عقدت أحزاب المعارضة الدّيمقراطية يوم الأربعاء 8 جوان الجاري اجتماعا مشتركا توّج سلسلة من الاجتماعات الثّنائيّة التي انطلقت منذ مدّة. ويكتسي هذا الاجتماع أهمية خاصة، لأنه الأول منذ ما قبل انتخابات 2014، أي منذ فترة “جبهة الإنقاذ”، ولأنه يأتي في ظلّ أزمة حكم شاملة ما انفكت تُرهق البلاد وتدفع بها نحو الانهيار وتقتضي وقفة حازمة من المعارضة، ولأنه أيضا يأتي أيّاما بعد تصريحات الباجي قائد السبسي حول تشكيل “حكومة وحدة وطنية” لمواجهة هذا الوضع.
ويمكن القول إنّ هذا الاجتماع نجح في توجيه جملة من الرسائل. أوّلها إلى رئيس الدولة والائتلاف الرباعي الحاكم. ومفاد هذه الرسالة أنّ من أوصل البلاد إلى مثل هذا الوضع هو هذا الائتلاف بعينه بسبب الاختيارات الرجعية التي اتّبعها. ومن ثمّة فعليه أن يتحمّل وحده مسؤولية نتائج هذه الاختيارات، وأن لا يحاول توزيع الفشل على الجميع أو توظيف المعارضة في صراعاته الدّاخليّة من أجل إعادة ترتيب بيته وتحقيق توازنات جديدة داخله.
وثاني هذه الرّسائل، وهي إلى الشعب التونسي، الذي يتحمّل تبعات أزمة لا مسؤولية له فيها، ومفادها أنّ عليه أن يستخلص الدّرس من منح ثقته إلى تحالف أدار ظهره إلى طموحاته وتطلّعاته التي عبّر عنها في ثورته على الدكتاتورية، وعمّق أتعابه الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وهو يحاول اليوم الالتفاف على حريته وحقوقه التي انتزعها بدم بناته وأبنائه وإعادة السيطرة عليه بعنوان “وحدة وطنية” زائفة قائمة على مزيد إخضاعه إلى الاستغلال وإخضاع بلده إلى مزيد النّهب.
وثالث هذه الرّسائل، وهي إلى كافة مكونات المعارضة الديمقراطية والتقدمية، السياسية والاجتماعية والمدنية، ومفادها أنّ الوقت حان الآن لتكتيل الصفوف أوّلا من أجل التّصدّي لمختلف مناورات الائتلاف الرجعي الحاكم الذي لا يدّخر جهدا لعزل هذه المعارضة وتشتيت صفوفها ليمرّر ما يريد من إجراءات وقرارات على حساب الوطن والشعب، وثانيا من أجل بلورة برنامج إنقاذ يحوي إجراءات واضحة وملموسة ولفّ غالبيّة الشّعب حوله لإخراج البلاد من الأزمة الخانقة لتي تعيشها.
ولكنّ هذه الخطوة التي قطعتها مكونات المعارضة الديمقراطية والتقدمية، وما يمكن أن تزرعه من أمل في العديد من الأوساط السياسية والاجتماعية، العماليّة والشّبابيّة والشّعبيّة عامة، ما هي إلاّ خطوة أولى لا بدّ أن تتبعها خطوات أخرى لكي تترسّخ هذه الوحدة وتنعكس بصورة ملموسة من خلال النشاط المشترك للأحزاب، وهو ما يتطلّب مزيد العمل لتوطيد الثّقة بين مختلف الأطراف وتعميق الاتّفاقات السياسية. فما تحقّق اليوم يبقى غير كاف لمواجهة مناورات الائتلاف الرجعي الحاكم والاستجابة إلى مقتضيات الوضع برمّته.
إنّ الجبهة الشعبية مطالبة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى بأن تبذل أقصى ما يمكن من الجهد لكي تنجح هذه الخطوة التي قطعتها مكوّنات المعارضة الديمقراطية والتقدمية وتتطور في اتجاه تكوين ائتلاف واسع على أرضية المهام الملحّة التي يفرضها واقع الأزمة اليوم والتي يتضرّر منها العمّال والكادحون والشباب أيّما ضرر، في انتظار ما يمكن أن تمليه الانتخابات البلدية أيضا من ضرورات التحالف لسدّ الطريق أمام إمكانية احتكار الثنائي “النداء ـ النهضة” للحياة السياسية والعودة بالبلاد إلى عهد الاستبداد.
فإلى مزيد العمل.
“صوت الشعب”: العدد 213