عقدت لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرّف في المال العام في مجلس نواب الشعب، يوم الاثنين 23 ماي الجاري، جلسة خُصّصت للاستماع إلى رئيس الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد شوقي الطّبيب الذي قدّم لها فكرة عن الظروف العامّة التي تعمل فيها الهيئة والمؤشرات الإيجابيّة التي ظهرت مؤخّرا في أكثر من مستوى.
ضرورة دسترة الهيئة
وأكّد الطبيب على ضرورة استكمال المسار التشريعي لوضع الأسس القانونيّة للنّجاح في مكافحة الفساد عبر التعجيل بدسترة الهيئة وإحالة جملة القوانين الضروريّة لنجاح عملها في مكافحة هذه الظاهرة على غرار قانون حماية المُبلغين عن الفساد وقانون مكافحة الثّراء غير المشروع.
وكان الطبيب مصحوبا في هذه الجلسة بإحدى عضوات الهيئة وخبير متعاون في إطار العمل المشترك مع برنامج الأمم المتحدة.
الاستراتيجيّة الوطنيّة لمكافحة الفساد
من ناحيتهم، تقدّم عدد من النواب بجملة من الأسئلة والاستفسارات حول”الاستراتيجيّة الوطنيّة لمكافحة الفساد” التي وضعتها الهيئة مؤخّرا. وتركّزت الأسئلة حول مدى تعاون السلطة التنفيذيّة مع الهيئة وعن سُبل تحقيق التكامل مع عمل بقيّة هيئات الدولة في هذا الإطار وعن خارطة الطريق لمكافحة الفساد وعن الأعمال الملموسة التي برمجتها الهيئة في هذا الصدد خصوصا في ظلّ وجود ملفّات حارقة تنتظر الحسم.
وقد اعتبر بعض النوّاب أنّ “الاستراتيجية” اتّخذت طابعا نظريّا، فيما ذهب البعض إلى القول إنّها لم تأت بالجديد مقارنة بما ورد في المرسوم عدد 120 لسنة 2011 المحدث للهيئة. ودعا بعض النواب إلى ضرورة فصل مسألة مكافحة الفساد عن مهمّة مراقبة المال العام في عمل اللّجنة البرلمانيّة الخاصة التي أوكل لها عدّة مهام ثقيلة، وهي مكافحة الفساد والإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومراقبة التصرّف في المال العام في نفس الوقت.
وقد شدّد النوّاب على ضرورة توفّر الإرادة السياسيّة لمكافحة الفساد من أجل تسهيل عمل الهيئة الوطنيّة وتمكينها من أداء مهمّتها بنجاح.
وفي ردّه عن أسئلة النواب وتعاليقهم، أكّد شوقي الطبيب أنّ وثيقة “الاستراتيجيّة الوطنيّة لمكافحة الفساد” هي إطار للعمل وستكون نسختها النهائيّة نتاج عمل تشاركي مع كلّ الأطراف وخاصة المجتمع المدني. وقد أرسلتها الهيئة الوطنيّة إلى الحكومة ولم تتلقّ إلى حدود اللحظة ملاحظات بخصوصها. علما وأنّ خاتمة الاستشارة الوطنيّة ستكون يوم 27 من هذا الشهر وأنّ مشروع القانون الأساسي للهيئة هو تقريبا جاهز.
أطراف حكوميّة تعرقل عمل الهيئة
وأشار الطّبيب إلى وجود أطراف في الحكومة تعارض تمكين الهيئة من صفة الضابطة العدلية إضافة إلى أنّ جهاز التقصّي لم يوجد بعد رغم أنّ الهيئة موجودة منذ 2011 ورغم كلّ التدخلات التي قامت بها الهيئة الوطنية مع جميع الأطراف المعنيّة.
وأضاف أنّ كلّ الأنشطة التي نظّمتها الهيئة كانت مع المجتمع المدني، وقد تمّت برمجة نشاط مع اتّحاد القضاة الإداريين.
وحول تعاون الحكومة مع الهيئة، قال الطبيب إنّ رئيس الحكومة حاول أن يوفّر للهيئة كلّ ما طلبت منه. في حين وصف التعاون مع بعض الوزارات والأوساط في الحكومة بـ”المتعثّر”، حيث مازالت تتعاطى مع الهيئة وكأنها مجرّد مصلحة إداريّة تابعة للوزارة الأولى.
وأضح الطبيب أنّه هناك صنف من المسؤولين منزعج من الهيئة، والدليل على ذلك تصريحات البعض الذين يقرنون وجودها بتخوّف المستثمرين وهروبهم، ومنهم من يدعو الهيئة إلى الصمت والتقليل من التصريحات.
في المدة الأخيرة مكّنت الحكومة الهيئة من مليون و400 ألف دينار. لكن، في المقابل، سيكون على الهيئة ابتداء من شهر جوان القادم التكفّل بمصاريف الأجور، أي أنّ الجزء الأساسي من هذا المبلغ سيذهب لخلاص الأجور.
وأضاف الطبيب “أنّ وجود وزارة الحوكمة لا يقلقنا وبالعكس نحن في حاجة إليه لأنّنا في حالة حرب على الفساد وأدوارنا متكاملة. فالوزارة تحيل علينا أعمال التّقصّي ونحن نحيل ما نكتشفه من تجاوزات على القضاء. كما أنّها تتعاون معنا فيما يتعلّق بالمناظرات والانتدابات في الوظيفة العمومية ورئيس الحكومة نفسه يعوّل علينا في ملف الصفقات العمومية”. وأبرز أنّ مهمّة التقصّي خوّلها المرسوم الذي ألزم الهيئة ببعث قاعدة البيانات ومركز الدراسات الذي سيصدر، في أواخر جويلية، أولى أعماله إضافة إلى وضع رقم أخضر.
وصرّح الطبيب أنّه تمّ تركيز فرع للهيئة بصفاقس وقريبا في سوسة والكاف. كما تمّ الشروع في الحملات.
معطيات مخيفة
وفيما يتعلّق بالمال السياسي، وصف رئيس الهيئة المعطيات المتوفّرة حول هذه المسأة بـ”المخيفة”، خصوصا وأنّ 52 % من الاقتصاد الوطني يسيطر عليه النشاط الموازي بما في ذلك التهريب والفساد.
وأضاف أنّ الهيئة تشتغل على هذا الملف. وهو ما جعلها مصدر قلق بالنسبة إلى البعض، وهو ما يفسّر التهديدات التي تطال الهيئة، وذلك على حدّ تعبيره.
وفي هذا الصدد قال الطبيب “تمّ، مؤخّرا، قلعُ باب منزلي وألقي به بعيدا عن محلّ سكناي وتعرّض مغلاق خزّان الوقود في سيّارتي إلى الخلع والتهشيم”، مؤكّدا أنّ هذه الحركات لا تخيفه ولن تثنيه عن القيام بدوره.
وفي ذات السياق، كشف الطبيب عن بعض الملفات التي تناولتها الهيئة والتي فاق عددها 3600 ملف، 70 % منها خارج اختصاص الهيئة. وأوضح أنّ هذه الملفات كان يمكن أن تدرّ على الدولة مليارات من المليمات والدنانير.
شبكات فساد
حيث تمّ الكشف عن شبكة لبيع وثائق الإعفاء من الجباية في القباضات الماليّة، تُسقط مستحقات ضخمة للدولة. ووفق الطبيب، شملت أعمال الفساد ملفات الانتدابات في الوظيفة العموميّة وفي مؤسسات عموميّة مثل “الصوناد” و”الستاغ” وغيرها.
وكذلك كشفت الهيئة شبكة تقوم بحجز اللّحوم الفاسدة وبيعها للمبيتات الجامعيّة إضافة إلى ملفات أخرى تتعلّق بالتلاعب في بيع الأدوية.
وتحفّظ الطبيب عن ذكر تفاصيل أكثر حول هذه الملفات نظرا إلى أنها أحيلت على أنظار القضاء. مشيرا إلى أنّ النيابة العمومية والقطب القضائي والقضاة عموما يقدّمون مساعدات للهيئة في التكوين وفي جوانب أخرى من العمل وكذلك هو الشأن بالنسبة إلى هيئات الرقابة الماليّة ودائرة المحاسبات.
أمّا في ما يتعلّق بملفّات فساد النظام السّابق فقد تمّت إحالتها على هيئة الحقيقة والكرامة.
واعتبر الطبيب “العراقيل التي تتعرّض إليها الهيئة أمرا عاديّا لأنّها تواجه أناسا لهم أموال ونفوذ وذهنيّة لم تقطع مع الفساد بل اشتدّ ارتباطها به أكثر في السنوات الأخيرة”.