حاورته فاتن حمدي
يتزامن العيد العالمي للعمّال لهذه السنة مع الذكرى السبعين لتأسيس الاتّحاد، لذلك سيكون الاحتفال غزيرا بالأنشطة النقابية والثقافية. ويتضمّن البرنامج معرضا وثائقيّا يختزل تاريخ الاتّحاد بقاعة الأخبار بشارع الحبيب بورقيبة، كما ستحيي فرقة العاشقين الفلسطينية حفلا يوم 30 أفريل الجاري بشارع الحبيب بورقيبة بداية من الساعة السادسة مساء. وستتوجّه القيادة النقابية يوم غرّة ماي بخطاب إلى عموم الشغّالين والنقابيين، وسيقع احتفال خاص بقصر المؤتمرات يحضره رئيس الجمهورية لتسليم جائزة تتويج العامل المثالي والمؤسّسة المثالية التي نجحت في الجمع بين النجاحات الاقتصادية والمحافظة على المكتسبات الاجتماعية.
علمنا أنّ الاتّحاد سيعلن عن تصوّر للاقتصاد التضامني والاجتماعي أشرفتم على إعداده، فما هي خطوطه العريضة، وهل تعتقدون أنّه يمكن أن يشكّل مخرجا من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد؟
الاتّحاد العام التونسي للشغل منشغل بالتنمية، ولكن عن أيّ منوال تنمية؟ فهناك منوال تنموي جُرّب، ولئن حقّق تطوّرا في نسبة النموّ، إلاّ أنّه لم يخلق التنمية ولا آليات لتقليص عدد العاطلين عن العمل. فهذا المنوال المعتمد بيّن فشله الذريع – رغم رضا بعض المؤسّسات الدولية عليه في المرحلة السابقة – لأنه لم يقلّص من البطالة ولم يحقّق التوزيع العادل للثروة بين الجهات والقطاعات ولم يعمل على إيجاد حلول لمشاكل المواطنين. فبعد تجاوز 5 بالمائة من نسبة النموّ في السنوات الأخيرة تزايدت البطالة والفقر وتضاعفت معاناة الجهات الداخلية نتيجة الحرمان وانعدام العدالة الاجتماعية والاقتصادية. ولا ننسى أنّ هذه الأسباب أدّت إلى اندلاع الثورة والتي كانت مطالبها في البداية اجتماعية بالأساس.
اليوم وبعد تقييم لأسباب اندلاع الثورة وبعد خمس سنوات ونصف، نجد أنّه تحقّق هدف وحيد وهو مكسب حريّة الصحافة والتعبير وحريّة التنظّم والحريّات الفردية والعامة. وباستثناء ذلك فالمطالب الاجتماعية لم تتحقّق وكأنّ البلاد لم تحدث فيها ثورة، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة تقديم برنامج اقتصادي اجتماعي متكامل يراعي الأهداف التي من أجلها اندلعت الثورة وينطلق في تحقيقها ولو تدريجيا بما يستجيب إلى تطلعات الشعب، بل إنها لم تستطع أن توجّه رسائل طمأنة وهو ما يفسّر تواصل الاحتجاجات الاجتماعية.
هذا ما يدفعنا إلى القول إنّ منوال التنمية القادم يجب أن يعتمد على مرتكزات ثلاثة، يعتمد على القطاع العام والوظيفة العمومية والقطاع الخاصّ، والاعتماد على الاقتصاد التضامني والتعاوني، وهو موجود لكن بصيغة محتشمة لم تتجاوز 1 بالمائة. ونحن في الاتحاد نعوّل كثيرا على هذا المنوال الاقتصادي التضامني والتعاوني حتى يستطيع التقليص من عدد العاطلين عن العمل ونسب البطالة. ولهذا قام الاتّحاد منذ أشهر بإعداد مشروع قانون مرفوق بحزمة من التشريعات ينظّم هذا النوع الجديد من الاقتصاد الذي نريد إرساءه وسيقع الإعلان عنه رسميا في خطاب غرة ماي، ثمّ ستوجّه نسخ منه إلى الحكومة ومجلس النوّاب ونشره إلى الرأي العام حتّى يجد طريقه نحو اعتماده في صيغة قانون.
نلاحظ في الفترة الأخيرة حملة دعائيّة ضدّ الاتّحاد، لمصلحة من؟ وكيف تردّون عليها؟
الحملة ضدّ الاتحاد العام التونسي للشغل لم تنقطع ولو مرّة واحدة. وتقريبا فإنّ منظمّتنا كانت هدفا لأعداء العمل النقابي ولمن يؤمنون بالليبرالية المتوحّشة. فمن مصلحتهم عدم وجود تنظيم نقابي قويّ له القدرة على مجابهة الأوضاع. وهذه الحملات كانت من قبل الحكومات المتعاقبة على تاريخ تونس. وقد شهدت بلادنا أزمات جرّاء هذه الحملات ضدّ الاتّحاد منها أزمات سنوات 1957 و1965 و1978 و1984… وقد تواصل الهجوم على الاتحاد حتّى بعد الثورة من ذلك ما وقع بدار الاتحاد يوم 4 ديسمبر 2012. وقد كانت الغاية منها إرباك قيادة المنظّمة وإدخال البلبلة والفوضى في صفوفها حتّى لا تقوم بدورها المنوط بعهدتها. كما أنّ حسابات من يقف وراء هذه الحملات تختلف بين دوافع وتوجّهات سياسية واقتصادية تناهض العمل الاجتماعي والنقابي.
إنّ هؤلاء “الفرسان الجدد” يريدون فرض توجّهاتهم الحزبية وآرائهم من خلال التهجّم على الاتّحاد رغم عدم إنكارهم لدوره في المعركة الوطنية من أجل تحرير البلاد وتقديمه للتضحيات وللشهداء، ولأوّل برنامج اقتصادي واجتماعي لحكومة ما بعد الاستقلال. إضافة إلى نجاحه في بناء التوافقات السياسية للخروج من الأزمة الخانقة بعد الاغتيالات السياسية بعد الثورة. فبعد دورنا الرئيسي ومساعدتنا في إنجاح انتخابات المجلس الوطني التأسيسي تنكّرت حكومة الترويكا لهذا الدور، معتبرة أنّ الاتّحاد جمعية وقد انتهى دوره، وما عليه سوى الاهتمام بالملفّات الاجتماعية والاقتصادية. من ثمّ انطلقت الحملات ضدّ منظّمتنا بغاية تقزيمه وإبعاده وإزاحته عن الساحة الوطنية. ورغم ذلك لم ينجحوا في مسعاهم، بل وجدوا أنفسهم على طاولة الحوار الوطني. وهو حال بعض من كان معارضا في عهد حكومة الترويكا، فبعد وصولهم إلى الحكم بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة أصحبوا يطالبون بدورهم بابتعاد الاتحاد عن الشأن الوطني والعودة إلى مربّع الملفّات الاجتماعية.
لكنّنا نطمئن الشعب التونسي، فالاتحاد لن يتخلّى عن دوره الاجتماعي والوطني والسياسي أحبّ من أحبّ وكره من كره ولا قوّة قادرة في البلاد أن توجّهنا كما تريد. فنحن نحدّد مجالات تدخّلنا ومقرّراتنا انطلاقا من هياكلنا وقواعدنا وعموم الشعب الذي يؤمن بأنّ الاتّحاد منظّمة جماهيرية منحازة إلى الفئات الضعيفة. وأقول لمن يقف وراء هذه الحملات “كفّوا عن الاتّحاد”، فهو لن يكون شماعة يعلّقون عليها فشلهم الذّريع، فللاتّحاد نساء ورجال مستعدّون للدفاع عنه بكلّ قوّة.
ملفّ مراجعة أنظمة التّقاعد عاد من جديد على سطح الأحداث أين يكمن الخلاف؟ وكيف تتصوّرون الخروج منه؟ وهل فعلا ستلجؤون إلى مكتب منظّمة العمل الدوليّة للتشكّي؟
الصناديق الاجتماعية تعيش صعوبات. ونحن نؤمن بأنّ الأوضاع الحالية لا يجب أن تظلّ على حالها. فسبق وأن أمضينا العقد الاجتماعي مع الأطراف الاجتماعية الثلاث. وهناك خمسة محاور رئيسية نعمل عليها من بينها الوضع الاجتماعي وواقع الصناديق الاجتماعية. ويجب أن ننبّه أنّ كلّ عمل خارج إطار العقد الاجتماعي سيكون تشويشا وقلبا للأوراق من جديد، ولن يعطي مصداقية لتونس لا على مستوى دعم التفاوض والحوار الاجتماعي القائم بين أطراف الإنتاج الثلاثة ولا على مستوى التزاماتنا الدولية. فقد تمّ الإمضاء على العقد الاجتماعي تحت قبّة المجلس الوطني التأسيسي بحضور المدير العام لمنظّمة العمل الدولية. وقد بدأت اللّجان في العمل على المحاور ليتبيّن أنّ العجز في الصناديق الاجتماعية يختلف من صندوق إلى آخر.
وقد اجتمعنا مع الحكومة وتوصّلنا إلى إيجاد مخرج لصندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية لأنه الأكثر ضررا، ووجدنا أرضية توافقية بمقتضاها سندخل في التمديد الاختياري في سنّ التقاعد بزيادة سنتين أو خمس سنوات يختار الموظّف بينهما. وقد تمّ الاتّفاق على الانطلاق في هذا الإجراء. ولكن هناك تنكّر للعقد الاجتماعي ولما اتّفقنا عليه باعتماد سياسة الهروب إلى الأمام والسّعي إلى سنّ قوانين وتشريعات من جانب واحد ودون تشريك الأطراف الاجتماعية في اتّجاه إصلاح ورؤية كاملة قد تكون موجّهة من قبل صندوق النقد الدولي. لذلك يتنقّل وزير الشؤون الاجتماعية وباستمرار إلى مجلس النوّاب قصد الإقناع بوجهة النظر الأحادية الجانب. وفي المقابل حضر خبراؤنا وممثّلو الاتّحاد في اجتماعات لجنة التشريع وعبّروا عن التوافق الأوّلي حول صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية وعن استعدادنا لإيجاد أرضية تقي الصناديق هزّات وتعطي دفعا للاستقرار في العشريّات القادمة.
إنّ التوجّه الأحادي الجانب وتغييب الأطراف الاجتماعية وتمرير قوانين وإجراءات وإصلاحات من جانب واحد أمر لن يقبل به الاتّحاد، وإن اقتضى الأمر سنلجأ إلى منظّمة العمل الدولية. إضافة إلى ذلك فقد راسلنا رئيس الحكومة ووزير الشؤون الاجتماعية ورئيس مجلس النوّاب حتّى يقع التريّث والعودة إلى الحوار. وفي حال لم نجد الآذان الصاغية سندافع عن وجودنا وسنناضل دفاعا عن وجهة نظرنا وعلى فرض إصلاح للصناديق الاجتماعية بعد التوافق حفاظا على استقرار البلاد.
يرى البعض أنّ هناك مؤشّرات أزمة حكم، فهل تشاطرون هذا الرأي، وهل سيتقّدم الاتحاد بمبادرة جديدة على شاكلة الحوار الوطني لمعالجتها؟
هناك أزمة سياسية وأزمة حكم قائمة في البلاد يعرفها الخاصّ والعام. ونرجو أن تجد الأطراف السياسية حلاّ لتجاوزها. وإن ظلّ الأمر على حاله، فلن تكون البلاد على المسار الصحيح. وسنحاول تقريب وجهات النّظر بين الأحزاب السياسية للتوصّل إلى حلّ حتّى لا تستفحل الأزمة أكثر. ونحن في الاتّحاد لدينا ثقة في الأحزاب حتّى تجد مخرجا لمسألة الحكم في المرحلة الحالية. وسيكون تدخّلنا في إطار حثّ الأطراف على التسريع في إنهائها، قبل استفحالها فغايتنا هو الاستقرار وليس الوصول إلى الحكم.
انطلقت الحكومة في مفاوضات مع صندوق النّقد الدولي والاتّحاد الأوروبي للبحث عن تمويلات جديدة مشروطة بإصلاحات اقتصادية واجتماعية. فما موقف الاتّحاد منها؟
نحن لا نمانع التوجّه إلى أصدقائنا والمؤسّسات الدولية للحصول على قروض. لكنّنا مع ترشيدها حتى تكون من أجل الاستثمار والتنمية وتدعيم البنية التحتيّة وتكثيف الأقطاب الصناعية. ونحن مع قروض ميسّرة دون شروط مجحفة ودون تدخّل في الشؤون الداخلية، لأنّ بعض الشروط قد تكون مجحفة. وهذا لن نقبل به ولن نساوم في شأنه. فنحن نخيّر أن يتمّ اختيار الجهة المانحة حتّى لا يتمّ التدخل في شؤوننا والرضوخ للأجندات الخارجيّة.
في الفترة الأخيرة، التقى الاتحاد وفدا عن الاتحاد الأوربي وعن صندوق النقد الدولي. وطلبنا منهم أن يراعوا مصلحة تونس وان لا يستغلّوا حالة الضعف الاقتصادي وحاجتنا إلى التعاون لإملاء شروط لا تضرّ بمصلحة الشعب التونسي.
وقد طالبنا بتأجيل النّظر في اتفاقية التبادل التجاري بين تونس والاتّحاد الاوروبي لما تحتويه من شروط وإملاءات قد تتسبّب في مشاكل خاصة في القطاع الفلاحي الذي لم يؤهّل بعد. فبلادنا تمرّ بفترة انتقالية مازال فيها الاستقرار الأمني والاجتماعي هشّ.
هنالك ملفّات مهمّة وعاجلة تثير الكثير من الاحتقان الاجتماعي مثل ملفّ الآليات وعدم تفعيل الاتّفاقات المبرمة فأين وصل التّفاوض بشأنها؟
في الحقيقة، حقّقنا تقدّما في القضاء على العمل بالآليات الهشّة، وأنهينا المناولة في القطاع العام، وتمكّنّا من إبرام اتّفاق تمّ بمقتضاه تحويل العاملين بالآلية 16 من عمل هشّ إلى عمل منظّم، وأنهينا ملفّ عمّال الحضائر المدرجين قبل سنة 2011، واليوم نعمل على تسوية العاملين بنفس الملفّ بعد سنة 2011. أمّا بخصوص الاتّفاقات الممضاة، فأكثر من 80 بالمائة منها وقع تفعيلها. وقد أوجدنا اللّجنة المشتركة 4 زائد 4 للنظر في الاتفاقات. كما نعمل على إيجاد حلول للخلافات بخصوص أجزاء من الاتّفاقات. وهناك مشاكل تظهر لها انعكاسات على الاستقرار الاجتماعي.
أمّا بخصوص ما يحصل في قطاع الصحّة العمومية فالاتّحاد اتّفق مع رئيس الحكومة بعد تقديم تنازلات ووجدنا حلاّ للإشكال القائم مع وزارة الصحّة العمومية. لكنّ وزير الإشراف لم يقبل بالاتّفاق. وهذا ما يدفع إلى الحيرة ولا يعطي مصداقية للتفاوض أو للعمل الحكومي ويعود بنا إلى مؤشّرات الأزمة الحالية. فكيف يرفض وزير تطبيق ما اتّفق حوله مع رئيس الحكومة؟ ونحن نطالب اليوم بتطبيق هذا الاتّفاق لا غير والأزمة الآن في هذا الملفّ ليست بيد الاتّحاد.
مع البطء في إصدار الملاحق التعديلية للأجور في القطاع الخاصّ، هل هناك أزمة بينكم وبين منظّمة الأعراف؟
نحن أمضينا اتفاقا مع منظمة الأعراف بخصوص الزيادة في أجور العاملين بالقطاع الخاص بعنوان سنة 2016 والانطلاق في جولة المفاوضات بخصوص سنتي 2016 و2017 بداية من النصف الثاني من شهر ماي 2016 كما ستكون المفاوضات المقبلة قطاعية. ولهذا فمن الصعب الحديث حاليا عن أزمة مع منظّمة الأعراف رغم البطء في إصدار الملاحق التعديلية الذي قد يكون سببه البطء من الناحية العمليّة في إصدارها لا غير.
ماهي علاقتكم كمنظّمة نقابية مع عدد هامّ من أعضاء مجلس النوّاب من مختلف الكتل الذين تحمّلوا مسؤوليات نقابية صلب الاتّحاد؟ وهل يمكن أن تعوّلوا عليهم في ملفّات تهمّ الاتّحاد؟
صحيح هناك نقابيون ينتمون إلى أحزاب سياسية أصبحوا نوّابا بمجلس النوّاب ولم تعد لهم حاليا مسؤوليات نقابية. وإنّي على يقين أنّ لهم هاجس اجتماعي لكن دون أن يتمّ التنسيق معهم للدفاع عن مواقف الاتحاد. إضافة إلى ذلك فهناك أنصار للاتحاد لم يتحمّلوا سابقا مسؤوليات نقابية. ونحن لا نسعى إلى خلق لولبيات للدفاع عن مواقف الاتّحاد بقدر ما نتعامل مع كلّ الأطراف التي تتقاطع معنا بأيادي مفتوحة.