الرئيسية / صوت الوطن / طلب تجديد الثقة في حكومة الصيد أمام البرلمان: الملابسات والتّعاطي السّياسي السّليم معها
طلب تجديد الثقة في حكومة الصيد أمام البرلمان:  الملابسات والتّعاطي السّياسي السّليم معها

طلب تجديد الثقة في حكومة الصيد أمام البرلمان: الملابسات والتّعاطي السّياسي السّليم معها

محمد الحباسي

13884344_600617876776573_2016431367_n

 منذ إعلان رئيس الدولة عن مبادرته بتشكيل “حكومة وحدة وطنية”، مثّل هذا الحدث وما ارتبط به من مشاورات ولقاءات الحدث المسيطر على المشهد السياسي للبلاد. وقد شكّلت مختلف محطات ومراحل تنفيذ “مبادرة”السبسي مسارا كاملا دخل شهره الثاني.

كانت البداية بدعوة الأطراف الاجتماعية بصفة أساسية وأحزاب المعارضة بدرجة ثانية إلى الدخول في المبادرة بعد إقرار صاحبها بفشل حكومة الحبيب الصيد وضرورة تشكيل “حكومة وحدة وطنية” لتجاوز الأزمة الشاملة التي تردّت فيها منظومة الحكم بمؤسساتها الثلاث، جهازي السلطة التنفيذية والبرلمان، ليتمّلاحقا الدخول في “ماراطون” من المشاورات والنقاشات بغاية إقناع الأطراف المعنيّة بالمبادرة. وانتهى الأمر إلى دخول كلّ من الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية واتحاد الفلاحين وأحزاب المسار والجمهوري وحركة الشعب وحزب مشروع تونس في الحوار من أجل تشكيل الحكومة المذكورة. ومثلما كان منتظرا، لقيت المبادرة مساندة الأحزاب المشاركة في حكومة الصيد.

أمّا بالنسبة إلى الجبهة الشعبية فقد تفطّنت منذ البدايةإلى حقيقة المبادرة واعتبرتها مناورة سياسية جاءت لتحلّ أزمة الائتلاف الحاكم ولتصفية الخلافات بين الكتل المتصارعة داخل النداء ولتعيد التوازنات بين مختلف مكوّنات الائتلاف الحكومي وتحديدا بين رأسيه النهضة والنداء، وليس لحل أزمة البلاد التي أدّت إليها خياراتهاللّاوطنيةواللاّشعبية. وسرعان ما أثبتت الوقائع صحة وجهة نظر الجبهة حيث طالت المشاورات واتّخذت منعرجا ألقى بظلاله على الحياة السياسية عبر خلق حالة من التصادم بين مؤسسات الحكم نتج عنه تعطّل عملها، كما خلق نوعا من الاحباط لدى الرأي العام لتبدو الصورة وكأننا أمام حكومة “‘وحلة” وطنية زادت الطين بلّة والأمور تعقيدا بدل أن توجّه رسالة طمأنة إلى الرأي العام.

وأفضت المشاورات في نهاية هذا المسار الطويل إلى صياغة أرضية مشتركة ضمّن محتواها في ورقة تأليفية أطلقت عليها تسمية “وثيقة قرطاج”.

جاءت هذه الوثيقة موغلة في العموميات والإنشائيات دون أن تتضمّن التزامات مفصّلة ومدقّقة وذلك عن وعي من قبل الائتلاف حتى لا يتمّ مطالبة الحكومة المقبلة بالتزامات دقيقة وحتى يتمّإرضاء كلّ الأطراف التي قبلت بالمبادرة، باعتبار أنّ الوثيقة هي عبارة عن مبادئ عامة يمكن لكلّ طرف تأويلها بالشكل الذي يرضيه، ليستقرّ الأمر لاحقا على برنامج لن يخرج عمّا تضمّنته “رسالة النوايا” التي أرسلها محافظ البنك المركزي ووزير المالية إلى صندوق النقد الدولي والمتضمّنة لحزمة كاملة من الإصلاحات التي تمّت صياغتها بالشراكة مع خبراء البنك الدولي وترمي إلى مزيد تعميق تبعيّة البلاد ورهنها إلى الخارج. وهي بمثابة إعلان حرب اقتصادية واجتماعية على الشعب بالنّظر إلى ما تحتويه من إجراءات “مؤلمة” تستهدف مقوّمات عيشه.

وبعد أن حسمت الأمور سياسيا بإشراف رئاسة الدولة بأن تمّ التوصل إلى المرحلة الأخيرة من المشاورات والمتعلقة بضبط تركيبة الحكومة، استطاع رئيس الدولة فرض وجهة نظرهالقاضية بضرورة رحيل الحبيب الصيد وتعيين شخصية جديدة تقود التشكيل الحكومي القادم، تتماشى وحالة موازين القوى السياسية الحالية. ومن المعلوم أنّ كلّ المشاورات التي رافقت مسار تفعيل مبادرة حكومة الوحدة الوطنية استندت إلى التمشي الوفاقي الذي لم يلتزم بالمقتضيات الدستورية بخصوص حلّ أزمات الحكم.لكنّ التّخلّي عن حكومة الصيد فرض ضرورة الرجوع إلى الآليات الدستورية وإيجاد المخارج القانونية الكفيلة بتجاوز هذا المأزق القانوني والسياسي. هذه الآليات، بشكليها المرن والحاد، أصبحت في ظلّ مفارقات التجربة التونسية آليات لحلّ الأزمة بين جهازي السلطة التنفيذية وليس لتجاوز التّعطّل بين السلطة التنفيذية والبرلمان كما هو معروف ومعمول به في الأنظمة البرلمانية والأنظمة التي تشابهها.

ثلاث فرضيّات ممكنة لتجاوز المأزق القانوني والسّياسي

لقد كانت أمام الأطراف المعنيّة بالمبادرة ثلاث فرضيات ممكنة لطيّ صفحة حكومة الصيد وتشكيل الحكومة الجديدة:

الفرضيّة الأولى:

يتمثّل الحل الأوّل في اللّجوء إلى آلية سحب الثقة من الحكومة عبر التصويت على لائحة لوم ضدّها. وتقتضي الصورة طبقا للفصل 97 من الدستور أن يتمّ تقديم مطلب معلّل في سحب الثقة إلى رئيس مجلس نواب الشعب من ثلث أعضاء البرلمان على الأقل. ولا يمكن أن يتمّ التصويت على لائحة اللوم إلاّ بعد مضيّ خمسة عشر يوما على إيداعها لدى رئاسة المجلس. ويهدف إقرار هذه المدة إلى ترشيد أسلوب سحب الثقة باعتبارها الآلية الأكثر حدّة في حلّ الأزمات بين البرلمان والحكومة، والغاية من وراء ذلك هو الحرص على التّروّي والتّعقّل عند استعمال هذه الآلية.

يتمّ في مرحلة ثانية التصويت على لائحة اللوم ويتطلب ذلك الموافقة على سحب ثقة من قبل الأغلبية المطلقة لأعضاء البرلمان، كما يشترط الدستور تقديم مرشح بديل لرئيس الحكومة يصادق على ترشيحه في نفس التصويت وهو ما يعرف بلائحة اللّوم البنّاءة. وعلى إثر ذلك يقوم رئيس الجمهورية بتكليف الشخص الذي تمّ التصويت عليه بتشكيل حكومة طبقا للإجراءات الواردة بالفصل 89. كما تقتضي هذه الفرضية أنه في صورة عدم تحقّق الأغلبية المذكورة يصبح من غير الممكن تقديم لائحة لوم أخرى إلاّ بعد مضيّ ستة أشهر من الأولى.

لم يتمّ الاختيار على هذا المخرج الدستوري لحلّ الأزمة بين رأسي الجهاز التنفيذي وذلك لأسباب قانونية وسياسية. فقانونيا وكما هو مبيّن أعلاه يتطلّب المرور إلى التصويت على لائحة لوم انتظار انقضاء مدة خمسة عشر يوما بعد طلب سحب الثقة، وهي مدة طويلة تتعارض مع ما تفرضه وضعية التّعطّل الحالية من تسريع في تشكيل الحكومة المقبلة.                                                          كما يستوجب إعمال هذه الآلية تعيين رئيس حكومة جديد في نفس الجلسة المنعقدة لسحب الثقة من الحكومة القديمة، وهو أمر لا يمكن لصاحب المبادرة قبوله لأنّ ذلك سيؤدي إلى سحب زمام الاختيار منه ويجعله محكوما بالتوازنات البرلمانية. ولابدّ هنا من التوضيح أنه لا يمكن التحجّج بحالة الطوارئ كحالة لا يمكن خلالها حلّ الحكومة، باعتبار أنّ هذا المنع يتعلق بحالة الظروف الاستثنائية موضوع الفصل 80 من الدستور. أمّا سياسيّا فقد تجنّب الائتلاف الحاكم هذا المخرج لأنه من شأن اعتماده أن يُظهره أمام الرأي العام في صورة المتناقض مع نفسه عند القيام بسحب الثقة من حكومة هو من عيّنها وساندها في تنفيذ سياساتها.

الفرضيّة الثّانية:

يتمثّل المخرج الثاني الذي كان مطروحا في استقالة رئيس الحكومة الحبيب الصيد وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 98 من الدستور أن تُقدّم الاستقالة مكتوبةإلى رئيس الجمهورية الذي يُعلم بها رئيس مجلس نواب الشعب. وتعتبر استقالة رئيس الحكومة استقالة للحكومة برمّتها. ويعدّ هذا المخرج الحل الأنسب بالنسبة إلى رئيس الجمهورية والائتلاف الحاكم عموما باعتبارها توفّر الوقت وتجنّب المساءلة وتحديد المسؤوليات عن فشل منظومة الحكم. أمّا بالنسبة إلى رئيس الحكومة، فقد رفض هذا المخرج باعتبار أنّ تقديم استقالته تعني بشكل ضمني إقراره بفشله، والحال أنّ الحبيب الصيد لم يعترف بالفشل واعتبر أنه هو وفريقه قد حقّقا نجاحات مهمّة. كما أنّ برنامج عمل الحكومة المقبلة لم يأت في نظره بجديد يختلف عن السياسة التي تنفّذها حكومته وهو ما يجعل التغيير الحكومي مسألة شكلية بنظره ولا طائل من ورائها.

الفرضيّة الثّالثة:

يتمثّل الحل الثالث في اتّباع أسلوب طرح الثقة، وهو التمشي الذي خيّر رئيس الحكومة اعتماده، حيث من المنتظر أن يتقدّم الحبيب الصيد أمام البرلمان لطلب تجديد الثقةفي بقاء حكومته وذلك يوم 30 جويلية المقبل. ولم تؤدّ كلّ الضغوطات التي مارسها الائتلاف الحاكم عليهإلى ثنيه عن ذلك. وتقتضي هذه الآلية، حسب الفصل 98 من الدستور، أن يقوم رئيس الحكومة بطلب تجديد الثقة في حكومته لدى مجلس نواب الشعب. ويتطلّب تجديد الثقة موافقة الأغلبية المطلقة لأعضاء البرلمان على منحه الثقة فإن لم تتحصّل الحكومة على هذه الأغلبية فإنها تُعتبر مستقيلة ليقوم رئيس الجمهورية إثر ذلك بتكليف الشخصية الأقدر لترأّس حكومة الوحدة الوطنية، علما وأنّ الفصل 99 من الدستور يخوّل لرئيس الدولة طلب ثقة البرلمان في الحكومة وذلك لمرّتين على الأكثر خلال المدة الرئاسية.

ويشير اتّجاه تطوّر مسار المشاورات والتسويات المتعلّقة بحكومة الوحدة الوطنية إلى وجود شبه إجماع لدى الائتلاف الحاكم والأطراف المساندة له حديثا على طيّ صفحة الحبيب الصيد حيث سيترجم ذلك بالتصويت برفض تجديد الثقة في حكومته من طرف النواب التّابعين إلى الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة المقبلة. ويبقى السؤال مطروحاحول موقف وسلوك نوّابالكتلة البرلمانية للجبهة الشعبية من مسألة طرح الثقة.

 موقف نوّاب كتلة الجبهة من تجديد الثّقة في حكومة الصّيد:

الفرضيّات والتّداعيات

 يتطلب الردّ عن هذا السؤال أوّلا بيان محددات الموقف السليم في هذه الحالة قبل أن نعرض كلّ الفرضيات الممكنة بتداعياتها المختلفة.

محدّدات التّعاطي السّياسي السّليم:

أولا: يفترض المنطق أن يكون موقف الجبهة الشعبية من تجديد الثقة في الحكومة منسجما ومتناغما مع الموقف السياسي العام للجبهة الشعبية.

ثانيا: حسبما عودتنا الجبهة الشعبية يفترض أن يكون هذا الموقف متمايزا عن مواقف أطراف الصراع المغشوش، أي الأغلبية البرلمانية من جهة والحبيب الصيد من جهة ثانية وذلك حفاظا على استقلاليتها السياسية.

الفرضيّات والاستتباعات:

ثلاث فرضيات ممكنة:

الفرضيّة الأولى: تقتضي هذه الفرضية موافقة نواب كتلة الجبهة على تجديد الثقة في حكومة الصيد. وتبدو هذه الفرضية نظرية محضة. بل ومستبعدة واقعيا إن لم نقل مستحيلة. فكيف للجبهة الشعبية التي عارضت حكومة الصيد منذ تشكّلها وتصدّت بكلّ الوسائل لسياستها أن تمنحها اليوم الثقة، علاوة على أنّ هذا الموقف سيجعل الجبهة تفقد دور المعارضة.

الفرضيّة الثّانية: رفض منح الثقة للحكومة وإن كان هذا السلوك ظاهريا يبدو متلائما ومنسجما مع موقف الجبهة من حكومة الصيد، فإنه في الحقيقة يعني التخندق في صف الأغلبية البرلمانية والأطراف المشاركة في الحكومة الوطنية، والحال أنّ الجبهة الشعبية اعتبرت هذه الحكومة مجرّد مناورة سياسية لإنقاذ الائتلاف الحاكم وليس لإنقاذ البلاد، وكانت الجبهة واعية بذلك فلم تنخرط في هذا المسار منذ بدايته ويجب أن تبقى منسجمة مع موقفها المبدئي حتى النهاية.

الفرضيّة الثّالثة: تقتضي هذه الفرضية اتّباع أسلوب الاحتفاظ، وهو الحل الأنسب في نظرنا باعتباره يتماشى مع موقف الجبهة العام ويعتبر ترجمة له تحت قبة البرلمان. فالصّراع الدائر بين الأطراف المعنيّة بتطبيق مبادرة رئيس الدولة هو صراع مغشوش يجري بين أجنحة تريد تصفية حساباتها على حساب مصلحة الشعب واستحقاقات الثورة وهو نتيجة لتغليب تمشّي المحاصصة وتوزيع الغنائم بدل انتهاج أسلوب تقويم تجارب الفشل والتركيز على المضامين والبرامج التي من شأنها الخروج بالبلاد من المأزق التي دفعتها إليه كلّ الأطراف المشاركة في الحكم. وهذا الصراع الدائر بين الكتل المختلفة في حزب النداء أو داخل الائتلاف الحاكم هو صراع لا مصلحة للشعب فيه ولابدّ من كشفه للرأي العام وإظهار الصراع على حقيقته كصراع بين قوى الثورة وقوى الالتفاف عليها، بين القوى الوطنية والشعبية من جهة والقوى اليمينية المتحالفة لخدمة مصالحها الضيّقة وضد مصلحة الوطن والشعب من جهة ثانية.

ولا نتخيّلأن يقتصر موقف الجبهة على الحضور وتسجيل الاحتفاظ، بل ننتظر منها أن يكون احتفاظا إيجابيا مسبوقا بمحاولة إقناع أكثر عدد ممكن من نواب المعارضة بموقف الجبهة القاضي بضرورة التّمايز مع كلّ من موقف المشاركين في المبادرة وموقف الحبيب الصيد وذلك بمداخلات مدروسة ومتكاملة تجعل موقف الجبهة متباينا مع مواقف طرفي الصراع المغشوش بتحميل كلّ هذه الأطراف مسؤولية الفشل والعجز في إدارة الشأن العام.إنّها فرصة كي يتحوّل الصراع في البرلمان إلى صراع بين مبادرة رئيس الدولة من جهة ومبادرة الجبهة الشعبية للإنقاذ والبناء من جهة ثانية، وذلك بفضح خفايا مبادرة “حكومة الوحدة الوطنية” وجوهرها المعادي للوطن والشعب والتي لن تختلف عن الحكومة القديمة ومآل الفشل الذي انتهت إليه، وفي المقابل تقديم بديل الجبهة الوطني والديمقراطي الشعبي الذي يعوّل على الذات لبناء اقتصاد منتج يحلّ المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة ويحقّق أهداف الثّورة في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×