جيلاني الهمامي
الآن وقد حصل الاتفاق على مشروع برنامج الحكومة القادمة، حكومة “الوحدة الوطنية” ستنطلق المشاورات للاتفاق على الشخصية التي ستتولّى رئاسة هذه الحكومة ليتولّى هو بدوره ضبط هيكلتها واختيار تركيبتها. وبعيد جلسة يوم السبت الموعودة في مجلس نواب الشعب لحجب الثقة عن حكومة الصيد سيشرع الباب عريضا للدخول في غمار هذا “التغيير” المراد به بثّأنفاس جديدة في الائتلاف الحاكم بعدما افتضحت معالم فشله وعجزه وشارف على الإفلاس تماما.
وحاز البرنامج الذي جرى بشأنه الاتفاق على موافقة جملة من القوى الأخرى علاوة على الرباعي الحاكم “الإنجاز” للمشاورات التي أشرف عليها السبسي بنفسه واجتهد أيما اجتهاد كي تبلغ أهدافها، وأوّلها البرنامج الذي بين أيدينا ونودّ أن نأتي على مضامينه لنتبيّن ما إذا كان فعلا هو البرنامج الذي سينقذ البلاد ويتخطّى بها حالة الفشل والعجز الذي تردّت فيه تحت حكم الصيد وفريقه الحكومي.
والحقيقة أنّ تقييم هذا البرنامج والحكم له أو عليه لا يستقيم إلا بمقارنته بوثيقة أخرى جرى التعتيم عليها عنوة حتى لا يقع الكشف عن البرنامج الأصلي والحقيقي الذي ينتظر البلاد والشعب طوال السنوات القادمة 2016 – 2019 ألا وهي رسالة النوايا التي بعث بها وزير المالية الحالي ومحافظ البنك المركزي للمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاقارد يوم 2 ماي الماضي.
رسالة النّوايا: النّوايا الحقيقيّة والبرنامج الرّسمي
تشتمل الوثيقة الموجّهة إلى مديرة صندوق النقد الدولي في الحقيقة على ثلاث وثائق، هي رسالة النوايا ومذكّرة السياسات الاقتصادية والمالية. وقد جاء في الرسالة أنّ الحكومة والبنك المركزي قد وضعا برنامج إصلاحات هيكلية وجملة من الأهداف الاقتصادية سيلتزمان بتطبيقه طيلة سنوات 2016 – 2019 مقابل الحصول على قرض بـ2.8 مليار دولار (أي حوالي 6 آلاف مليون دينار تونسي أي بلغة النسب سدس ميزانية 2016). وسيكون هذا البرنامج متبوعا بـ8 مراجعات نصف سنوية، تاريخ الأولى منها يوم 31 ديسمبر 2016 والثانية يوم 30 جوان 2017، يتولى فيها فريق من خبراء الصندوق التّثبّت ممّا إذا التزمت الحكومة التونسية بتنفيذ الإصلاحات أم لا عبر الاطّلاع على المؤشرات الكمية والإجراءات القانونية والعملية. ويلتزم صاحبا الرسالة لصندوق النقد الدولي بتوفير كلّ التسهيلات لهذا الفريق حتى ينفذ إلى كلّ المعلومات والمعطيات التي يريدون معرفتها. بل أكثر من ذلك يلتزمان باتخاذ كلّ الإجراءات الاستثنائية عند الاقتضاء واستشارة الفريق قبل اتّخاذها لضمان حسن التنفيذ. ويلتزم محافظ البنك المركزي من جهته بتحمّل المسؤوليات المتصلة بالالتزامات المالية وموارد الصندوق لتسديد الدين وفوائضه التي ستودعها الحكومة لدى البنك المركزي التونسي. وفوق كلّ هذا يسمح الجماعة للصندوق بنشر رسالة النوايا والمذكّرة المصاحبة له وكلّ تقارير فريقه اللاّحقة.
أمّا المذكرة والتي هي بمثابة البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للفترة القادمة (2016 – 2019) فتتضمّن الأهداف الاستراتيجية والبرنامج الاقتصادي العام والذي يقوم على أربعة محاور كبرى هي:
– تعزيز الاستقرار الاقتصادي الكلي كشرط للانتعاشة الاقتصادية
– إصلاح المؤسسات العمومية لتحسين نوعية الخدمات وتعزيز الشفافية وتوزيع أفضل للميزانية بما يسمح بتقليص الفوارق بين الجهات والفئات الاجتماعية
– مواصلة إصلاح المنظومة البنكية والنظام النقدي التونسي
– تطوير القطاع الخاص لضمان توفير الشغل
ولتحقيق كلّ هذه الادّعاءات التي سنكشف فيما يلي عن فحواها الحقيقي سيقع بعث وحدة متابعة الإصلاحات في رئاسة الحكومة.
يقوم المحور الأوّل (تعزيز الاستقرار الاقتصادي…) على عدد من الفرضيات والتوقعات (نسبة نمو بـ2.4 % وعدم تجاوز سقف 51 % مديونية الخ…) غير واقعية. وتؤكّد الأرقام الواردة في ذات الوثيقة عدم صحّتها. من ذلك أنّ اختلالات ميزانية 2016 لن تسمح بتدارك العجز المتوقع لها (3.6 %)، ممّا سيضطر الحكومة إلى جملة من الإجراءات الموجعة مثل التقليص في كتلة الأجور إلى 12.7 %، أي إمّا تسريح عدد من أعوان الوظيفة العمومية أو غلق باب الانتداب وكذلك التقليص في اعتمادات التعويض عن المحروقات بنسبة 0.5 %وسدّ باب الترقيات والتراجع في منحها ومنح الإنتاجية. وعلاوة على هذا على الحكومة الحصول في غضون هذه السنة على قروض بمبلغ جملي يقارب 4000 مليون دينار (550 مليون دولار من البنك الدولي و500 مليون دولار من البنك الافريقي للتنمية و400 مليون أورو من الاتحاد الأوروبي وقرض رقاعي في السوق المالية الأمريكية بـ500 مليون دينار)، أي ما يعني أنّ نسبة المديونية سترتفع بفعل هذه القروض فقط إلى أكثر من 60 % من الناتج الداخلي العام.
أمّا في المحور الثّاني(إصلاح المؤسسات العمومية…) فإنّ أهمّ الإصلاحات المبرمجة والواردة في الوثيقة تنصبّ على مراجعة وظائف ومهمات الدولة، أي تخلّيها عن عدد من الأنشطة والقطاعات ومراجعة دور الدولة الشريك في القطاعات المنتجة والتجارية وحصر دورها في القطاعات الاستراتيجية السيادية (الجيش والأمن) وحتى مؤسسات STEGوتكرير النفط STIR وديوان الحبوب وتونس الجوية ووكالة التبغ والوقيد. فسيقع قبل موفّى سبتمبر القادم إخضاعها لعقود سيقع ضبطها في ضوء مؤشرات تصرف. بمعنى آخر سيقع الشروع في خوصصتها. وللإشراف على عملية إعادة هيكلة المؤسسات العمومية (بيعها للخواص) ستحدث “وكالة التصرف في مساهمات الدولة” في شهر جانفي 2017 تعوّض كلّ الهياكل القديمة التابعة لرئاسة الحكومة ووزارة الآلية والتي كانت تُعنى بهذا الملف.
من جهة أخرى برمج مجلس وزاري في شهر سبتمبر المقبل سينكب على “إصلاح” الوظيفة العمومية وضمنه سيقع اتّخاذ قرار بالتقليص في عدد أعوانها عن طريق عدم تعويض المحالين على التقاعد وتجميد الانتدابات وإعادة توزيع الأعوان خاصة في وزارات التربية والتعليم والمالية والتجهيز على الجهات وتنقيح القانون الأساسي للوظيفة العمومية باتجاه مراجعة طرقالانتداب ومراجعة نظام تقييم الكفاءة والمسار المهني للموظفين (أي تعقيد شروط الترقية) ومراجعة هيكلة الأجور والمنح، علاوة على خطة تسريح وخروج اختياري لسنة 2018. وللقيام بكلّ هذه الإجراءات التي من المتوقّع أن تدخل حيّز التنفيذ ابتداء من شهر جانفي 2017 سيقع اللّجوء إلى طلب إعانة فنية ومالية من “شركائنا” (هكذا!).
وفي نفس الوقت سيتواصل ما يسمّى بإصلاح منظومة الدعم على المحروقات وذلك بالشروع في تطبيق صيغة الربط الآلي بين أسعار المحروقات كلّ ثلاثة أشهر ابتداء من جويلية 2016، ومرّة كلّ شهر ابتداء من جانفي من السنة القادمة. وبصورة موازية لذلك ستقع مراجعة التغطية على استهلاك الكهرباء والزيادة في تعريفاته ورفع الدعم عن الاستهلاك الطاقي في القطاع الصناعي على غرار ما جرى بالنسبة إلى مصانع الاسمنت.
وفي إطار إصلاح منظومة الجباية، كفرع من فروع إصلاح مؤسسات الدولة، وعدت الوثيقة بمراجعة نظام الصفقات العمومية في اتجاه إدخال مرونة أكبر في منح الصفقات واعتمادات المشاريع. يأتي هذا الإجراء ليعزز أسباب تفاقم الفساد عكس ما ورد بالوثيقة من تصريحات كلامية وإجراءات قانونية حول الحوكمة والشفافية ومقاومة الفساد.
في المحور الثّالث الخاص بإصلاح المنظومة البنكية التزم وزير المالية ومحافظ البنك المركزي بالانتهاء من المصادقة على خطة إعادة هيكلة البنوك العمومية ووضع القوانين اللاّزمة لذلك (قانون البنك المركزي والبنوك) وفتح رأسمالها (بيع أسهم) للخواص تحت مسمّى الشركاء الفنّيّين وتخلّي الدولة عن مساهماتها الضعيفة في بعض البنوك الخاصة ووضع قانون خاص لشركات الاستخلاص (ديسمبر 2016) وتسهيل إجراءات فسخ الديون غير القابلة للاستخلاص في قانون المالية القادم. وبهذه الطريقة سيقع العفو عن العديد ممّن استفادوا بقروض لبعث مشاريع وهمية ولكن أموالها تبخّرت. وتتضمّن خطة الإصلاح أيضا وضع قانون جديد خلال هذه السنة لفتح مكاتب التسليف الخاصة، وكذلك بعث بنوك الجهات التي ستعوّض بنك التضامن وبنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة وصندوق الودائع والشركة التونسية للضمان (مارس 2017) بمساعدة فنية من البنك الألماني KFW.
ومن أهمّ ما جاء في المحور الرابع المتعلق بتنقية مناخ الأعمال التعجيل باستصدار مجلة الاستثمارات الجاري بشأنها الآن في مجلس نواب الشعب صراع حاد نسبيا. وإلى جانب ذلك وعدت الوثيقة بوضع الأوامر التطبيقية لقانوني المزاحمة والشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام والتعويل على المكتب الدولي للشغل في وضع استراتيجية وطنية للتشغيل سنة 2017.
وثيقة قرطاج: بين الشّعارات المعلنة والنّوايا الحقيقيّة
هذه هي الخطوط الأساسية (اُنظر مزيدا من التفاصيل في الوثيقة) للخطة الاقتصادية المزمع اتّباعها والتي تعهّد كلّمن وزير المالية ومحافظ البنك المركزي الحاليّين بتطبيقها والتزما لصندوق النقد الدولي بعدم الحياد عنها، ومنحاه الحق بمتابعة تنفيذها والحصول على كل المعطيات والأسرار الوطنية بل وحق التدخل عند الاقتضاء لتعديلها. لذلك حينما نقارن ما جاء في هذه الرسالة وما جاء في “وثيقة قرطاج” تترسّخ لدينا القناعة بأنّ ما أسمي بـ”برنامج حكومة الوحدة الوطنية” ليس غير توليفة من الشعارات والمقولات التي تتردّد في أوساط الحركة السياسية والمدنية وضعت لترضية مختلف الأطراف المجتمعة حول طاولة المشاورات.
الملاحظ في وثيقة قرطاج أنها من الناحية الشكلية جمعت مجموعة من الشعارات العامة متحاشية الدخول في التفاصيل وأجندة الإنجاز مثلما هو وارد في رسالة النوايا التي تعرّضنا إلى محتواها أعلاه،وخاصة فيما يتعلق بالإجراءات المستعجلة بشكل لا يسمح بالتفريق بين الاختيارات الكبرى والإجراءات المباشرة. وفي المقابل من ذلك وردت بها تفاصيل في مسائل ثانوية ليست من أولويات المرحلة أو هي لا تعدو ان تكون مجرد إجراءات إدارية اعتيادية ليس مجالها وثيقة كوثيقة برنامج “حكومة الوحدة الوطنية”. وهي منهجية متعمّدة القصد منها التظاهر بالاهتمام بكلّ استحقاقات المرحلة بما في ذلك تفاصيلها.
من جهة أخرى تبنّت الوثيقة بعض مطالب الحركة الديمقراطية والاجتماعية ربما ترضية لبعض الأطراف المشاركة في المفاوضات (اتحاد الشغل خاصة) ولإضفاء شيء من المصداقية على “البرنامج” لا أكثر. لكن هذا التمشي لن يتأخّر كثيرا عن الافتضاح، ذلك أنّ غياب إجراءات حقيقية لتحسين موارد الدولة سيجعل الحكومة القادمة مرة أخرى عاجزة عن تلبية المطالب الاجتماعية (الشغل والتنمية والمقدرة الشرائية وتحسين ظروف العيش) لافتقادها للموارد اللاّزمة لذلك.
من جهة ثالثة تكرس الوثيقة ما ذهبت إليه الحكومات السابقة في مغازلة الاستثمار المحلي والأجنبي كالوعد برفع سقف الصفقات الخاضعة لمجلة الصفقات العمومية وتمرير المصالحة مع جرائم الفساد المالي والاقتصادية وتسهيل عمليات التوريد و”تحفيز إنجاز مشاريع اقتصادية مهيكلة” والإسراع بإصدار مجلة الاستثمار والمواصلة في تقديم الامتيازات الجبائية و”التخفيض من كلفة المعاملات اللوجيستية”.
بديلنا: اختيارات جديدة وإجراءات عاجلة وجدّيّة
إنّ القاعدة المادية للأزمة العامة التي تعيشها بلادنا في كلّأبعادها الاجتماعية والسياسية والأمنية والبيئية والقيمية هي اقتصادية بالأساس. لذلك فمعالجة الجانب الاقتصادي هو شرط للتقدم في معالجة الجوانب الأخرى. ومن دون ذلك يبقى الكلام عن إمكانية حلّ المعضلات الاجتماعية كالبطالة والفقر والأمية والعلاج والسكن وغيرها هو مجرد دمغجة وبثّالأوهام.
ويرتبط الوضع الاقتصادي لأيّ بلد بطبيعة منوال التنمية المتّبع فيه، أي الخيارات المتوخّاة لتطوير الإنتاج والقوى المنتجة وتوزيع ثماره على المواطنين بطريقة أقرب ما يكون للعدل. للأسف إنّ بلادنا عاشت على الدوام تحت خيارات لا تهدف إلى تطوير الإنتاج وتوزيع ما يخلقه من وفرة خيرات على كلّ الجهات والفئات الاجتماعية بطريقة عادلة، الأمر الذي أدّى إلى بقاء اقتصادنا الوطني اقتصادا متخلّفا وضعيفا وبقاء مجتمعنا مجتمع احتياج.
إنّ نمط التنمية الذي اقتصر على الفلاحة البعلية والأنشطة الاستخراجية والمؤسسات التحويلية الصغرى والمتوسطة الخاصة والخدمات الهشة والارتباط بمراكز الإنتاج الصناعي الكبرى في العالم والتداين والتوريد لا يمكنه أن يكون اقتصادا مندمجا ومنتجا وصلبا وفي مأمن من هزّات الأزمات الاقتصادية التي تنشب من حين لآخر.
لذلك لا أمل في الخلاص وبصورة نهائية من هذه الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها تونس ما لم يقع القطع مع الاختيارات التي أثبتت فشلها وعجزها عن تأمين اقتصاد قوي. فلا بدّ من إعادة النظر في خطة إنتاج الثروة لتأمين نشاط اقتصادي مستدام يخلق وفرة اقتصاديةويوفّر مواطن الشغل.
تحتاج تونس إلى اقتصاد منتج ومندمج ومشغّل، يوازن بين مساهمة الصناعة والفلاحة والخدمات، يوظف كلّ الإمكانيات الطبيعية والمادية والبشرية والتقنية المتوفرة والممكن استحداثها. وحتى عند اللجوء الى استقدام بعض الاستثمارات الأجنبية المباشرة فبصفة مدروسة وشرط أن تكون منتجة ومشغّلة وجالبة للتكنولوجيا. فالبلاد في حاجة إلى مسار من مراكمة رأسمالية لتجهيز البلاد ببنية أساسية عصرية ولبناء أسس اقتصاد متوازن وقادر على سد حاجات الشعب. وتبقى هذه المراكمة غير مجدية من الناحية الاجتماعية ما لم تكن خطة التنمية مشفوعة بخطة لتوزيع ثمارها على مختلف الجهات وفئات الشعب للتقليص من الهوة التي خلفتها عقود من الزمن.
وإذا كانت هذه أسس منوال التنمية الجديد فإنّ الأوضاع الموروثة عن حكم نظام الدستور وحكومات ما بعد الثورة تستوجب اتخاذ إجراءات عاجلة في سياق هذا التصور العام. وبالنظر إلى محدودية الإمكانيات والاستنزاف الذي عرفته مقدّرات البلاد الاقتصادية والمالية نتيجة ضعف آلة الإنتاج العام ونزيف المديونية لا بدّ من مراجعة منظومة الجباية مراجعة جذرية وتعليق تسديد المديونية لفترة متوسطة المدى وسنّ ضريبة استثنائية على الثروات الكبرى وإعادة تثمين الأملاك المصادرة وتأميمها واتخاذ قرارات حازمة ضد الفساد المالي والإداري وترشيد استهلاك الدولة والمؤسسات العمومية وإعادة إدماج القطاع الموازي في المنظومة الاقتصادية الاعتيادية. كلّ ذلك من أجل تمكين الدولة من الاعتمادات اللاّزمة لتمويل الاستثمارات الجديدة والأشغال الكبرى في مجال البنية الأساسية والاستجابة إلى الطلبات الاجتماعية الملحّة في مجال التشغيل والحدّ من الفقر.
وغنيّ عن القول أنّ هذه الخطة والإجراءات التمهيدية لانطلاقها تقتضي من الدولة أن تلعب دور القاطرة الاقتصادية لا التخلي والانسحاب مثلما يبشّر بذلك دعاة الليبرالية المتوحشة. فالقطاع الخاص المحلي والأجنبي لن يتشجع على خوض غمار تجربة لم يتأكّد من استقرار الأجواء العامة المحيطة بها.
ولئن كان الخروج من الأزمة العامة مشروط بالخروج من الأزمة الاقتصادية أوّلا، فإنّ ذلك لا يعني إهمال الجوانب الاجتماعية التي على الدولة اليوم التكفل بها استثنائيا مثل سنّ منحة بطالة وتحمّل أعباء العائلات الفقيرة والسّكن الاجتماعي ومصاريف العلاج وتجميد الأسعار والزيادة في الأجورللحد من حالة الاحتقان الاجتماعي.
أمّا على الصعيد السياسي لا بدّأن تتضمن خطة تجاوز الأزمة إصلاح مؤسسات الدولة (العدل والإدارة والأمن والاعلام الخ…) وتكريس مبادئ الدستور باستحثاث وضع القوانين الملائمة لمبادئه وحماية الحريات العامة والفردية وتطوير الثقافة والاعلام واتّخاذ الإجراءات اللاّزمة لحماية البيئة وظروف العيش في المدن.