كتب عضو اللجنة المركزية لحزب العمّال علي جلّولي:
على هامش الحملات المنظمة ضد الجبهة الشعبية وحزب العمال:
ملاحظات حول أخلاقيات الصراع
يبدو أن الحملة الشعواء التي تستهدف الجبهة الشعبية ممثّلة في أحد مكوناتها الأساسية حزب العمال، في شخص الناطق الرسمي باسمه، قد بلغت أوجها بمقتضى الحملة الفايسبوكية التي تفصّت – كما كل مرة – من كل ضابط سياسي أو أخلاقي، بما يعيد بحدّة طرح المشكل المزمن الذي ظلّت الساحة السياسية تعاني منه منذ بداية تسعينات القرن الماضي وهو مشكل ضوابط الصّراع السياسي. وقد عرف التدهور والسقوط ذروته من خلال إطلاق العنان لصحافة المجاري لتشويه معارضي نظام بن علي السياسيين والناشطين في مختلف فضاءات الفعل العام، بما حوّل الصفحات السياسية للصحف إلى صفحات يخجل الواحد من قراءتها حتى بمفرده. ومثلت صحف “الإعلان” و”الحدث” نموذجا فجًّا لأخلاق السقوط النوفمبري الذي لا يمتّ بصلة لصراع الأفكار والبرامج، معوّضا ذلك بالتشويه والتخوين والكلام البذيء والجارح والماسّ من الكرامة والسمعة. وقد طالت تلك الحملات كل معارضي النظام من كل الحساسيات والأطر.
*وما أشبه الليلة بالبارحة:
وبعد خلع الطاغية بن علي، تنفّس شعبنا لأوّل مرة في تاريخه الحرية، فانفتحت الانترنيت على مصراعيها، وهي التي كانت مصادرة ومغلقة لأنها كانت فضاء للمعارضة والتشهير بالاستبداد.
ولئن لعبت هذه الوسيلة دورا هاما في النضال ضد الدكتاتورية، وتلعب اليوم دورا مهما في متابعة الشأن العام، فإنها تحولت عند البعض إلى “صحافة مجاري” يقال فيها ما يقال وما لا يقال. ولئن عرف الفضاء العام اختراقا واسعا ومكثفا من قبل جهات متعددة داخلية وخارجية اعتمدت المال الفاسد وشراء الذمم وتنظيم حملات “التنظيف والتبييض” أو التشويه والمسخ في إطار الصراع المفتوح بين “الكبار” أحيانا، وبين “الكبار” وعموم شعبنا وقواه المناضلة المتمسكة بالثورة وبشعاراتها وأهدافها غالبا. وقد كان نصيب الجبهة الشعبية وقادتها نصيب الأسد، ويتضاعف هذا النصيب في المناسبات والمنعرجات الكبرى والمحطات الحاسمة في المسار السياسي والنضالي للشعب والبلاد.
*وللجبهة نصيب الأسد:
تأسست الجبهة لتكون الإطار التنظيمي والميداني لقوى الثورة ولتنظيم الصراع ضد قوى الثورة المضادة التي تواصل منذ مساء 14 جانفي 2011 التحكم في رقاب شعبنا، ونجحت الجبهة في تنظيم وتأطير معارك نضالية كبرى وهامة كانت كلفتها غالية وثمينة، إذ سقط زعمائها تباعا من شكري إلى البراهمي كضريبة دم كانت مسبوقة بحملات تخوين وتكفير وتشكيك، وبمناسبة كل المعارك التي شاركت فيها الجبهة أو قادتها انتظمت حملات طالت الناطق باسمها الرفيق حمة الهمامي، كما طالت كل مكوناتها وكل قادتها تقريبا، وفي كل مرة كان الاستهداف يتركز على مكوّن أو قيادي، وقد كان نصيب الكتلة النيابية كبيرا ومتناسبا مع حجم التدخلات والأدوار والمهمات التي اضطلعت بها هذه الكتلة المقاتلة التي أقضت مضاجع الرجعية وأفسدت لها الكثير من نواياها (قانون المصالحة، قانون المالية،…)، لذلك وبالتوازي مع عمل المجلس أو الاحتجاجات الشعبية، تنطلق الأقلام المأجورة لنفث سمومها لإرباك الصفوف وبعثرة الأوراق وخلطها وزرع الشك، وفي كل الحالات حرمان القوى الثورية من طاقات وإمكانيات عملية بما يعزز مجال المناورة والاستفادة للقوى الرجعية. والنتيجة في كل الحالات تواصل هيمنة القوى الرجعية على المجال العام، وهو قلب الرحى المختفي وراء الحملة الأخيرة خاصة بمناسبة إعادة تشكيل الحكومة الذي تريده البرجوازية أن يتمّ بأقل “ضجيج ممكن” حول فشلها وصراعاتها والإجراءات المؤلمة التي تعدها لشعبنا.
وبما أن الجبهة هي قوى المعارضة الأساسية، وبما أن رصيد الثقة فيها بصدد التصاعد في أوساط متعددة، فإن معاول الهدم يجب أن تتحرك و”تخدم خدمتها” بدعاوي وعناوين متعددة تلتقي في نقطة تقاطع واحدة، وهي القابلية للقيام بالأدوار القذرة التي لا مصلحة لأحد فيها عدى جهات النفوذ السياسي والاقتصادي والمالي، ومعاول الهدم متعددة العناوين، فيها “الورقات المحروقة” من صفحات وجهات منظمة معروفة الأجندة والارتباطات، وجهات كانت قريبة من حزام الجبهة ومكوناتها، وهي تنظّم وتقود حملات إعلامية مفتعلة لذلك محاور ومسائل هامشية ووهمية لتجييش عدد من المنخرطين في اللعبة، بعضهم يدخل الحملة بوازع ذاتي غير مقدّر لأبعادها السياسية، والبعض الآخر يدخلها وله الفهم الكامل لأبعادها وخلفياتها وأهدافها. يتمّ كل هذا أمام أنظار الخصوم من القوى الرجعية التي ليس أفيد لها من أن تكون صفوف خصمها متآكلة. والحملة الأخيرة ضد الرفيق الجيلاني الهمامي، نائب رئيس كتلة الجبهة الشعبية والناطق الرسمي باسم حزب العمال، ليس لها من إطار غير هذا، وكل محاولة لإخراجها عن هذا السياق ستكون فاشلة.
*يا جبل ما يهزك ريح:
في الحقيقة، إن الحملات ضد الجبهة وقادتها، وضد حزب العمال ورموزه، لم تكفّ يوما، وهي جزء من الصراع الاجتماعي والسياسي الموضوعي الجاري في بلادنا، هذا الصراع الذي تنخرط فيه بعض القوى بشكل يحترم الضوابط الأخلاقية للصراع وهي انحساره في الخلافات البرنامجية بما ينعكس إيجابا على الحركة العامة إنتاجا ونشرا وتحسّنا للمستوى العام، وفيما تنزع قوى أخرى لتلويث الصراع واعتماد أساليب غير فكرية وغير سياسية. وأسوأ ما يمكن ممارسته هو هتك الأعراض والمسّ من الكرامة الشخصية للأفراد، لا لشيء إلا للاختلاف معهم.
إن هذا الصراع مدمّر للفضاء العام ومنفّر منه ومكرس لوضعية “صراع الديكة” لا أكثر، والجهة الوحيدة المستفيدة منه هي الرجعية بكل أصنافها التي تعجز عن مقارعة الفكرة بالفكرة، بل هي تعي جيدا أن عرشها يتهدّد حال تفطّن أوسع الناس لأهمية الصراع الفكري/البرنامجي.
لهذا الاعتبار فنحن في حزب العمال (والجبهة) لا نعتبر أنفسنا معنيّين بغير صراع الأفكار والبرامج والخيارات التي ندعو الناس جميعا، أنصارنا كما خصومنا، أن يجادلوها. نحن لا نخاف الصراع بل نؤمن به وننخرط فيه، شرطنا الوحيد هو احتكامه لضوابط أخلاقية وسياسية، ما دون ذلك فهو مضيعة للوقت ومشاركة في تلويث السياسة وهو هدف رجعي بامتياز.
إننا كقوة ثورية نعي جيدا أن التشويه والحملات المغرضة هي جزء من آليات خصومنا “غير الشرفاء”، لذلك نقول لهم إنكم عاجزون عن جرّنا للمستنقع، ونقول للبراغي الصغيرة وخاصة ممّن ربطتهم صلة ما بالنضال في يوم ما: إنكم مجرّد براغي في معركة أكبر منكم بكثير.
18 أوت 2016