وضعت الحرب أوزارها في حلب وحمي وطيسها في مشهد دام يوحي بأنّ حسم الملف السوري سيكون مرتبطا بمآل المعركة في ثاني أكبر وأهم مدينة في سوريا بعد العاصمة دمشق.
الجماعات المسلّحة استنفرت قواها واستقدمت تعزيزات من ادلب ومن الحدود التركية، مستعملة أحدث الأسلحة من صواريخ ومدفعية ثقيلة ومدرّعات وغيرها. وهي مقادة بغرفة عمليات متطوّرة ثؤثّثها مخابرات تركية وغربيّة، تمدّ المسلّحين بالمعلومة وتوجّه تحرّكاتهم وتنظّم هجماتهم.
كلّ الدول الإقليمية تقريبا منخرطة في هذه الحرب بدءا بتركيا والسعودية وقطر التي توفّر المال والسّلاح والمقاتلين وانتهاء بالكيان الصهيوني الذي يأوي جرحى المجموعات الإرهابية ويوفّر لهم العلاج الضروري. الكلّ ومن منطلقات مختلفة يدعم عناصر الإرهاب بالتنسيق مع القوى الغربية ويخطّط لتفتيت سوريا وإنهاكها وتدمير مقدّراتها ضمانا لأمن الكيان الصهيوني الغاصب من جهة ولمصالح القوى الأطلسية في المنطقة من جهة أخرى.
الدول الإقليمية تؤثّث حربا بالوكالة ستنعكس حتما على أمنها واستقرارها وعلى اقتصادياتها أيضا. وقد تمهّد للإطاحة بأنظمتها العميلة.
قوى النّظام تستعيد توازنها
معركة حلب أكّدت أنّ الجيش السوري مصمّم على حسم المعركة عسكريا قبل الذهاب إلى المفاوضات.وقد سجّل انتصارات مهمّة بتطويق آلاف المسلّحين في حلب الشرقية ومنع كلّأشكال الإمدادات التي كانت تصلهم من الشمال والجنوب. وهو يستقدم التعزيزات ويُعدّ العدّة لإطلاق هجوم معاكس للتوسّع جنوبا وغربا وإجبار المسلّحين على الهروب نحو الحدود التركية وفكّ الطّوق عن مدينة حلب حتى تعود الحياة الاقتصادية فيها إلى دورتها الطبيعية.
من جهتها القوات الكردية توشك أن تُنهي وجود الدواعش في المنبج وستشكّل بدورها خطّا دفاعيا عن مدينة حلب من جهة الشمال.
في الجبهة الجنوبية استفادت القوات السورية من الصراعات بين المجموعات الإرهابية وحقّقت تقدّما مهمّا في غوطة دمشق من شأنه توفير مزيد الأمن للعاصمة.
وفي الشمال الغربي استعاد الجيش السوري مدينة كنسبا الاستراتيجية وفرض على المسلّحين التراجع باتجاه الحدود التركية.
باقي الجبهات في حمص وباتجاه الرقة ومن جهة الحدود اللبنانية تشهد نوعا من الهدوء الذي يخدم قوى النظام التي لا مصلحة لها في فتح عدة جبهات في نفس الوقت.
على المستوى الشعبي، وهذا مهّم ومؤثّر أيضا في ما ستؤول إليه الأوضاع لاحقا، فإنّ قوى النظام تحظى بتأييد واسع. وقد أدرك السوريون منذ مدة أنّ مصلحتهم وأمنهم واستقرارهم مرتبط بهزم المجموعات المسلّحة التي أصبحت تشكّل التناقض الأكبر في سوريا.
سوريا قِبلة الإرهاب التّكفيري
ثلاثمائة وستون ألف إرهابي دخلوا التراب السوري منذ 2011، واليوم يتواجد فيها تسعون ألف من جنسيات مختلفة منها تونس.وتؤكد إحصائيات ألمانيّة دقيقة وجود أعلى نسبة حضور في التراب السوري لمجاهدات النكاح التونسيات.
الحدود التركية مازالت مفتوحة. والمجاميع التكفيرية تتدفق يوميا في اتجاه الداخل السوري لتلتحق بتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي أو جبهة النصرة. وهي تتلقّى التدريبات والتّربصات على أيدي ضبّاط أتراك وغربيّين وعناصر من المخابرات الأجنبية.
أمّا السّلاح المتنوّع والحديث فيتدفّق من الدول الغربية عبر وسطاء من أوروبا الشرقية.
وتلقى هذه المجموعات الدعم الإعلامي واللوجستي وتتلقّى رواتب خيالية شكّلت إلى حدّ اليوم الدافع الأهم لقدومها وانخراطها في هذا العدوان الغادر على الشعب السوري.
عديد الحكومات، منها الترويكا التونسية، انخرطت وتنخرط في حشد الإرهابيين وتسفيرهم إلى سوريا بهدف إسقاط نظام حزب البعث الذي صمد واستوعب الهجوم المنظّم ضدّه قبل أن ينطلق في هجوم معاكس ويسجّل عديد الانتصارات المهمّة.
المؤامرة كبيرة، والشعب السوري المتضرّر الأكبر من هذه الحرب القذرة وقواه المدنية مطالبون بدور نشيط للتضييق على المجاميع الإرهابية ومنعها من تشكيل حاضنات اجتماعية في القرى والمدن السورية. إنّ عزل هذه القوى شعبيا يمهّد بالتأكيد لطردها مهما كانت مدجّجة بالأسلحة.