منذ انطلاق عملية ما يسمّى بتحرير الموصل ظهرت عديد المؤشرات التي تؤكّد أنّ هناك مخطّطا يهدف إلى تقسيم العراق وتغيير تركيبته الديمغرافية. تقارير المنظمات الإنسانية والحقوقية والإعلامية تؤكّد أنّ معركة الموصل تصاحبها عمليات تطهير عرقي وتهجير للسكان وتدمير ممنهج للقرى.
ويتمّ تنفيذ هذا المخطط في الوقت الذي يواصل فيه الإعلام الغربي التعتيم على الفظاعات التي صاحبت هذه العملية والتي يرتكبها الجيش العراقي والميليشيات التابعة له، مركّزا فقط على تقدّم القوات العراقية والقرى التي تمّ تحريرها وعلى الجرائم والانتهاكات التي يمارسها تنظيم الدولة الإسلامية بحقّ المدنيّين وخاصة القتل الجماعي والتعذيب ومنع المدنيّين من الهروب من مناطق النزاع واستعمالهم دروعا بشرية.
فقد ذكر آخر تقرير لمنظمة العفو الدولية حول معركة الموصل أنّ ميليشيات الحشد الشعبي الموالية للجيش العراقي ارتكبت عمليات قتل وتعذيب بحق المدنيّين الفارّين من جحيم المعارك وأخضعتهم إلى عمليات استنطاق قاسية طالت أطفالا ونساء وشيوخا. وذكرت المنظمة استنادا إلى شهادات حيّة أنّ الحشد الشعبي يمارس انتهاكات فظيعة ويجبر المدنيّين على ترك منازلهم… وسجّل التقرير عمليات قتل جماعية على أساس الانتماء العرقي أو الديني أو لمجرد أنّ الضحية يحمل اسما يوحي بانتمائه إلى هذه الطائفة أو تلك…
ويقول المسؤول في منظمة العفو الدولية فيليب لوثر إنّ السنّة العرب في الفلوجة والشرقاط والحويجة وفي محيط الموصل تعرّضوا إلى هجمات وحشية ودموية، وهم يعاقبون على ما ارتكبه تنظيم الدولة من جرائم.
ويشير التقرير إلى أنّ هذه المليشيات، ذات الأغلبية الشيعية، تحظى بدعم الحكومة العراقية، التي قدّمت لها الدعم المالي والأسلحة واعترفت بها رسميا، وبالتالي فالحكومة مسؤولة عن انتهاكاتها.
وشدّد التقرير على واجب السلطات الحكومية في اتخاذ خطوات لازمة لضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات المروعة، خصوصا مع انطلاق معركة الموصل
من جهة أخرى تحدثت تقارير إعلامية عن مخطط تنفّذه حكومة كردستان يهدف إلى تهجير العرب من قراهم باستعمال أسلوب الترهيب والتخويف حتى يترك المتساكنون مساكنهم ويفرّون باتجاه الأماكن الأكثر أمنا ليتمّ بعد ذلك هدم بيوتهم وتسويتها مع الأرض تمهيدا لتوطينها بجماعات تنتمي إلى الأكراد.
إنّ حرق وتجريف القرى أو تهجير سكانها هو واقع مؤلم تعاني منه القرى العربية على جانبي الحدود السورية والعراقية، والتي يرتبط سكانها في جانبي الحدود بأواصر قربى عشائرية والتي رغم أنّ الحدود فصلتهم، إلّا أنّ هذه المآسي وحّدت حالهم وآلامهم.
وبالتزامن مع معركة الموصل أطلقت جماعات كردية مدعومة من حكومة كردستان العراق ومن واشنطن حملة هدفها المعلن تحرير مناطق خاضعة للدولة الإسلامية، في حين أنها تستغل معركة الموصل والإجماع الدولي حول محاربة “داعش” لتشنّ هجمات على القرى ذات الغالبية العربية لإجبار سكانها على مغادرتها تمهيدا لتوطينها بالأكراد.
لقد بات واضحا أنّ الهدف من معركة الموصل ليس تحريرها من “داعش” بقدر ما هو إعادة رسم الخارطة الجغراسياسية للمنطقة وتقسيمها على أساس طائفي وعرقي حتى يسهل نهب ثروات العراق وإدامة تخلّفه وتمزّقه. وحتى في صورة طرد “داعش” من الموصل فإنّ هذا لا يعني نهاية معاناة سكان هذه المدينة والمناطق المحيطة بها وإنما بداية عهد جديد من المعاناة التي قد تكون أشد وطأة في ظل سيطرة ميليشيات شيعية وكردية تحرّكها مطامع شوفينية وطائفية موغلة في الرجعية والتخلّف ومحكومة بعقلية انتقامية تغذّيها مصالح القوى العالمية والإقليمية.
عبد الجبار المدّوري