على صغر سنّه وحداثة تجربته يعمل مركز الفنون الدارمية والركحية بالقيروان على إرساء تقاليد مهمّة في علاقة بالمسرح في مدينة الشّعر . فبعد مهرجان المنولوج ومهرجان المسرح الحديث هاهو مهرجان ملتقى المسارح في دورته الأولى يكسر قشرة البيضة ليصبح طيرا يحلم بالتحليق بعيدا. في فضاءات تتجّمع فيها التجارب المسرحية بمختلف مشاربها وتتلاقى خلالها الحكايات المسرحيين بتنوّع مراجعياتهم ولهجاتهم ولكناتهم إن كان للمسرح لكنة ولهجة يتميّز بها من تجربة إلى اخرى. واعني باللكنة واللهجة البصمة التي تميّز تجربة عن اخرى.
ملتقى المسارح في دورته الأولى التي عاشها محبّي المسرح بمدينة القيروان من يوم 27 مارس إلى يوم 02 أفريل 2016 هو “دعوة مختلفة للإتلاف… كلّما اختلفنا كلّما اقتربنا من إنسانيتنا…” كما قدّمه مدير مركز الفنون الدرامية والركحية السيد حمّادي الوهايبي.. وعندما نقتفي أثر الاختلاف من خلال البرنامج نجد أثر ذلك على خشبة المسرح، بصمة تجانب الأخرى في تناسق خلاّق يسمو بالإنساني خارج دائرة التناحر والتصارع والتّصدع.
فالانطلاقة كانت في يوم العالمي للمسرح، ببساطة الابداع وبعمق الفن والمسرح مهندس هوية الشعوب، فكان الاحتفاء بالمسرحيين في حفل استقبال على شرفهم، مشفوعا بتلاوة البيان العالمي للمسرح. ليأذن بذلك في اليوم الموالي للمسرح الفرنسي، فرنسا البلد الذي أعلنت الهيئة العالمية للمسرح في عاصمته باريس عن الاحتفال باليوم العالمي للمسرح. لنطلّ بعده على المسرح الجزائري وكأنما الذّي أعدّ هذا البرنامج أراد أن يقول أن العداء بين فرنسا والجزائر وأن مخلفات الحقد الاستعماري وجرأة المقاومة يمكن حلّها على خشبة المسرح أين لا يكون للاختلاف طعم الدّم بل رائحة الأجساد والأضواء والحركة والألوان.
مهرجان في دورته الأولى لكنّه يؤسس لسلطة المسرحي الذّي يحتفي بالمسرحيين والموجّه لعامة الناس على حساب السياسي الرسمي الملفوف بالمجاملات. لا صوت يعلو فوق صوت المسرح في حبك خيوط الحضارية وبناء الفكر الطامح للتحرر والانطلاق رغم اختلاف اللغات والمشارب والجماليات.
مهرجان في دورته الأولى شمل عديد المسارح إلى جانب فريسا والجزائر نجد المغرب وتونس، في اعمال هي نماذج لتلك المسارح. وهو مفتوح في دوراته القادمة على مزيد التعدد والاختلاف. حتى يشتدّ عوده ويشعّ على المزيد من الدّول الأخرى.
لم يقتصر ملتقى المسارح على العروض المسرحية بما هي فعل ابداعي فنّي، بل تمّ إسناده بتربصات على غاية من الأهمية تسلّح الممثل المسرحي بمعارف جديدة وتفتح له أفاق التفاعل والاندماج في أشكال إبداعية فنّية كالدرامة التلفزية والسينمائية من خلال التربّص الذّي اشرف عليه وأطّره المخرج نجيب مناصرية حول “الممثّل والكاميرا”، ليفتح المهرجان أجنحته على تقنيات وفنون جديدة مثل تقنية الكاميرا التي استوعبها المسرح واعتمدها المخرجون في عديد الأعمال مثل المخرج غازي الزغباني في مسرحيته “بلاطو” والمخرج فتحي العكاري في عمله “ثنايا القمر”.
في أفق التنوّع وتعدد التظاهرات يعاني مركز الفنون الدرامية والركحية بالقيروان حالة من ضيق الفضاء ونقص الامكانيات اللوجستية والموارد البشرية المختصّة. وحتى لا يصبح الخطاب السياسي الثقافي دعاية مفرغة من مضمونها ومن جدّيتها ومصداقيتها مازلنا ننتظر أن تفي السلطة بتعهداتها في بناء مكرز للفنون الدرامية والرّكحية يليق بمدينة القيروان.
على الهامش:
ماذا تنتظر وزارة الثقافة والسُّلَطْ الجهوية حتى تشرع في بناء مركب ثقافي يشمل مركز الفنون الدرامية والركحية ومسرح للهواء الطّلق ومقر للمندوبية الجهوية للثقافة يليق بمقام الثقافة التي يتبارى المسؤولون السياسيون في اعتبارها أساس مهم من اسس مواجهة الارهاب.