تمكّنت القوات السورية من تحرير مدينة تدمر التاريخية، محققة بذلك نصرا استراتيجيا ومعنويا مهمّا يفتح الآمال نحو الانطلاق لتحرير باقي المناطق في سوريا.
ويؤكّد هذا النّصر التزام روسيا بدعم النظام السوري في محاربة الإرهاب ويضع التحالف الذي تقوده أمريكا في موقع محرج بعد فشلها في تحرير الأراضي التي تسيطر عليها “داعش”.
نصرٌ للتّراث الإنساني
تنفّس العالم الصّعداء بعد تحرير تدمر التي تعتبر واحدة من أهم المواقع الأثرية في العالم والتي كانت مهددة بالتدمير من قبل تنظيم هو الأكثر عداوة للآثار. وسبق له أن دمّر عديد التماثيل والمواقع الأثرية في المناطق التي سيطر عليها. وحسب تصريحات المسؤولين السوريين فإنّ ترميم المدينة يتطلّب خمس سنوات من العمل ومساعدة دولية عاجلة لإصلاح ما خرّبه “الدواعش” من بنايات وتماثيل ومواقع.
نصر للجيش السّوري
تحرير تدمر هو بالتأكيد نصر استراتيجي للجيش العربي السوري في حربه ضد الإرهاب. ويكتسب هذا النصر أهميته من الموقع الاستراتيجي لمدينة تدمر التي تقع في ملتقى طرق تفتح على أهم المناطق التي مازالت تحت سيطرة التنظيم الإرهابي وخاصة الرقّة، أهم معاقله في سوريا. كما يفتح الطريق للتقدم نحو دير الزور شمالا وإلى الغوطة الشرقية لريف دمشق وريفي السويداء ودرعا جنوبا. ويُسهم هذا النصر المهم في عزل التنظيم وقطع التواصل بينه وبين أرياف حمص وحماة غربا وصولا إلى الحدود الشرقية العراقية.
روسيا تعزّز موقعها
من البديهي أن يعزّز هذا النصر موقع روسيا دوليا في مشاوراتها مع الحلف الذي تقوده أمريكا حول الملف السوري ويجعلها لاعبا رئيسيا في الوصول إلى حل نهائي في هذا البلد الذي مزقته الحرب الأهلية وتسببت في كارثة إنسانية كبيرة وفي حركة نزوح هي الأضخم منذ الحرب العالمية الثانية.
ورغم إعلانها الانسحاب من سوريا فإنّ القوات الروسية وفت بوعودها المتعلقة بمساندة النظام السوري في حربه ضد “داعش”، وتؤكد جميع التقارير أنّ دحر “داعش” في المدينة جاء بدعم روسي جوي كبير، ومشاركة في القصف، والتشويش على منظومة اتصالات الإرهابيّين، وتحديد إحداثيات القصف بعد رصد دقيق لمواقع مقاتلي التنظيم.
واشنطن تخسر الرّهان
منذ تدخّلها في سوريا ما فتئت روسيا تثبت للعالم أنّ هزم “داعش” لا يتطلب قوة عسكرية فحسب، وإنما إرادة دولية حقيقية، موجهة بذلك اتهاما ضمنيا إلى قوات التحالف بقيادة واشنطن بعدم الجدية في التصدي لتمدد هذا التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق. وقد سبق لبوتين أن قال بأنّ روسيا قادرة على طرد “داعش” والقضاء عليها في سوريا في ظرف أسابيع، في ردّ صريح على أوباما الذي قال بأنّ ذلك يتطلب سنوات.
وقد أثبتت معركة تدمر أنّ القصف الجوي الذي تنفّذه واشنطن على مواقع التنظيم في سوريا غير كاف لتحقيق نتائج على الأرض، وأنّ الواقع يتطلب تنسيقا مع القوات السورية المتمركزة على الميدان، الأمر الذي كانت ترفضه واشنطن رفضا باتا لأنها ترفض التعامل مع بشار الأسد وتطالبه بالرحيل.
وبتحرير تدمر تزداد الشكوك حول الدور الأمريكي في سوريا ومدى جدية واشنطن في محاربة الإرهاب وإنهاء معاناة الشعب السوري.
بداية النهاية لـ”داعش”...
بعد النجاحات الكبيرة التي عرفها التنظيم الإرهابي، “داعش”، خاصة خلال السنتين الأخيرتين، يبدو أنّ هذه السنة ستكون بداية النهاية له ودحره من كل الأراضي التي سيطر عليها. والأكيد أنّ معركة تدمر وتحريرها ستفتح المنافذ نحو مطاردة التنظيم في باقي المناطق في سوريا وسيشجّع على التقدم نحو تحرير الموصل في العراق.
تجدر الإشارة إلى أنّ هذا التّقدّم في محاربة “داعش” ما كان ليحصل لولا التدخل الروسي في سوريا وتغيّر موازين القوى الدولية وكشف مخططات القوى الإقليمية والدولية في دعم هذا التنظيم الإرهابي واستعماله لتحقيق مكاسب سياسية ضيّقة على حساب معاناة الشعوب. وبالتقدم في الحرب على “داعش” سوف تنكشف مزيدا من الحقائق حول الدور المشبوه الذي لعبته هذه القوى وخاصة السعودية وقطر وتركيا بدعم من واشنطن والاتحاد الأوروبي.
عبد الجبار المدوري