إنّ هذا المنعرج الحاصل في الوضع السياسي يعكس ما كان أكّده حزب العمال والجبهة الشعبية بكون الحكومة القائمة هي حكومة عجز وفشل بمقتضى ارتهانها لنفس خيارات التبعيّة والتفقير والفساد والتي لن تنتج سوى مزيدا من الحرمان والغضب الذي كانت الحكومة عادلة حدّ النخاع في توزيعه على الجهات والفئات الشعبية. أمّا “غضب” بعض مكوّنات الحكم وحواشيه على رئيس الحكومة (دونا عن فريقه)، فلم يكن ذلك من موقع الغيرة على الشعب وعلى البلاد التي لم تعرف في تاريخها ارتهانا للأجنبي كالذي تعرفه اليوم، لذلك فمن المؤكّد أنّ المطالبة برحيل الصيد تتمّ عند هذه المجموعات من زاوية غير زاوية الشعب وغير زاوية المطالب الشعبية، إنما تتمّ من زوايا المافيا ومصّاصي الدماء ومجموعات المصالح التي رغم تنفّذها وتربّعها على مفاصل القرار، إلاّ أنّ جشعها وأنانيّتها المفرطة لا تجعلها تخجل من المطالبة برحيل وليّ النعمة والخادم الأمين لمصالحها. بل لعلّها تطالب برجل أكثر طاعة وأكثر قبولا للابتزاز والخنوع. إنّ الوضع بلغ في بلادنا حدّا غير مسبوق من “مفيزة” الدولة التي تحوّلت بعد الثورة إلى أمر واقع بعد مرحلة المافيا العائلية التي تُطوّع الدولة زمن الطاغية بن علي. فها نحن اليوم نعيش عصر الدولة المافيوزية بامتياز، والقناعة اليوم بهذا التوصيف لا تشمل الجبهة الشعبية والمعارضة الراديكالية، بل هذه القناعة أصبح يشاطرنا إياها لفيف واسع شمل حتى “الخبراء” والمختصّين ومتابعي الشأن العام من ذوي الهوى الليبرالي، وهذا في حدّ ذاته معطى حاسم ودليل قاطع على حجم الأزمة.
ولكن وحتى لا تنطلي الحيل على شعبنا، وحتى لا تختلط عليه السبل، فإنّ المطلب الأساسي اليوم ليس تغيير رئيس برئيس ولا شخص بشخص، ولا حتى حكومة بحكومة. إنّ طموح شعبنا هو تغيير خيارات فاشلة بخيارات ناجحة، هذه الخيارات الناجحة ليست سوى الخيارات الشعبية الوطنية التقدمية، الخيارات التي تحفظ سيادة البلاد وحقوق شعبها، خيارات جديدة تتسلّح بإرادة سياسية واضحة ومنحازة إلى الشعب والوطن لا إلى الاحتكارات الدولية الاستعمارية، خيارات تعيد النظر في منوال التنمية وأسلوب توزيع الثروة، وفي السياسة الجبائية وفي الاقتصاد الموازي وتصارع التهريب والجريمة المنظمة والإرهاب بأيادي متسلّحة بتجنّد الشعب، وخلاف ذلك فإنّ المقصود من قرع الطبول قد يكون جلب أشخاص أكثر سوء وأكثر ولاء وطاعة حتى يبقى شعبنا أسير دوامة “يرحم راجل أمي الأول”، أو سنفونية الاستبداد المعروفة “شدّ مشومك لا يجيك أشوم منّـــو”.