع الذكوري والتمييز ورواسب الفكر التقليدي والعرف والعادة .
من الفصول التي تعتبر سلبية اليوم في المجّلة نجد بعض الفصول المتعلّقة بالزواج منها الفصل الثالث الذي نصّ “يشترط لصحّة الزواج إشهاد شاهدين من أهل الثقة وتسمية مهر للزوجة” والفصل عدد 12“كلّ من كان مباحا و مقوّما بمال تصلح تسميته مهر وهو ملك للمرأة“ والفصل عدد 13” ليس للزوج أن يجبر المرأة على البناء إذا لم يدفع المهر” فهذه الفصول لها تأثير سلبي لأنّها اعتمدت شرط المهر لصحّة الزواج وأساس البناء ولهذا من الواجب اليوم حذف جانب المهر من هذه الفصول المشار إليها.
الفصل عدد 23 الذي نصّ على “… ويقوم الزوجان بالواجبات الزوجية حسب ما يقتضية العرف والعادة… وعلى الزوج بصفته رئيس العائلة… ” له أيضا تأثير سلبي لأنّ العرف والعادة السائدة تكرّس التمييز والتفاضل بين المرأة والرجل في الأسرة والمجتمع وتكبّل المرأة بالتزامات الفضاء المنزلي ممّا يؤثّر سلبا على مشاركتها في الحياة العامة أو يعطّلها فتضطرّ “للتوفيق” بين الالتزامات العائلية حسب “العرف والعادة” حقّها في المشاركة في الحياة العامة إلى التضحية الجسدية والصحية والنفسية.
وبخصوص النفقة ينص الفصل عدد 43 على أنّ “المستحقّ للنفقة بالقرابة صنفان: الأبوان والأصول من جهة الأب وإن علو. ومن جهة الأمّ في حدود الطبقة الأولى والأولاد وإن سلفوا“.
والفصل عدد 44“يجب على الأولاد الموسورين ذكوريا أو إناثا الإنفاق على كلّ من كان فقيرا من الأبوين ومن أصول الأب وإن علوا ومن أصول الأمّ في حدود الطبقة الأولى”.
أمّا الفصل عدد 46 فقد نصّ على” وتبقى البنت مستحقّة النفقة إذا لم يتوفّر لها الكسب أو لم تجب نفقتها على زوجها” وتعتبر هذه الفصول أنّ الأنثى مستحقة للنفقة باعتبار جنسها .ولهذا من الواجب تعديلها وتحديد نفس شروط النفقة للذكر والأنثى باعتبارهما أبناء وتمتيع الأصول من جهة الأب والأم بنفس واجب الإنفاق.
ومن السلبيات أيضا في المجلّة نجد أنّ الفصل عدد 67 “ويمكن للقاضي أن يسند مشمولات الولاية إلى الأمّ الحاضنة إذا تعذّر على الوليّ ممارستها أو تعسّف فيها أو تهاون في القيام بالواجبات المنجزة عنها على الوجه الاعتيادي”… وفيه يشترط إسناد الولاية للأم حسب ظروف الأب ولهذا نطالب اليوم بضرورة تعديله بما يسمح بتمتيع الأمّ كما الأب بنفس الحقوق والمسؤوليات في الولاية على الأطفال وعدم ربط ولاية الام بظروف الأب.
أمّا بخصوص الباب التاسع الذي نصّ على الميراث فقد فضل الرجل في الإرث من حيث النصاب ودائرة الاستحقاق. لهذا من الضروري اليوم أن يتمّ التنصيص على المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى والمساواة عند انتقال الملكية بالإرث للأصول والفروع من جهة الزوج والزوجة.
منظمة مساواة