يعقد مجلس نوّاب الشّعب يوم السبت 30 جويلية الجاري جلسة خاصة للنظر في تجديد الثقة في حكومة الحبيب الصيد. وتأتي هذه الجلسة لاختتام سلسلة أولى من المناورات التي بدأت منذ يوم 2 جوان الفارط، تاريخ طرح الباجي قائد السبسي فكرة تشكيل “حكومة وحدة وطنية”، للتّخلّص من الحبيب الصيد ووضع شخص أكثر موالاة على رأس الحكومة للتسريع بتنفيذ توصيات المؤسسات المالية الدولية أو ما اصطلح على تسميته بـ”الإجراءات المؤلمة”.
ورغم الضغوط المختلفة فقد رفض الحبيب الصيد الاستقالة وخيّر التّوجّه إلى مجلس نواب الشعب لطلب تجديد الثقة، وفقا “لما ينصّ عليه الدستور” حسب تصريحه، حتى وإن كان يعلم مسبقا أنّ نتيجة التصويت بالبرلمان لن تكون لفائدته، إذ أنّ الأمر حُسم في مستوى الائتلاف اليميني الحاكم الذي اتّفق، في مستوى القيادات الكبرى على الأقل، على التّخلّص منهوبدأ منذ أسابيع في التّشاور حول من سيكون رئيس الحكومة الجديد وتمّ التّداول، في السر وفي العلن، في أكثر من اسم.
ومن المعلوم أنّ الجبهة الشعبية كانت رفضت منذ البداية المشاركة في مشاورات القصر حول “حكومة الوحدة الوطنية” التي انجرّ إليها، إلى جانب أحزاب الائتلاف، بعض أحزاب المعارضة والاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الفلاّحين. وقد استند موقف الجبهة الشعبية إلى أمرين اثنين:
الأوّل هو أنّ إزاحة الحبيب الصيد التي يسعى إليها السبسي وحاشيته وفريق الطامعين والانتهازيّين من حولهما، لا تنبني على تقييم جدّي وعميق لأسباب فشله وفشل حكومته الذي أوصل البلاد إلى حافّة الانهيار، وهي أسباب تتعلّق بالاختيارات والسياسات الرجعية التي اتّبعتها هذه الحكومة والتي لا يتحمّل الحبيب الصيد مسؤوليّتها وحده، بل كامل منظومة الحكم التي قرّرتها وساهمت في تشريعها وتنفيذها، من رئاسة دولة وحكومة وأغلبية برلمانية تتشكّل من رباعي الأحزاب الذي يكوّن هذه الأغلبية. إنّ السبسييريد التّخلّص من الحبيب الصيد وتعويضه بشخص طيّع له ولحاشيته في القصر وفي حزب النداء، بعد ماانفلت من يده وبات يعمل لحسابه الخاص ولحساب حركة النّهضة، هذه قناعة السّبسي ومبعث إقدامه على مبادرته.
أمّا بقية “الحلفاء” في الائتلاف الحاكم، خاصة منهم “حركة النهضة”، فلا خيار لهم في الواقع غير السّير وراء السبسي مع ضمان مصالحهم في الظرف الحالي وهو ما لن يبخل به عليهم لتحقيق مآربه.
أمّا الأمر الثّاني فيتمثّل في أنّ الحكومة التي يروم السبسي تشكيلها لتعويض حكومة الصيد لن تكون مهمّتها إصلاح ما أفسدته هذه الحكومة، وبالتالي إيجاد الحلول الملائمة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية التي تعاني منها البلاد ويعاني منها الشعب، بل ستكون مهمّتها تكريس الإجراءات التي تفرضها المؤسّسات الماليّة الدوليّة والتي لا غاية منها سوى مزيد تحميل الطبقات والفئات الكادحة والفقيرة وحتى المتوسطة فاتورة الأزمة التي سبّبتها هذه المؤسّسات وأعوانها وعملاؤها في الدّاخل، وهو ما لن يتحقّق لها إلاّ بدوس الحريات والالتفاف نهائيّا على مكاسب الثّورة.
لهذين الأمرين رفضت الجبهة الشعبية الانخراط في مشاورات “حكومة الوحدة الوطنية” المزعومة، واعتبرت أنّ مواجهة أزمة الحكم الشاملة التي تشهدها البلاد تقتضي معالجة أخرى تختلف جوهريا عن المعالجة التي يطرحها السبسي وحلفاؤه، معالجة تنطلق من تشخيص جدّي وعميق لأسباب هذه الأزمة وتحديد واضح للأطراف التي تتحمّل مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلاد، وضبط برنامج إنقاذ يتضمّن إجراءات عاجلة لإيقاف التدهور الاقتصادي والمالي للبلاد والتخفيف من وطأة الأزمة على الطبقات والفئات الكادحة والفقيرة خاصة، في إجراءات تنقذ البلاد من نير مؤسّسات النّهب الدولي وتعاقب الفاسدين والمهرّبين والمتهرّبين من الجباية والسماسرة واللصوص، وتنصف المتضرّرين منهم.
لذلك فإنّ مهمّة كتلة الجبهة الشعبية بالبرلمان ستكون واضحة يوم السبت القادم: تقديم كشف واضح للشعب لنتائج حكومة الحبيب الصيد وتحميل مسؤولية هذه النتائج لكامل منظومة الحكم، وفضح كامل مسلسل المشاورات حول حكومة الوحدة الوطنية المزعومة وتعرية خفاياه أمام الرأي العام وتحذير الشعب التونسي من مشاريع الحكومة القادمة التي ستكون مهمّتها الالتفاف النهائي على الثورة وإعادة بسط سيطرة قوى الثورة المضادة على المجتمع عن طريق القمع والاستبداد وإغراق تونس في مزيد المشاكل والأزمات، وتبيان الطريق الحقيقي الذي تقدّمه الجبهة الشعبية لإنقاذ البلاد من الانهيار ووضعها على سكة إعادة البناء الوطني والديمقراطي والاجتماعي تحقيقا لأهداف الثورة.
ومن البديهي أنّ عمل الكتلة النيابية للجبهة لشعبية بالبرلمان يجب أن يكون مسنودا بعمل دعائي واسع من طرف كافة هياكل الجبهة ومناضلاتها ومناضليها في مختلف الجهات والقطاعات لشرح الوضعية للشعب ونزع الأوهام عنه والتصدي من جهة أخرى لنزعات اليأس والإحباط التي تعمل القوى الرجعية على زرعها فيه وإعداده لأشواط جديدة من النضال دفاعا عن ثورته وعن مطالبه وطموحاته المشروعة.