رغم تواصل العمليات العسكرية والأمنية ببن قردان لتعقّب فلول الإرهابيّين، بدأت معركة بن قردان تبوح ببعض أسرارها التي لا تقلّ أهميّة وخطورة عن مواجهات يوم 07 مارس والتي تستوجب قراءة متأنّية وموضوعية وملمة بكل التفاصيل لاستخلاص الدروس والاستعداد للجولات القادمة ضدّ التنظيمات الإرهابية الباحثة عن موطئ قدم في بلادنا.
أولى هذه المعطيات هو العلاقة بين عملية تسلّل الإرهابيّين من ليبيا يوم 02 مارس ومواجهات يوم 07 مارس، ثانيها هو الخلاف بين العقلين الإرهابيين المدبّرين لعملية بن قردان محمد كردي ومفتاح مانيطة، وثالث هذه المعطيات وأخطرها العثور على جوازات سفر ليبية رسمية بحوزة الإرهابيّين التونسيّين حديثة الإصدار.
عمليّة التّسلّل يوم 02 مارس جزء لا يتجزّء من مخطّط غزو بن قردان يوم 07 مارس
تفطّن أحد مواطني بن قردان من العاملين في التجارة الموازية على الحدود الليبية التونسية إلى تسلل مجموعة كبيرة من الإرهابيين المسلحين يتراوح عددهم بين 20 و25 إرهابيّا للتراب التونسي. وتولّى إعلام قوات الأمن الوطني على الفور وذلك يوم الأربعاء 02 مارس لتقوم بمطاردتهم إلى أن وصلوا إلى منطقة العويجي على أطراف بن قردان حيث قضت على خمسة منهم في حين بقي مصير بقية المجموعة مجهولا. ولكنّ تسلسل الأحداث في الأيام اللاّحقة وصولا إلى يوم الإثنين 07 مارس يؤكّد أنّ بقيّة أفراد المجموعة الإرهابية قد تسلّلوا إلى بن قردان وأنّ المهمّة الرئيسية لعملية التسلل هي تعزيز صفوف الخلايا النائمة في بن قردان استعدادا ليوم المعركة الحاسمة.
ولكن ما يثير الاستغراب والحيرة ويستوجب دقّ نواقيس الخطر هو قيام هذه المجموعة الإرهابية بإقامة وليمة عشاء ذبحت فيها الذبائح في الظهير الصحراوي لمدينة بن قردان وتحديدا في منطقة التوي التي من المفترض أنها منطقة عسكرية عازلة وكأنهم في نزهة صحراوية. وذلك قبل التفطن إليهم من قبل المواطن وإبلاغه لقوات الأمن وهو ما شأنه أن يطرح بعض التساؤلات حول كيفية تعاطي الأجهزة الأمنية والعسكرية مع تلك الإيفادات والمعلومات والتصرف فيها، خصوصا في ما يتعلق بإفلات مجموعة إرهابية من مطاردة يوم 02 مارس.
التّناقضات تشقّ صفوف الجماعات الإرهابيّة
تروج عديد المعلومات حول ما كان يدور في كواليس معسكرات صبراطة أين تمّ التخطيط ل”غزو” بن قردان ومن أبرزها ما يتعلق بصراع الزعامة بين الإرهابيين الخطيرين الذين أردتهما القوات العسكرية والأمنية قتلى في بن قردان مفتاح مانيطة ومحمد كردي. فمن هما هذان الإرهابيان؟
مفتاح مانيطة: من مواليد 02 جانفي 1977 ببن قردان. قام بمبايعة أسامة بن لادن وتبنّى فكر وممارسة تنظيم القاعدة. سجن عدة سنوات في معتقل غوانتنامو قبل تسليمه إلى تونس حيث تمّ الحكم عليه بالسجن مدى الحياة. أطلق سراحه بعد الثورة وتمتّع بالعفو التشريعي ليعود إلى سالف نشاطه التكفيري الإرهابي ويلتحق بتنظيم القاعدة في ليبيا. يعتبر المساعد الأول للإرهابي الخطير عادل الغندري الذي قد يكون تمكّن من الفرار إلى ليبيا مباشرة بعد مقتل مساعده مانيطة يوم 07 مارس. ووفقا للمخطط الإرهابي فإنّ مفتاح مانيطة هو الذي سينصب أميرا على بن قردان وهو ما أثار حفيظة محمد كردي.
محمد كردي: هو الآخر من مواليد بن قردان في 26 أفريل، 1976 معروف باتجاره صحبة شقيقه في الخمور والمخدرات قبل الثورة. غادر بن قردان بتاريخ 22 فيفري 2014 للقتال في سوريا في صفوف تنظيم “داعش” الإرهابي، حيث تخصّص في صناعة المتفجرات وعمليات التفخيخ، مستغلا تكوينه في مجال الكهرباء ولقّب في الأوساط الإرهابية “بأمير المهندسين”. اتّفق مع مانيطة في صبراطة على توحيد جهودهما في عملية غزو بن قردان على أن يقوم مانيطة بتزويده بالسلاح المخزّن في بن قردان الذي سهر عادل الغندري على تهريبه منذ 2012. ولكن طموحات كردي في إمارة بن قردان دفعت مانيطة إلى نقض الإتفاق وعدم تمكينه من السّلاح خلال الدقائق الأولى لآنطلاق العملية.
لكن هذه التناقضات تبقى غير كافية لتفسير فشل عملية غزو بن قردان الذي يعود بدرجة رئيسية إلى استبسال القوات العسكرية والأمنية في الدفاع عن مراكز السيادة التي وقع استهدافها. وهو ما مكّنها من سرعة استرداد المبادرة وتجاوز صدمة الدقائق الأولى في زمن قياسي وتلتحم في مرحلة ثانية مع إرادة شعبية نسفت أماني الإرهابيين في الحاضنة الشعبية. وهنا لا بدّ من التوضيح أنّ تواجد الإرهابيّين ببن قردان لمدة أيام والدعم الذي وجدوه من عدة خلايا نائمة لا يمكن أن يرتقي إلى مستوى الحاضنة الشعبية بقدر ما هي شبكة يتقاطع فيها بارونات الإرهاب والتهريب دون السقوط في تلازم الإرهاب والتهريب. فمن كشف المجموعة الإرهابية المتسللة من التراب الليبي يوم 02 مارس هو مهرّب. التهريب شأنه شأن كل القطاعات مسرح لصراع محموم من أجل توظيفه وتوجيهه بين عدة أجهزة ومجموعات مصالح بما فيها بعض أجهزة الدولة.
حكومة طرابلس توفّر معسكرات التّدريب وتمنح جوازات سفر للإرهابيّين
من بين المحجوزات في عملية 02 مارس 2016 التي سبقت عملية غزو بن قردان بخمسة أيام، ستة جوازات سفر رسمية ليبية صادرة عن حكومة طرابلس لستة إرهابيين تونسيين وبأسمائهم التونسية الحقيقية. وهو من شأنه أن يسقط كافة أوراق التوت التي تستّرت بها الميليشيات الحاكمة في طرابلس عورتها الإرهابية. وبعض تلك الأوراق تونسية التفصيل والتطريز لطالما اعتبرت ميليشيات فجر ليبيا “خط الدفاع الأول لتونس ضدّ الإرهاب”.
قبل ذلك، لم تجد الحكومة التونسية حرجا في الاعتراف بحكام طرابلس وفتح قنصلية هناك، رغم ثبوت تورط قادة هذه الميليشيات في عمليات الاختطاف وأشهرها عملية اختطاف عشرات التونسيين كرهائن، ومساومة الحكومة التونسية لإطلاق سراحهم بإطلاق سراح عميد بلدية صبراطة حسين الذوادي الذي تمّ إيقافه في تونس في شهر أكتوبر 2015 على خلفية انتمائه إلى منظمة إرهابية كما صرح الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية في تونس، بالإضافة إلى توفيرهم لمعسكرات التدريب والإقامة لمئات الإرهابيين التونسيين.
الولايات المتّحدة تقصف أحد معاقل الإرهابيّين بصبراتة
رغم قصف الولايات المتحدة الأمريكية لأحد معاقل الإرهابيين التونسيين بمدينة صبراطة والتسويق له كعملية استباقية لإجهاض مخطط إرهابي يستهدف البلاد التونسية دون تحديد طبيعة أو تفاصيل هذا الخطر، تتعرض بلادنا، بعد أسابيع قليلة من ذلك القصف، إلى أخطر عملية إرهابية في تاريخها الحديث، وهو ما يطرح تساؤلات عدة حول حقيقة التنسيق والتعاون العسكري بين البلدين كما تروج له الحكومة التونسية.
هذه بعض التفاصيل التي أتينا عليها سعيا منا لفهم حقيقة ما يحيط بنا من تحدّيات وتهديدات قادمة من الشرق. فبالحقيقة وحدها يمكن خوض الحرب ضد الإرهاب بوجوه عارية وبفرز الصديق من العدو. إنّ اعتماد سياسة المهادنة اتجاه الأعداء وحجب الحقيقة عن الشعب لن يقودنا إلاّ إلى مزيد النكسات والخسائر. وخلافا لذلك، يبقى الانتصار للحقيقة التاريخية انتصارا لتضحيات شهداء تونس من عسكريين وأمنيين ومدنيين.
الحبيب الزموري
صوت الشعب: العدد 202