صوت الشعب صوت الحقيقة
تضمّن خطاب رئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي، في اجتماع يوم الأحد 20 مارس 2016 والذي قاطعه الاتحاد العام التونسي للشغل والجبهة الشعبية وعدد من أبرز مكونات المجتمع المدني، جملة من الرسائل تؤكد أكثر من أي وقت مضى انحراف مؤسسة الرئاسة عن الوظيفة التي حددها لها الدستور في تمثيل كل التونسيين وتوحيدهم وما ألزمها به من حيادية حيال الاختلافات والصراعات التي يمكن أن تشق صفوفهم.
بل أكثر من ذلك أكّد الباجي مرة أخرى انحيازه الواضح والمفضوح للنظام القديم ورغبته الجامحة في عودته. إذ راح يتبجّح بماضيه “الدستوري” وبولائه لبورقيبة والتباهي بمعرفة دقائق الحقبة السوداء التي مرّت بها البلاد طيلة السنوات التي أعقبت 20 مارس 1956، والتي مزّقت وحدة الشعب ودجّنت المجتمع التونسي تحت غطرسة الاستبداد الدستوري.
وتكفيرا عن جريمة اغتيال صالح بن يوسف دعا في نبرة “مزمجرة” إلى إعادة الاعتبار إليه لا كضحية جريمة اغتيال وإنما كـ”دستوري”، ولسان حاله يخاطب طرفا سياسيا لم يجرِؤ على ذكره – التيار القومي بلا شك – طالبا من الدساترة ولا أحد غيرهم الموافقة على اقتراحه. أمّا البقية فليشربوا من الماء المالح على حد قوله. ولم يقتصر حنين الباجي إلى النظام القديم عند استحضار الماضي فقط، بل تعداه إلى تأكيد تمسّكه بمبادرته المعروفة بمشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية. وبطبيعة الحال لم يغفر للذين ناهضوا هذه المبادرة “وأقاموا القيامة” على حد تعبيره، مؤكّدا إصراره على العودة إليها وفرضها، متهكّما في الآن ذاته ممّن يدّعون امتلاك بديل “لم يره” الباجي – وكيف له أن يراه؟ – وهو الذي لا يرى سوى ما يكرّس تبييض الفساد والالتفاف على مطالب الثورة والشعب. وبنفس الأسلوب استهزأ من الاحتجاجات الشعبية ناكرا على مئات الآلاف من الشبان ضحايا الفقر والبطالة حق المطالبة المشروعة بحقهم في العيش الكريم وهم الذين مهدوا له الطريق ليعتلي ذلك المنبر.
لقد كان خطاب الذكرى الستين لـ 20 مارس 56، وعكس ما كان مطلوبا منه في مثل هذا الظرف العصيب الذي تعرفه تونس، فرصة ليمارس فيها رئيس الجمهورية هوايته في استعراض خواطره عن الماضي، فيما كان أجدر به أن لا يعترف فقط بصعوبة التحديات الأربعة التي ذكرها وإنما أن يعلن عن إجراءات حقيقية لمعالجتها وعن خطة لإنقاذ البلاد ممّا تردّت فيه من أزمة عامة وشاملة ينبئ بالهلاك. لذلك ليس من المبالغة في شيء القول إنّ هذا الخطاب جاء ليؤكّد مرّة أخرى عجز مؤسّسة الرّئاسة وفشلها تماما كما هو حال الحكومة وباقي مؤسّسات الحكم في ظلّ الرباعي الماسك بالسّلطة الآن.
ليس الخطر فقط في أنّ البلاد تواجه أزمة اقتصادية حادة تؤذن بالإفلاس واحتقانا اجتماعيا ينبئ بالانفجار ووضعا أمنيا مرعبا يهدّد البلاد والشعب بالإرهاب. بل الخطر كل الخطر أن تواجه البلاد كلّ هذه الأوضاع برئاسة خارج التاريخ وحكومة غائبة وبرلمان باهت. الخطر كلّ الخطر في الدولة العاجزة والفاشلة، في فراغ الحكم.
“صوت الشعب”: العدد 202
