شريف خرايفي
يوم 16 ماي هو “اليوم العالمي للنضال ضدّ البطالة والتهميش”، تمّ إقراره منذ أربع سنوات في الجلسات التحضيرية ل”التنسيقية النقابية المتوسطية”، التي تجمع منظّمات نقابية واجتماعية لدول المتوسّط، والتي انخرط فيها اتحاد أصحاب الشهادات المعطّلين عن العمل مباشرة بعد الثورة وكان أحد مؤسّسيه، ثمّ تمّت المصادقة على هذا اليوم على هامش المنتدى الاجتماعي العالمي المنعقد في تونس في مارس 2013.
لماذا يوم عالمي للمعطّلين؟
منذ تأسّس اتحاد أصحاب الشهادات المعطّلين عن العمل في ماي 2006، أكّد ضمن أرضيّته أن البطالة ليست قضاء وقدر، ولا هي ظاهرة محلية معزولة في تمظهراتها وفي أسبابها، بل هي نتيجة للمنظومة الاقتصادية المهيمنة (الرّأسمالية) وللخيارات التي ينتهجها النّظام، إن على صعيد سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو تعليمي … وطبيعي، أن يكون النّظام التونسي، انطلاقا من هذه الخيارات نفسها التي يتّبعها، وفيّا لتوجيهات بارونات المال والأعمال المتحكّمين في مصائر الدّول والشعوب.
الانخراط إذا في هذه المنظّمة، اتحاد المعطّلين، يستوجب تبنّي المقاربة القائلة بأن القضاء على البطالة مرتبط بالنّضال ضدّ أسبابها، ضدّ الظّروف والشروط التي خلقتها وفهم انعكاساتها على الفئات والجهات والمجتمع، وبالتالي فإنّ الانتقال من وضعيّة “العطالة” إلى وضعية الإنتاج وخلق قيمة مضافة (العمل) تستوجب الاستعداد لنزال القوى والجهات التي استفادت من جيوش المعطّلين والمهمّشين، وهي الفئة (والطّبقة) التي تراكم ثروتها من خلال خلق هذا الجيش الاحتياطي، والسمسرة فيه وبه.
كان إذا ضروري أن يكون فهمنا ونضالنا ضدّ آفة البطالة، ليس فقط محليا، أي ضدّ النظام ومنظومته اللاّشعبية واللاّديمقراطيّة، وإنما ضدّ الخيارات التي يطبّقها بالقمع ورغم أنف الشعب التونسي، وهو ما خلق القناعة أنّ مقارعة البطالة يجب أن يقترن بمطلب السيادة، الحقّ في التمتّع بثروات ومقدّرات البلاد، لا أن نكون خدما ومجرّد أدوات لخلق الثروة وتصديرها لمافيا المال الأجانب. ولن يكون ذلك ممكنا ولا مقنعا دون أن يكون نضالنا ضدّ البطالة معولما أيضا، باعتبار أن الرّأسمال لا وطن له واستغلاله ونفوذه عابر أيضا للحدود والجنسيّات، فكان إحدى عناوني هذا العمل المشترك هو توسيع دائرة النضال ضدّ منظومة الاستغلال والاستعباد وخلق الأطر التنظيمية لحشد المتضرّرين منها، وفي طليعتهم العمّال و”أصدقائهم” (حلفائهم)، المعطّلين والمهمّشين. ولمّا كان للعمّال يوما كونيّا للاحتفاء به، فقد جاءت فكرة أن يكون للمعطّلين والمهمّشين ايضا، يوما لهم، يخلّد ملاحمهم ويرصّ صفوفهم ويعمّق تجاربهم. فلماذا اختيار يوم 16 ماي؟
في رمزيّة 16 ماي:
تمّ الاتّفاق على أن يكون ذكرى اغتيال شهيد الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب الرفيق مصطفى الحمزاوي هو اليوم العالمي للنضال ضدّ البطالة والتهميش.
“تم اعتقال الشهيد مصطفى حمزاوي يوم السبت 15 ماي 1993 في أحد شوارع مدينة “خنيفرة” من طرف مفتش شرطة (يدعى “ايت اوكرين محمد”) والذي كان في حالة سكر، قام باستفزاز الشهيد بالسبّ والشتم، بسبب نشاطه مع المعطّلين، ودفاعه عن الحقّ في الشغل، ليتم بعد ذلك نقله بمساعدة رجل أمن بالبذلة الرسمية على متن سيارة من نوع “FIAT-REGATA” مرقمة “LI 370572″ بالشارع الموجود قرب مصلحة البريد وبحضور شهود هما “العروسي محمد” الذي كان برفقة الشهيد وكذلك المسمى “القبيض وامحزون” وقد نقل الشهيد إلى مخفر الشرطة تحت وابل من الضرب والتنكيل، بعد أن امتنع عن مرافقة مفتش الشرطة لغياب السند القانوني للاعتقال، وحالته (السكر). وحسب المعلومات المتداولة محليا فإن الشهيد قد توفي في نفس الليلة بعد اعتقاله” (شهادة لأحد مرافقي الشهيد).
إذن مصطفي الحمزاوي هو أول شهيد قدمته الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، قتل يوم 16 ماي 1993 وأخفيت جثته منذ ذلك الحين حيث لا يزال قبره مجهولا إلى الآن. وقد اعتبر أول شهيد للنضال ضد البطالة حيث قررت عدد من المنظمات المناهضة للبطالة في عدد من الدول المغاربية والأوروبية اعتبار يوم 16 ماي من كل سنة يوما عالميا للنضال ضد البطالة تخليدا لذكراه.
وإلى اليوم، مازال رفاق الشهيد وعائلته والرّأي العام المغربي، يطالبون بالكشف عن مكان دفن الشهيد، فيما لا يزال الجناة “ينعمون” بالحرية، بتواطئ النظام المخزني الذي عرف معه الشعب المغربي عقودا من الهوان والقمع والاستبداد، واشتهر بالإخفاء القسري وبالتصفيات السياسيّة، وفي سجلّ الحركة التقدمية والديمقراطيّة، مئات، إن لم نقل آلاف، من المختطفين والمعتقلين السياسيّين، بعضهم مجهول المصير والبعض الآخر يقبع في سجون الاستبداد.
وفي ذكرى اغتيال الشهيد الحمزاوي تتحوّل مدينة خنيفرة سنويا إلى قبلة لكل مناضلي الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب وكل الثوريين والديمقراطييّن، سياسييّن وحقوقيين ونقابيين وطلبة جامعات، وحتّى من خارج المغرب (أعضاء التنسيقية النّقابية المتوسطية..)، وتعقد مهرجانات خطابية ومسيرات، عادة ما تواجه بالقمع والإيقافات والاعتقالات.
ضرورة تطوير التنسيق الإقليمي والأممي ضدّ المتسبّبين في البطالة:
لقد مثّل مطلب التشغيل المطلب الجامع الذي وحّد كل شعارات الحركة الاجتماعية والنقابية وحتّى السياسيّة، ومثّل المعطّلون والمهمّشون الخزّان الهائل، إلى جانب الطبقة العاملة، الذي قسم ظهر الدكتاتورية ذات 17 ديسمبر-14 جانفي 2011، بل وحوّل ملفّ البطالة إلى قضيّة وطنية وقضية رأي عام بأن ربطت ظاهرة البطالة بالخيارات الاقتصادية اللاشعبية واللاوطنية المتّبعة، وبالفساد السياسي والمالي والإداري لنظام بن علي، وبالانغلاق والاستبداد السياسيّين (غياب الحريات والديمقراطية)، وهو ما دفع بالوعي الجمعي إلى تبنّي “الثورة” والتّوق إلى التغيير، فكان ما كان.
اليوم، وأكثر من أيّ وقت مضى، ما تزال البطالة مرتفعة (أرفع من نسب ما قبل الثورة)، ومازال الشباب يلتجئ إلى “الحرقة” (الهجرة السرية) وإلى الانتحار حرقا وإلى تعاطي البغاء والجريمة والمخدّرات.. مازالت أسباب الثورة قائمة، بل إنّ الفقر والتهميش والعمالة والفساد والغنائميّة ازداد منسوبها وازدادت الصورة قبحا. ولم يفرح التونسيّون والتونسيات بثورتهم ولم ينعموا من “خير ثمارها”، بل دفعت بشقّ كبير من اليائسين إلى “النّدم على أيّام بن علي”.
غير أنّ الواقعييّن منهم، وهم كثر، مازالوا يرفعون لواء النّضال ضدّ مهندسي التبعيّة والفساد والاستغلال، وهم مدعوّون لتطوير أشكال وأدوات النضال، أدوات التعبئة لقيادة “أصحاب الحقّ” (المعطلين والمهمّشين) عبر فهمٍ ثوري لقضيّتهم ولموقعهم من عملية الإنتاج، في أفق خلق منظومة أكثر عدل، تخلق الثروة وتكرّس المساواة وتكافئ الفرص، بين الجهات والفئات، وتفتح طريق الإبداع والابتكار والتطوّر.
إنّ القضاء على البطالة، ومن زاوية المسؤوليّة التاريخيّة، يستوجب خلق إطار موحّد لهيئات الدّفاع عن المعطّلين، يتبنّى برنامجا ملموسا (بدائل، مقترحات، أشكال نضالية…) ويرصّ صفوف المعطّلين وينخرط في المعارك والقضايا المشتركة، إلى جانب كلّ القوى التي ترفع موضوعيّا نفس المطالب والأهداف (محليا وإقليميّا وأمميّا).. وهذا يستوجب عملا دؤوبا صلب هذا الخزّان الهائل وهذا الاحتياطي الجبّار.