تجري يوم 7 أكتوبر الجاري الانتخابات البرلمانية في المغرب الشقيق وفق دستور 2011 الذي جاء كمحاولة من المخزن للالتفاف على الشعارات المركزية لحركة 20 فبراير المطالبة بإسقاط الاستبداد والفساد عبر صياغة دستور ديمقراطي يضمن حقوق الشعب الأساسية والحريات العامّة والفردية.
وأمام تجذر الحركة وبداية توسّعها، سارع القصر الملكي إلى تعيين “لجنة خبراء” أوكل إليها تحرير دستور على المقاس يضمن مصالح المتنفذين في المخزن ويبث وهم الديمقراطية. وعند عرضه على الاستفتاء ورغم ما صاحب حملة الترويج له من أساليب الترهيب والترغيب، قاطع الشعب المغربي وقواه الديمقراطية الفاعلة بأغلبية لا يرقى إليها الشك عملية تمريره بالقوة، حيث فاقت نسبة المقاطعة الـ80% من الجسم الانتخابي المغربي، بينما طبّلت له أحزاب المخزن واعتبرته “نصرا مبينا” بل و “ثورة ناجحة” في ظل ثورات “الربيع العربي” الخائبة.
وانتخابات 7 أكتوبر الجاري ليست هي الأولى التي تتم وفقا للدستور الجديد، بل هي الثانية إذ سبقتها انتخابات سنة 2012 التي أوفت مخزنيا بوعودها بكبح جماح حزب الأصالة والمعاصرة الذي استهدفته شعارات حركة 20 فبراير، وفتح الطريق أمام حزب العدالة والتنمية الإسلامي للإيهام بالتغيير وتكليفه ـ وهو الحزب المحسوب على المعارضة ـ بتنفيذ إملاءات المخزن والدوائر المالية الامبريالية وما ينجرّ عنها من “إجراءات موجعة” تستهدف لقمة عيش الشعب المفقّر أصلا، إجراءات ووجهت بتحرّكات شعبية عارمة شملت جميع القطاعات الحيّة في البلاد، وليس آخرها ما يجري اليوم، رغم ضجيج الحملة الانتخابية، من مظاهرات كبرى رافضة للإجهاز على منظومة التقاعد.
إذن فالانتخابات الجديدة لها سابقتها، ولا تخفي أسرارا حقيقية ولا تنطوي على مفاجآت قد تدرّ بها السماء على الشعب المغربي الشقيق، بل هي تنعقد بنفس شروط الانتخابات السابقة أي شروط لا تتوفر على الحدّ الأدنى من الشفافية والنزاهة:حزب الأصالة والمعاصرة
استقلالية الهيئة الانتخابية إذ إن وزارة الداخلية هي المسؤولية على تنظيمها من ألفها إلى يائها، فتح باب الاقتراع أمام جميع أعضاء الجسم الانتخابي وعدم حصره في القائمات الإنتقائية المعدّة سلفا من قبل وزارة الداخلية، حرية الدعاية للجميع مهما كان الموقف من الانتخابات، توفير التمويل العمومي لجميع القائمات المترشحة دون اعتبار “لونها”، الوقوف الجدي في وجه استعمال المال الفاسد وشراء الضمائر وتجريمه، تحريم استعمال مقدرات الدولة لصالح هذا الحزب أو ذاك ألخ… وهي الشروط الدنيا للحديث عن انتخابات نزيهة وشفافة، وما لم تتوفر، فإن المشاركة فيها يدخل في باب إضفاء الشرعية على الدكتاتورية القائمة.
لذلك وفي ظل غياب هذه الشروط الدنيا، قرّر المؤتمر الأخير لحزب النهج الديمقراطي (15، 16 و17 جويلية 2016) مقاطعة المهزلة الانتخابية، واستغلال مدّة الحملة الانتخابية للالتحام بالمواطنين حيثما كانوا وشرح الموقف ودعوتهم إلى رفض المهازل الانتخابية المتكررة منذ سنة 1963، تاريخ إجراء أول انتخابات تشريعية. وقد تعرّض النهج منذ إعلانه على هذا الموقف لحملة قمع مضايقات ممنهجة اتخذت أشكالا متنوعة لترهيب مناضليه وقادته، طالت حتى كاتبه الوطني الذي حاول المخزن فبركة قضية عدلية ضدّه بتهمة الثلب تعود وقائعها إلى سنة 2012. وقد ساهمت في الحملة الممنهجة ضد النهج وسائل الإعلام المخزنية وكذلك أحزاب المخزن والأحزاب الإدارية التي سلطت على النهج كل أصناف الاتهامات ذات الطابع الإيديولوجي والسياسي، كاتهامه بالمعرضة الأبدية وبالعدمية، وعدم الأخذ بعين الاعتبار لـ “التطورات” الحاصلة في البلاد والعالم، بل وصل بعضها إلى حدّ اعتبار أن موقف النهج يخدم في النهاية القوى الرجعية.
ومنذ انطلاق الحملة الانتخابية، ومع اتضاح نجاح معركة الدعوة إلى المقاطعة التي سيّرها النهج، ووجهت تحركاته في الأزقة والساحات والميادين، في المدن كما في الأرياف، بقمع لا مثيل له لم يسلم منه أحد من المناضلين، فتمّ الاعتداء على أعضاء من الكتابة الوطنية أمثال الرفاق لحسين لهناوي وعبد الحميد أمين وعلى عدد لا يحصى من أعضاء شبيبة النهج الذين خاضوا الحملة بكل اقتدار. ولم تقتصر ممارسة القمع على الأجهزة النظامية بل تمّ تجنيد جيوش من المرتزقة والبلطجية للقيام بالمهمّة على مرأى ومسمع من قوات البوليس الحاضرة في كل زمان ومكان، وبمباركة منها. لكن القمع لم يفتّ في عضد المناضلين الذين واصلوا حملتهم حتى اليوم الأخير مسجّلين نقاطا إضافية في تعرية المخزن وزيف ديمقراطيته.
وإذا كان هدف المخزن هو فك العزلة عليه والتقليص من حجم المقاطعة، وهدف الأحزاب المخزنية، خاصة منها البيجيدي (حزب العدالة والتنمية) والبام (حزب الأصالة والمعاصرة هو إقناع القصر أنها هي الأجدر لقيادة المرحلة وخدمة مصالحه بأقل الأضرار، فإن بقية الأحزاب الإدارية تحاول تحسين شروط تفاوضها مع هذا الحزب أو ذاك حتى تضمن لها مكانا تحت قبة المجلس وفي المشهد السياسي عموما. أما الأحزاب “اليسارية” التي اختارت المشاركة، وقبلت بتبييض وجه المخزن البشع والتي جرّها إلى المشاركة بما تفضل به عليها من كرم “التخفيض في سقف العتبة إلى 3%” فقد اكتووا بعد بنيران المخزن بما لحقهم من تهميش وتعتيم إعلامي على حملتهم وحتى بعض المضايقات خلال الحملة في انتظار التلاعب المنتظر والمعهود بصناديق الاقتراع وهم لا حول لهم ولا قوة على مراقبتها. وعلى ذكر المراقبة، فقد شُرع بعد في ترحيل البعثات الصحفية الأجنبية المتهمة بـ”نقل الواقع كما هو” قبل اليوم الموعود.
لقد أكد النهج الديمقراطي، وهو يخوض هذه المعركة الجديدة من أجل ديمقراطية حقيقية ومن أجل القطع مع جذور الاستبداد وهيمنة المخزن على الحياة السياسية وعلى مقدرات البلاد، أنّ المقاطعة كما المشاركة في الانتخابات، أيّا كانت، ليست موقفا أبديا بل إنّ الذي يحدّد هذا الموقف أو ذاك هو الظروف التي تتمّ فيها الانتخابات، وتوفّر الحدّ الأدنى لضمان انتخابات ديمقراطية شفافة ونزيهة. وما لم تتوفر تلك الشروط، فإنه على الأحزاب الديمقراطية مواصلة المعركة من أجل تحقيقها، ولا يقتصر ذلك على مواعيد الحملات الانتخابية الدورية بل إن النضال من أجل الديمقراطية والحريات هو نضال يومي.
ولا يسعنا في خاتمة هذه الورقة إلا تهنئة مناضلي النهج على نجاح حملتهم التي تجاوز صداها حدود المغرب الشقيق والتعبير عن تضامننا المطلق معهم فيما تعرّضوا له من قمع ومضايقات.
مرتضى العبيدي