حسين الرحيلي
أعلن وزير التنمية والتعاون الدولي ياسين إبراهيم مؤخّرا عن نيّة الحكومة القيام بتظاهرة كبرى خلال نهاية سنة 2016 احتفالا بمرور 40 عاما على اتفاقيّة الشّراكة بين تونس وأوروبا (1974 -2016 )، مؤكّدا أنّ هذا الاحتفال سيتحوّل إلى ذكرى سنوية أطلق عليها اسم “أيّام أوروبا”.
ولئن لا يمكننا أن نستغرب من هذه التصريحات لوزير تحوم حوله وحول حزبه كل شبهات الارتباط بمراكز النفوذ الأوروبية الاستعمارية وبمكاتب استشارات وبنوك أجنبية معروفة بارتباطاتها بالكيان الصهيوني وبدوائر المال الفاسد والمشاريع المشبوهة، فإنّ ما نقف عنده هو كيف يمكن لحكومة أن تسمح بهدر المال العام الوطني على تظاهرات واحتفاليّات تكرّس التبعية والاستعمار للقارّة الاستعماريّة العجوز؟
شراكة هجينة
كما أنّه وجب، بعد 40 عاما على علاقة تونس غير المتكافئة مع أوروبا، أن نفتح حوارا تقييميّا جادّا حول هذه الشّراكة الهجينة بين دولة متخلّفة وذات اقتصاد تابع للدوائر الامبرياليّة ومجوعة اقتصاديّة تمثّل ثاني اقتصاد في العالم. فهل يستقيم أن نسمّي هذه العلاقة بالشّراكة، والحال أنّ الشّراكة تُبنى على أساس توازي ميزان القوى الاقتصادي والسياسي والمصالح المشتركة.
وحتى لا نُتّهم بالمغالاة والتعصّب الإيديولوجي الأعمى، فإنّنا سنورد باقتضاب شديد نتائج هذه الشّراكة مع أوروبا ونترك الحكم لأبناء الشعب.
نتائج وخيمة
فمنذ 1974، تاريخ دخول تونس في علاقة شراكة مع أوروبا، يمكن القول إنّ الاقتصاد التونسي قد فقد مقوّماته الوطنيّة وأصبح فضاء لاستثمارات أجنبيّة وخاصة أوروبيّة في مجالات النّسيج والصّناعات التحويليّة المستهلكة للموارد الطبيعيّة والملوّثة للمحيط وذات قيمة مضافة ضعيفة. إضافة إلى الأجور الزهيدة التي تتطابق وطبيعة الأنشطة الهشّة التي لا يمكن أن يسمح لها بالانتصاب في البلد الأوروبي. كما أنّ هذا التوجه يندرج في إطار التقسيم العالمي للعمل والذي وضعنا في الحلقات الأضعف تقنيا وتكنولوجيا وبالتالي تركيز الناشطة الأكثر هشاشة والأقل إنتاجا للثروة.
ولكن ومنذ إمضاء اتفاقية الشراكة الفعلية مع الاتحاد الأوروبي سنة 1995، والتي دخلت طور التطبيق سنة 1996، وما تبعها من تفكيك المنظومة الديوانية وفتح الأسواق المحلية للبضائع الأوروبية والتي أصبحنا بمقتضاها مجرد سوق استهلاكية لفائض الإنتاج للمنظومة الرأسمالية الأوروبية. كما أنّ ضعف القدرة التنافسية المنتوج المحلي والمؤسسات الوطنية، لم يمكّن المؤسسات المحلية من الصمود أمام الشركات الأجنبية الأوروبية خاصة والتي سمحت لها مجلة الاستثمارات من الدخول للبلاد متمتّعة بكل الامتيازات حتى الاجتماعية، فتحوّل صاحب المصنع التونسي إلى مجرد تاجر وسيط للبضائع الأجنبية، ممّا فتح الباب واسعا أمام التهريب وانتشار تدريجي للاقتصاد الموازي.
ولقد كان لهذا الانفتاح والشراكة نتائج وخيمة على الاقتصاد المحلي من خلال الغلق التدريجي لعدد كبير من المؤسسات أو لجوء مؤسسات لتغيير مجال نشاطها لعدم القدرة على المنافسة في ظل تخلّي كامل للسلطة عن حماية النسيج الصناعي الوطني بحكم ما التزمت به في اتفاقية الشراكة والتي حوّلت الدولة إلى مجرد حارس للرأسمال الأجنبي في تونس.
اقتصاد مستهلك
فارتفع عدد العمال المسرّحين من مصانعهم، وتقلصت فرص العمل لأنّ الاقتصاد تحوّل الى اقتصاد مستهلك لما ينتج خارج البلاد، وتحملت الصناديق الاجتماعية أعباء هؤلاء العمال لفترة معينة ممّا أثقل كاهل هذه الصناديق التي تحوّلت من صناديق للضمان الاجتماعي إلى صناديق للتضامن بين أبناء الشعب الفقير.
كما تخلّت الدولة عن كلّ المؤسسات العمومية الناشطة في القطاعات الاستراتيجية والتنافسية لحساب الشركات الأجنبية التي شرعت في تسريح العمال الزائدين عن الحاجة وفق تقييمها، ودخلت البلاد تبعا لهذه الشراكة المفتعلة والهجينة في أزمة هيكلية على كل المستويات، والتي تمظهرت في:
– تغييرات هيكلية للاقتصاد بتحوله من اقتصاد منتج إلى اقتصاد استهلاك وخدمات
– انتشار البطالة
– تراجع كل الخدمات العامة بعد تخلي الدولة عن دورها
– أزمة هيكلية ومالية للصناديق الاجتماعية
– انخرام في التنمية بين الجهات
– انتشار الفقر والتهميش والحيف الاجتماعي
– انتشار الجريمة المنظمة والتهرب الضريبي وانتعاشة للاقتصاد الموازي
ولقد كان لكل هذه العوالم الدافع الحقيقي وراء انطلاق المسار الثوري 17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011 والذي مازال متواصلا لتواصل الأسباب التي حركته.
فبماذا سيحتفل وزير التنمية التي لم تنجز بعد، وما هي النتائج الذي سيتجرأ ويقدمها إلى الشعب ليبرر هدره للمال العام؟
إنّ وجوه الاستعمار الجديد لا تتورع في تجميله ولن تتورع مستقبلا في ذلك لأنها مكلفة بهذه المهمّة أصلا من قبل من أوصلها إلى السلطة.