يستعدّ مسرحا الحمراء والريو بوسط العاصمة، هذه الأيام لانطلاقة الدورة السابعة من مهرجان الربيع من 28 أفريل وإلى غاية 21 ماي ،2016 بالتزامن مع بيروت أين ينتظم المهرجان هناك بإشراف مسرح دوار الشمس للفنانين حنان الحاج علي وروجيه عساف.
هذا المهرجان الذي أطلقته وتشرف عليه مؤسسة المورد الثقافي منذ سنة 2004 والذي كان ينتظم بالتوازي بين مصر ولبنان لينزل الربيع هذه المرة بتونس إحياءً للراحل الكبير، المسرحي “عز الدين قنون” بعد سنة من وفاته وتكريما له ولذكراه كأحد أبرز المخرجين المسرحيين والفاعلين الثقافيين على الساحتين التونسية والعربية إضافة إلى كونه أحد مؤسسي “المورد الثقافي” وعضوا في مجلسه الفني على امتداد أربعة عشر سنة خلت من عمل هذه المؤسسة الكبيرة في دعم الفن والثقافة المستقلة في الوطن العربي.
يطوف الرّبيع… صُـغيّر بديع
وكما يقول الراحلان أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام عيسى في أغنية “يطوف الربيع” فإنّ الربيع يطوف هذه المرّة بتونس “صُغيّـر بديع وينهي المطاف.. إذا العدل طاف.. وشافه الجميع” وفي انتظار أن يعمّ العدل الذي ينادي به الحراك الاجتماعي في تونس مؤخرا، فإنّ الحراك الثقافي الدافع للتغيير المجتمعي عبر الفن المستقل والثقافة البديلة يشكّلان أهمّ ركائز هذا المهرجان على غرار توأمه البيروتي عبر الفنانين الشبان والفرق المستقلة كي لا ننسى أن “نحبك يا بلدي.. وأحبك ربيع.. شبابك مصحصح.. وجوك بديع”.
وكي “تعيش الزهور.. إذا الدنيا النور” فإنّ الريو والحمراء سينيران ليالي قلب العاصمة التي خفت بريقها إثر انتهاء أيام قرطاج الموسيقية، إذ سـ”تملا الخمايل… وتطرح مودّه.. عدد كل ورده .. وتعمل عمايل” في قاعتين ناهزت أعمارهما القرن أو تكاد، فالاختيار بأن يكون المهرجان في هذين القاعتين اللتين تشكّلان تراث وسط العاصمة، ليس باختيار اعتباطي كي يحافظ قلب العاصمة على حركيّته الثقافية في ظلّ الأسلاك الشائكة والتحصينات الأمنية التي تحيط بالشوارع المؤدّية إلى الريو أو الباعة المنتصبين بشكل فوضوي غطّى على كلّ محيط مسرح الحمراء ممّا أدّى إلى ضرورة الدفاع عن هذه القاعات كي “لا يترك قلب العاصمة شيئا فشيئا حتى تختفي منه الفعاليات الثقافية” على حدّ تعبير حبيب الهادي مدير الريو.
جاء هذا التصريح أثناء الندوة الصحفية التي شهدها مسرح الحمراء يوم الجمعة 15 أفريل حيث قدّم كلّ من حبيب بلهادي وسيرين قنون الملامح العامة للمهرجان، إضافة إلى غيرها من التفاصيل حول البرمجة والتحضيرات.
الفنانة سيرين قنون مديرة مسرح الحمراء قدمت في البداية فكرة تنظيم المهرجان في تونس قائلة إنّ الفكرة انطلقت في أربعينية “عز الدين قنون” حيث اقترح أعضاء المورد الحاضرين في الأربعينية أن تحتضن تونس هذه الدورة من “الربيع” تكريما له. كما قدّمت في الآن ذاته تعريفا بمؤسسة المورد الثقافي وبعمل الراحل “قنون” فيها.
المورد الثقافي: 13 سنة من أجل ربيع الفن والثّقافة في الوطن العربي
“قنّون” أو “عزّ” كما يحلو لأصدقائه في تونس وفي المشرق العربي تسميته، عمل معيّة رفاقه من الفنانين في مختلف الدول العربية على تأسيس المورد الثقافي 2003 كمؤسَّسة غير ربحية في بلجيكا نظرا لصعوبة بعث مثل هذه المبادرات آنذاك في الدول العربية، لتؤسّس إثر ذلك مقرّا لها في مصر عملت فيه إلى أواخر سنة 2014، حيث أوقفت نشاطها هناك بصفة رسمية نظرا للضغوطات المسلّطة من قبل نظام “السيسي” على عمل منظمات المجتمع المدني لتنتقل إلى بيروت في سنة 2015.
ففي نوفمبر 2014 أعلنت مؤسسة المورد الثقافي وقف جميع نشاطاتها في مصر في المرحلة الراهنة، على أن يستمر برنامجها الإقليمي خارج مصر بالتعاون مع منسقيها في الدول العربية. كما أعقبت البيان بعبارة “يؤسفنا إبلاغكم بأنه نظرا لظروف توقف أنشطة المورد الثقافي في مصر طبقا للبيان الصادر في نوفمبر 2014، فقد قمنا باستبعاد جميع الطلبات الواردة من المتقدمين المصريين ونأمل أن تسمح الظروف بعودة أنشطة المورد في مصر في أقرب وقت”. وكذلك الحال بالنسبة إلى المهرجان الذي انطلق منذ 2004 في القاهرة حتى 2008، ليمتدّ إثر ذلك إلى بيروت. وأصبح المهرجان يقام بالتزامن بين “ستّ الدنيا” بيروت و”أم الدّنيا” التي قال عنها عبد الفتاح السيسي أنها ستصبح “قدّ الدنيا” ليدفع إثر ذلك بالعمل الجمعياتي والمدني إلى الانحدار إلى الدرجات الدنيا.
ويعتبر المورد الثقافي من أهم المؤسسات الثقافية العربية الداعمة للمستقلين، حيث أطلق برامج فنية كمهرجاني الربيع و”الجنينة”. كما أطلق برامج لدعم الفنانين والأدباء الشبان وبرنامج المنح الإنتاجية ثم ملتقيات الشباب وبرامج أخرى من بينها “إمكان” وبرنامج “عبارة” لدعم المؤسسات الثقافية المستقلة وبرنامج “تطوير المعرفة وتنمية الكوادر البشرية في مجال الإدارة الثقافية” وبرنامج “دعم تنقل الفنانين العرب” و”رصد وتطوير السياسات الثقافية في المنطقة العربية”. كما كان له دور كبير في دعم الفاعلين الثقافيين في تونس بعد الثورة من خلال برامجه المختلفة المذكورة أو من خلال برنامج “تونس بلد الفن” بالتعاون مع وزارة الثقافة والمحافظة على التراث.
من أجل أن يبقى الرّبيع في تونس
إنّ مجيئ مهرجان الربيع إلى تونس هو فرصة كي تثبت المؤسسات الثقافية المستقلة ومن بينها الحمراء والريو قدرتها على تنظيم مثل هذه الفعاليات الضخمة، ولم لا حتى يبقى الربيع بيننا حتى في حال عودة نشاط المورد في مصر. إذ لم تدّخر الحمراء ولا الريو بذل كل مجهوداتهما من أجل إنجاح المهرجان والبحث عن موارد إضافية لهذه التظاهرة الضخمة.
سيرين وحبيب تحدّثا أثناء الندوة الصحفية عن هذه المجهودات، إذ تمّ تقديم طلبات دعم المهرجان إلى وزارتي الثقافة والسياحة، عن طريق اللجان المكلّفة بدعم مثل التظاهرات، وتبدو البوادر إلى حد الآن إيجابيّة رغم عدم وصول أيّ ردّ رسمي. فقد تكفّل المورد الثقافي بتغطية جزء كبير من النفقات فيما يخصّ تذاكر السفر والتنقّل وأجور الفنانين ليبقى على الشركاء المحليين وهما الريو والحمراء توفير الإقامة والدعم التقني واللوجيستي بكلفة كبيرة لا يستهان بها. وعلى الرغم من عدم توفر معطيات حول الأرقام فإن المهرجان حسب المنظمين، يعاني عجزا تحاول اللجنة تغطيته عبر دعم وزارتي الثقافة والسياحة.
كما تقدم المشرفون على المهرجان إلى المؤسسات الخاصة والعمومية من شركات وبنوك لدعم المهرجان، إلاّ أنّ كلّ المطالب جوبهت بالرفض، وهو ما يعتبر عادة “غير حميدة” في تونس. إذ تعاني التظاهرات الثقافية تباينا في المستوى ينعكس بشكل مباشر على برمجتها. فبعضها ينصبّ عليه الاهتمام وتسهر على دعمها الإدارات المركزية وسلط القرار. كما تتسابق المؤسسات والشركات إلى تمويلها. في حين تهمّش البقية وتترك لمصيرها. كما تبقى الأولوية لدى الخواص في زيادة تمويل الذوق الفني السائد من أجل دمقرطة المنتوج الرديء الذي يشكّل بدوره تجارة رابحة كغيره من المنتوجات الاستهلاكية كعلب المصبّرات ومشتقاتها، في حين يبقى دعم العمل الثقافي المستقل “مجرد أماني.. يا قلبي يا والع.. ما دام أنت تاني.. مخضّر وطالع بلون الربيع..”.
أقسام المهرجان: بين التّزامن و”عبّارة”، قسم رئيسي لـ”ريد زون”
يحتوي المهرجان على أربعة أقسام ويشكّل القسم الأول البرنامج الرئيسي وهو مخصّص للمدعوّين من خارج مؤسسة المورد كفرقة البالي الصيني والكتاكالي من الهند. وهي من الأشياء التي تُعرض بقلة في المنطقة العربية كما يندرج ضمن هذا القسم عرض الافتتاح الذي سيحييه كلّ من جاسر الحاج يوسف من تونس وكنان العظمة وديما أورشو من سوريا. أمّا القسم الثاني فهو قسم تزامن وهي الإنتاجات التي أشرفت عليها مؤسسات وفنانون دعّمهم المورد الثقافي عبر سنوات. أمّا القسم الثالث فهو “عبّارة” وهو برنامج أطلقه المورد الثقافي لدعم المؤسسات المستقلة منذ 2011 بعد الثورات وستعرض في هذا القسم بعض الإنتاجات التونسية التي تمّ دعمها من قبل المورد وهي “المرحلة 32″ لمعز مرابط و”دبو” 52 لمؤسسة تعبير و”الأسود قيمة” للبحري بن يحمد.
أمّا القسم الأخير “ريدزون Red Zone” فهو مهرجان يقام في النرويج يهتم بحرية التعبير. ونتيجة لرغبة المنظّمين النرويجيّين أصبحت فعاليات المهرجان تقام ضمن “الربيع” مرّة كلّ سنتين ويعرض هذا القسم كلّ الأعمال الفنية الممنوعة من العرض في بلدانها. وستركّز أعمال هذه الدورة على الحدود التي تصنعها الحروب وتأثيرها على الأعمال الفنية التي تعاني التقسيم فهي إمّا أن تعيش وتزدهر في المهجر بعيدا عن نسيجها الاجتماعي أو العكس.
وسينفتح المهرجان على فضاءات أخرى كدار باش حانبة بالمدينة العتيقة والمعهد الفرنسي بتونس، إضافة إلى عرض في الكاف لـ”دبو 52″ في انتظار أن يتلقّى المهرجان دعما إضافيا من أجل برمجة خاصة في الجهات في الدورات القادمة.
أكثر من مائة فنّان من أجل الرّبيع
افتتاح الربيع بالريو واختتامه بالحمراء، وبينهما 23 عرضا في الموسيقى والرقص والمسرح والسينما وأكثر من 100 فنان بين فرد وفرقة يحيون ربيعا للفن طالما سعى “عزّ” أو “قنّون” على رعايته إلى آخر لحظة.
ستفتح الفضاءات كي “يطوف الربيع… صغيّر بديع” وسيتذكّر الجميع “أن لا ينسوا فتح هواتفهم بعد انتهاء العروض…” أليست هذه عبارتك يا “قنّون”.. ؟؟، اطمأن فنحن لم ننسى ولن ننسى وسيردّدها الرّبيع.
حاتم بوكسره