الكثير ممّن تابع المقابلة الصحفية التي أجراها صبيحة الأربعاء، 30 مارس الجاري، رئيس الدولة، الباجي قائد السبسي، مع عدد من الإذاعات، لاحظ مدى تبرّمه من هامش الحرية والديمقراطية الذي افتكّه التونسيات والتونسيون إثر ثورتهم على الاستبداد. وقد بدا ذلك واضحا من خلال الهجوم الذي شنّه بشكل خاص على الجبهة الشعبية التي تمثّل الفصيل الرئيسي للمعارضة التونسية.
فقد زعم أنها “لا تمثل الشعب”، بل لا تمثل سوى “جزء ضئيل” منه. كما وصفها بأنها “عدمية” وبأنها لا تريد أن تعترف بـ”إيجابيات الحكم، ولم يتورّع، أخيرا، رئيس الدولة عن اتهام الجبهة الشعبية بكونها تمارس عليه “الإرهاب الفكري”. جاء ذلك في ردّه على مواقف الجبهة من السياسة الخارجية لنظامه وخاصة اصطفافه وراء السعودية في عدد من القضايا ومن مسألة المديونية الخارجية المتزايدة التي تغرق تونس في التبعية ومن “قانون المصالحة الاقتصادية والمالية” وغير ذلك من المسائل الوطنية.
إنّ رئيس الدولة، من خلال كلامه هذا، يحاول بكلّ الوسائل تقزيم الجبهة الشعبية، لأنها تعارض توجّهاته السياسية الرجعية وتحالفاته مع حركة النهضة، وتنتقد عجزه وعجز حكومته وأغلبيته في البرلمان عن حل مشاكل الشعب وتحقيق المطالب التي رفعها في ثورته، كما أنه يحاول تخويف الناس من الجبهة الشعبية من خلال اتهامها بـ”ممارسة الإرهاب الفكري” مقدما نفسه في موقف الضحية. وكما هو معلوم فليست هذه أول مرة يتهجم فيها رئيس الدولة على الجبهة. ففي شهر جانفي الماضي، وبمناسبة وقوف الجبهة الشعبية بمناضلاتها ومناضليها إلى جانب تحركات جماهير المعطلين عن العمل، اتّهمها الباجي قائد السبسي بـ”التطرف” و”إثارة الفوضى” واضطر إلى التراجع عن ذلك تحت ضغط جزء واسع من الرأي العام الذي رأى في هذا الموقف تحريضا على الجبهة الشعبية وعلى قياداتها التي اكتوت بنار الإرهاب وفقدت زعيمين من أبرز زعمائها اللذين تعرضا إلى الاغتيال.
إنّ كلام رئيس الدولة هذه المرة يعكس أمرين اثنين. أولهما هو أنه ينتمي إلى عهد غير هذا العهد الذي ثار فيه الشعب على الاستبداد وفرض فيه الحرية السياسية التي تمثل حرية التعبير والتنظم أحد تجلياتها ومن هذا المنطلق فهو يجترّ مفهوما بائدا للمعارضة، مفهوما لا يرى في المعارضة سوى ديكورا للنظام القائم، يحدد لها مجال تحركها. وإذا كانت مكونات الجبهة الشعبية خاصة والحركة الديمقراطية عامة رفضت هذا المفهوم ولم ترضخ له زمن الدكتاتورية فلا نخالها ستقبله اليوم وقد حقق الشعب حريته.
إنّ الجبهة الشعبية تتمتع بوجود حقيقي في المجتمع التونسي وقد منحها جزء منه ثقته سواء في الانتخابات التشريعية أو في الانتخابات الرئاسية، وهي تزداد تأثيرا بحكم الفشل المتزايد للائتلاف الرجعي الحاكم وهو ما يمنحها حظوظا وافرة لقيادة البلاد في المستقبل. ومن هذه الزاوية فعلى رئيس الدولة أن يرسكل تفكيره ويدرك أنّ الجبهة الشعبية لن تتخلّى عن دورها كمعارضة ثورية وديمقراطية وتقدمية، وستتحمّل كل ما سينجرّ عن هذا الدور من تضحيات.
“افتتاحيّة صوت الشعب”: العدد 203