تجاوزت حكومة المهدي جمعة الشهر على استلامها مفاتيح الحكم، إلاّ أنها حتى هذا الوقت لم تتقدّم في معالجة مجمل الملفّات المعقّدة والكبيرة التي من المفترض، وفق خارطة الطريق، الشروع في مباشرتها بما يُفضي في نهاية المطاف إلى خلق الشروط الضروريّة لإجراء انتخابات رئاسيّة وبرلمانيّة، حرّة وشفّافة ونزيهة، تنهي ما تبقّى من هذه المرحلة الانتقالية المؤقّتة التي حوّلتها حركة “النهضة” وحلفاؤها إلى كابوس حقيقي ينزل بكامل ثقله، ليس على القوى الدّيمقراطية والثوريّة فقط، وإنّما على الأغلبيّة السّاحقة للشّعب التونسي أيضا.
ما من شكّ في أنّ بلادنا في وضع استثنائي شديد الصعوبة، وما من شك أيضا أنّ حكومة مهدي جمعة نتاج لجملة من العوامل والظروف التي تداخلت إلى حدود كبيرة بين ما هو وطني وإقليمي ودولي، كما أنّ الرهانات والتحدّيات التي تواجهها هذه الحكومة ليست بالهيّنة. لكن هذا وغيره نعرفه وهو لا ينسي بأيّ حال من الأحوال أنّ المبرّر الوحيد لانبعاث حكومة جمعة وهو في نفس الوقت شرط بقائها، هو تنفيذ المهمّات المنصوص عليها في خارطة الطّريق واتّفاقات الحوار الوطني.
بعبارة أوضح فإنّ هذه الحكومة بجميع أعضائها قبلوا تقلّد مسؤوليّاتهم بعد موافقتهم المسبقة على تنفيذ برنامج محدّد وفق آجال زمنيّة مضبوطة على الأقل في حصيلتها النهائيّة ونعني خلق شروط الانتخابات وإجرائها. نحن نتفهّم مرور بعض الوقت حتى يتمكّن الوافدون الجدد على الحكم من المسك بالملفّات الحارقة وإجراء التحويرات اللاّزمة غير أنّ ذلك لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية فالعجز كلّ هذا الوقت عن تقديم إشارات ومداخل للتقيّد بمقتضيات خارطة الطريق أضحى مولّدا لمشاعر الحيرة وباعثا الشكّ في جدّيّة حكومة المهدي جمعة.
إنّ شحنة الأمل النسبي وما رافقها من ارتياح برحيل حكومة النهضة وتعويضها بأخرى جديدة بدأت في التّلاشي تدريجيّا ومن غير المستبعد، إذا استمرّ أداء فريق جمعة على ما هو عليه أن تتعمّق مشاعر الإحباط والغضب وتستأنف الحركة الاجتماعية والشعبية حراكها بنفس المطالب والأشكال السابقة. وفي هذا السياق لا بدّ من الوعي أنّ لا أحد في تونس اليوم، حزبا كان أو منظّمة وبطبيعة الحال سلطة مهما كانت قوّتها، بإمكانه الحيلولة دون استمرار النضال الشعبي.
إنّ الاتفاق الذي انبنت عليه أصلا الحكومة الحاليّة يمكنّها من جميع الصلاحيّات للمسارعة في حلّ روابط العنف والدم (روابط حماية الثورة المزعومة) ومراجعة التعيينات الحزبية في الإدارة وأجهزة الدّولة وجميع المؤسّسات التي لها صلة مباشرة وغير مباشرة بالانتخابات القادمة، إضافة إلى تحييد المساجد ومقاومة الإرهاب ورفع اللثام عن مدبّري الاغتيالات الحاصلة… ودعم كلّ ذلك بإجراءات عاجلة تشمل الأسعار الملتهبة والبطالة المتفشّية والتفاوت الجهوي المستفحل.
ودون مبالغة فإنه لا شيء تحقّق من هذا عدا بعض المراجعات الطفيفة التي شملت قلّة من فيلق مستشارين بالوزارة الأولى… فالولاّة رغم صغر عددهم وسهولة إبعادهم مازالوا في أماكنهم والمعتمدون والعمد كذلك. والأغرب من ذلك أنّ البعض من أدوات “النهضة” الباقين في مراكزهم مازالوا يزرعون أعوانهم مثلما وقع يوم الثلاثاء 25 فيفري بقفصة عندما قام الوالي النهضاوي بتنصيب نيابة خصوصية موالية بمدينة المتلوي دون أي اكتراث بما يمكن أن يحدث من احتجاجات.
والأنكى من ذلك أنّ لهيب الأسعار باشر ارتفاعه في أكثر من مادّة أساسية مثلما حصل أخيرا في أسعار علب الطماطم!!!.
وخلاصة القول إنّ الحكومة الحاليّة مطالبة بمراجعة أدائها والمرور رأسا إلى تنفيذ خارطة الطريق بكافّة بنوده قبل أن تجد نفسها في مواجهة جديدة مع الشعب.