عقدت جامعة الدول العربية يوم 26 جويلية قمتها السابعة والعشرين بنواقشوط، بعد أن رفض المغرب تنظيمها لأسباب تتعلق بتدهور العلاقات بين الأنظمة العربية وعدم قدرة القمة على اتخاذ قرارات مهمة تحسب له.
القمة دامت حوالي تسعة ساعات وغاب عنها أربعة عشر رئيس دولة وملك. وجاءت قراراتها عامة وفضفاضة وغير متناسقة عبّر عنها بيانها الختام الذي تضمّن ثلاثة عشر نقطة.
قمّة مرتهنة لسياسة المحاور:
لقد سبق لقمة القاهرة المنعقدة في 2015 أن تبنّت إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة تتصدى للمسلحين الإسلاميين وما وُصف بتغلغل النفوذ الإيراني في المنطقة. وفي نفس الاتجاه وللتصدي لهذا التغلغل دعت قمة نواقشوط الأطراف العربية المتصارعة إلى “حل أزماتها بشكل ودي” “تجنبا لأيّ تدخل خارجي”. والمقصود هنا إيران طبعا وليس الكيان الصهيوني. وفي حين نعتت إيران بالاسم وقع التغاضي عن ذكر تركيا التي احتلّت جيوشها جزءً من الأراضي العراقية وسمحت للمسلحين من كلّ الجنسيات للتدفق نحو الداخل السوري وزوّدتهم بالسلاح والذخيرة. كما تناست القمة التدخل السعودي الهمجي في اليمن الذي خلّف آلاف الضحايا من المواطنين الأبرياء، جلّهم من الشباب والنساء. ودمّر المستشفيات والمدارس والآثار والمنشآت المختلفة في حرب قذرة أدانتها المنظمات الإنسانية وأكّدت بأنها ترقى إلى مستوى جرائم الحرب.
القمم العربية أصبحت توظف لخدمة الأجندات الطائفية حيث وصفت حزب الله بالتنظيم الإرهابي وإيران بالدولة المعتدية وسكتت عن جرائم الكيان الصهيوني المقترفة ضد شباب الانتفاضة. هذا الكيان الذي أصبح حليفا استراتيجيا ضدّ إيران في إطار ما يسمّى بالشرق الأوسط الجديد.
المطلوب تصفية القضيّة الفلسطينيّة:
اعتبرت قمة نواقشوط القضية الفلسطينية “قضية مركزية”. وطالبت بوقف الاستيطان وإعادة إطلاق مسار السلام “الإسرائيلي” الفلسطيني. ورحّبت بالمبادرة الفرنسية الدّاعية إلى عقد مؤتمر دولي للسلام. في حين سكتت عن محاصرة الكيان الصهيوني للضفة الغربية وسياسة هدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها والاغتيال على الهوية. ولم تنبس ببنت شفة فيما يتعلق بانتفاضة الشباب الفلسطيني المقاوم للاحتلال.
الأنظمة العربية الرجعية لم تعد ترفع طبعا شعار تحرير فلسطين وإرساء الدولة المدنية الديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني. بل تدعو إلى تقسيم فلسطين التاريخية وإحداث دولتين واحدة فلسطينية في غزة والضفة الغربية وأخرى “إسرائيلية” في باقي الأراضي المحتلة.
وقد لعبت الدول المرتبطة باتفاقيات سلام مع الكيان الصهيوني (مصر والأردن) الأدوار الأساسية في جر باقي الدول العربية وفي مقدمتها نظام آل سعود إلى التطبيع. هذا الأخير قدم في قمة فاس المغربية التي عقدت في نوفمبر 1981 مشروع سلام عربي مع “إسرائيل” أقرّته القمة. وأصبحت جامعة الدول العربية منذ ذلك التاريخ مطبخا لحبك المؤامرات ضد القضية الفلسطينية بهدف تصفيتها والمرور الى مرحلة من التعايش السلمي مع الكيان الغاصب للأراضي العربية ورأس حربة القوى الاستعمارية في المنطقة العربية.
الجامعة فقدت مبرّر وجودها:
جامعة الدول العربية التي تأسست سنة 1945 وقادت حملات ضد الاستيطان اليهودي في فلسطين وناصرت مصر في 1956 لصد العدوان الثلاثي عليها وساهمت في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني ورفعت شعار اللاّءات الثلاثة ضد الكيان الصهيوني (لا صلح -لا تفاوض -لا اعتراف بإسرائيل) … تراجعت عن هذه المواقف القومية منذ أواسط الثمانينات وأصبحت تجمّعا لأنظمة العمالة التي تتآمر على مصالح الشعوب العربية وعلى أمنها القومي وحقّها في الحرية والتقدم والعيش الكريم.
جامعة الدول العربية أصبحت خادما طيعا للأجندات الاستعمارية في المنطقة العربية التي تتقاطع مع مصالح البرجوازيات العميلة الحاكمة التي تعمل على الاستمرار في الحكم بأيّ ثمن. ولم تعد تربطها أيّ علاقة بشعوب المنطقة التي أصبحت متضرّرة من سياساتها (الجامعة) ومواقفها تجاه مختلف القضايا وفي مقدمتها قضية العرب الأولى القضية الفلسطينية.
علي البعزاوي: 28 جويلية 2016