تحت عنوان “5 سنوات على ربيع 2011، تحديات، مهام وآليات عمل اليسار العربي”، التأم الملتقى الأوّل للوموند ديبلوماتيك- الطبعة العربية بالشراكة مع مؤسسة روزا لوكسمبورغ التي احتضنت الملتقى أيام 27 و28 و29 ماي 2016.
وجمع الملتقى قيادات ومناضلين من أحزاب وحركات يساريّة عربيّة وأوروبيّة ومفكّرين ومثقفين ونشطاء
في المجتمع المدني. وتمحور حول كيفيّة وضع آليّة مشتركة وتبادل التجارب من أجل تطوير شبكات من النشطاء تكون قادرة على تشريك فاعلين من ضفتي المتوسط لمواجهة التحولات التي تشهدها المجتمعات العربيّة.
إرساء بديل ديمقراطي
ومثّل الملتقى فرصة لطرح أفكار من شأنها أن تساهم في إرساء بديل ديمقراطي في مواجهة الأزمة العميقة التي تضرب شعوب المنطقة والمتمثلة في الإملاءات الخارجيّة والمديونيّة والتطرف الديني وتدهور القيم المواطنيّة.
ويهدف الملتقى إلى المساهمة في إبراز تصوّرات قوى اليسار العربي لآفاقها في سياق الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الرّاهن وتعميق النقاش حول مسألة التعبئة والتنظيم، والتفكير في الاستراتيجيّات والوسائل المطروحة من أجل إعادة تشكيل اليسار وإعادة صياغة المشهد السياسي في مضامينه الاجتماعيّة والثقافيّة والتنظيميّة. والسعي إلى إيجاد بديل يمكّن قوى اليسار من إنتاج مشاريع قادرة على التصدّي للتسلّط والفساد عبر وضع أسس التغيير الاجتماعي.
كما دعا المشاركون في الملتقى إلى ضرورة ترسيخ التضامن العالمي والتبادل والشراكة من أجل تفعيل بناء مسارات التقدم الاجتماعي والديمقراطي والثقافي.
وتطرّقت جلّ المداخلات إلى أزمة اليسار العربي وكيفيّة النهوض بدوره على الصعيد النظري والتنظيمي والتكتيكي والجماهيري في ظلّ المتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم العربي.
مواجهة قوى الاستبداد السّياسي والدّيني
وفي هذا الإطار، اعتبر فيصل علّوش عن الجبهة الديمقراطيّة لتحرير فلسطين أنّ “قوى اليسار العربي لن يكون بمقدورها العودة إلى ممارسة دورها كفاعل سياسي، عصري وعقلاني وحداثي من دون معالجة الأسباب التي قادت إلى تراجعها”. مشيرا إلى أنّ المهمة المركزيّة الراهنة الملقاة على عاتق اليسار تكمن في مواجهة قوى الاستبداد السياسي والدّيني على حدّ السواء.
وأضاف علّوش أنّه بعد “الربيع العربي” كانت الفرصة مواتية أمام هذه القوى لاستثمار”وجود فضاء عام يسمح لها بالنشاط والتعبئة” في سبيل الدفاع عن الحرية والعمل والكرامة. وتساءل، في هذا الصدد، إن “كانت هذه القوى مؤهلة للقيام بذلك، وهل كانت تملك وزنا وقابليّة للفعل والتأثير؟” مشيرا إلى استثناءات قليلة منها تونس.
ومن ناحيته، قال رئيس “حزب التحالف الشعبي الاشتراكي” عبد الغفار شكر إنّ الملتقى مثّل فرصة “لإجراء نقاش معمّق حول الدروس المستفادة من تجربة الربيع العربي وما كشفت عنه من نواقص وكيف يمكن لليسار أن يتجاوز الواقع الراهن الذي لا يمكنه من النمو والازدهار”.
وتطرّق إلى تجربة حزبه إثر ثورة 25 يناير التي قال إنها كشفت الحاجة إلى تنظيم يساري واسع يستوعب كلّ قوى اليسار المصري في إطار تنظيمي واحد يلبّي حاجة الطبقة العاملة والفئات الكادحة إلى حزب سياسي يقود نضالها ويفتح أمامها آفاق المشاركة في صياغة مستقبل البلاد.
توعية الجماهير وتنظيمها
وهو ما ذهب إليه المتحدث الرسمي باسم الحزب الشيوعي المصري صلاح عدلي الذي اعتبر أنّ المهمة الرئيسية لقوى اليسار تكمن في “توعية الجماهير وتنظيمها من أجل وقف العدوان على الحقوق الاجتماعيّة والاقتصادية وتغيير السياسات المنحازة إلى الرأسماليّة”، داعيا إلى الاستفادة من سعي الفئات الاجتماعيّة إلى تنظيم نفسها في نقابات مستقلة واتحادات فلاحيّة وطلابيّة، مضيفا أنّ هذه المتغيرات تفرض على اليسار تحديّات ومهام كبيرة في ظلّ خطر الإرهاب الأسود والهجمة الامبرياليّة الصهيونيّة التي تهدف إلى تقسيم المنطقة وتفتيتها. وأعرب عدلي عن ثقته في قدرة اليسار العربي على مواجهة هذه التحديات، بفضل تاريخه النضالي، من أجل تحقيق آمال الشعوب العربيّة وطموحاتها.
من ناحيته أرجع سمير العكر عن التجمع الوطني الديمقراطي الأردني انحسار دور اليسار العربي في حركات التحرر الوطني، إلى “سقوط المعسكر الاشتراكي وصعود الإسلام السياسي وجنوح أنظمة الاستبداد العربيّة إلى عقد اتفاقيات صلح مع العدو الصهيوني تحت سقف مشاريع الرأسماليّة العالمية المتوحشة”.
الوحدة على أساس البرامج
وأوضح العكر أنّ الظروف السائدة في الوطن العربي خصوصا إثر الثورات العربية تشكلّ المناخ المناسب لإعادة دور قوى اليسار، وذلك عبر وحدتها على أساس البرامج التي تراعي خصائص كلّ بلد. وهو ما يقتضي، حسب رأيه، مواجهة التدخلات الأمريكيّة والمخططات الصهيونيّة الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينيّة. إضافة إلى التصدّي إلى التنظيمات الإرهابيّة وتبنّي القضايا المطلبيّة والالتفات إلى الفئات الشبابيّة وتأطيرها باعتبارها رافدا أساسيّا في عمليّة صعود قوى اليسار العربي.
كما دعا إلى ضرورة تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية، مشيرا إلى تدنّي تمثيليّة المرأة في الهيئات القياديّة للأحزاب اليساريّة. وأكّد العكر على ضرورة “المراجعة النقديّة لآليّة العمل التي تحتاج إلى عمليّة تثوير وتحرك بالميدان وذلك بالانخراط في صفوف القواعد الجماهيرية وقيادة مبادرتها وتصويبها”.
عمر الذيب عن الحزب الشيوعي اللبناني، اعتبر أنّ مشكلة اليسار لا تكمن في الطرح السياسي الذي يرتكز على أسس مشتركة تتلخص في النضال من أجل إقامة أنظمة حكم وطنيّة واقتصادات منتجة ومستقلّة في مواجهة السياسات الاقتصاديّة النيوليبراليّة وإقامة تحالفات لمواجهة أنظمة الحكم الرجعيّة والتصدّي للقوى المضادة للثورة إضافة إلى مركزيّة القضيّة الفلسطينيّة.
فالمشكلة، من وجهة نظره، تكمن في الآليات وطرق العمل والقدرة على الاستقطاب والوصول إلى الجماهير. وأرجع ذلك إلى أسباب موضوعيّة مثل الاستقطاب المذهبي وسطوة المال والإعلام وأسباب ذاتيّة “تُبقي بعض اليسار في حالة اغتراب عن الحالة الشعبيّة الأوسع”.
الإشكاليّات المطروحة وآفاق عمل اليسار
وهو ما ذهب إليه محمود مطير عن الجبهة الشعبيّة الذي تطرق إلى “إشكاليات اليسار العربي وآفاقه في عصر العولمة: اليسار التونسي مثالا”.
حيث تطرّق إلى مسألة الهويّة والأهداف والمسألة التنظيميّة والبرامج. واعتبر مطير أنّ تحديد الأهداف يُساهم في تحديد الهويّة. مضيفا أنّ التصاق برامج أحزاب اليسار بطموحات الطبقات والشرائح المستغلّة والمفقّرة هو المحرار لنجاح برامجها. وفيما يتعلّق بالهوية اعتبر أنّه “من الأساسي أن يكون اليسار الماركسي اللينيني النواة الصلبة ليسار أوسع”، مؤكّدا على وجوب تحديد الأهداف الاستراتيجية وهي تحقيق الاشتراكية، والمرحليّة وهي التحرر الوطني وتحقيق الديمقراطيّة وذلك شريطة أن يكون اليسار منظّما تنظيما صلبا وله رؤية وبرامج واضحة قادرة على تحقيق الأهداف المرحلية. وأبرز “أنّ الوصول إلى السلطة في عصر العولمة وفي ظلّ وضع اقليمي متحرّك يتميّز بهيمنة قوى رجعيّة، ليبراليّ ودينيّة يتطلّب تكوين جبهات سياسية ونقابيّة ومدنيّة واسعة تضمّ إلى جانب النواة الصلبة لليسار كلّ القوى الديمقراطيّة والتقدميّة.”
-* لطفي الوافي