الرسالة الاولى أتوجّه بها إلى المشكّكين في العدالة الانتقالية الذين لا يثقون في هيئة الحقيقة والكرامة باعتبار التجاوزات والصراعات التي شقتها واستقالة بعض مكوناتها وتغول رئيستها والمرتابين من جلسات الاستماع خشية توظيفها من طرف حركة النهضة وخوفا من بث الفرقة بين التونسيين…
لهؤلاء أقول ان العدالة الانتقالية أكبر هن هيئة الحقيقة والكرامة وأكبر من رئيستها ومن الأحزاب على اختلاف مشاربها بما فيها حركة النهضة وأننا قبل أن نتوحد علينا أن نختلف ونمارس هذا الاختلاف في الواقع حتى نساعد شعبنا على الفرز واختيار الطريق الأفضل.
العدالة الانتقالية ستوحدنا حول قيم الحرية وحقوق الانسان وضد التعذيب وكل أنواع الانتهاكات مهما كان لون الضحية. وحدهم الارهابيون ورموز نظام الاستبداد والفساد وأنصاره والسّائرون في طريقه مهما تظاهروا بمعارضته هم من يشكّكون في مسار العدالة الانتقالية أو يريدونه شكليا وباهتا حتى لا نؤسّس لمرحلة جديدة خالية من كل اشكال الانتهاكات.
لقد أثبتت جلسات الاستماع الأولى أنّ صوت الرّفض للتعذيب والخطف والقتل العمد وتكميم الأفواه مهما كان لون الضحية هو الصوت الأعلى وأنّ كل مسعى للعودة إلى المربّع القديم هو جريمة في حق الشعب ينبغي التصدي لها ومقاومتها بكل الاشكال.
الرسالة الثانية أتوجه بها الى رفاقي في حزب العمال لأؤكّد لهم صحة تحاليل حزبنا للواقع ولاتّجاهات تطوّره وصواب فهمنا لمختلف التناقضات التي تشق مجتمعنا ودورنا القائد في القطع مع الفاشية على أنقاض الحزب الحاكم لا بالتعاون معه مثلما ذهبت الى ذلك المعارضة الليبرالية والاصلاحية. الكل في السابق راهن على “التغيير” بالتعاون مع التجمع الدستوري الديمقراطي وتحت حكمه الا حزبنا وهذا مبعث فخر لنا.
لقد آمنا بالثورة وبقدرة الشعب التونسي على ذلك ورسمنا خط الانتقال من الفاشيّة الى الحرية السياسية عبر إسقاط نظام بن علي وتنظيم انتخابات مجلس تأسيسي يصوغ دستور الجمهورية الديمقراطية الشعبية. وهذا ما حصل ولو جزئيا وأقول جزئيا لان حالة موازين القوى لم تمكّنا من تحقيق اهدافنا كاملة.
من حقنا اليوم أن نعتزّ بهذا الحزب العظيم وبقدرته على قيادة نضال الطبقة العاملة والشعب من أجل القضاء على الاستغلال والتبعية بالتعاون مع الجبهة الشعبية، جبهة الامل والنضال، من أجل تحقيق أهداف الثورة.
إنّ ما نعيشه اليوم من صعوبات في مرحلة العلنية يمكن فهمه وتنسيبه وتقييمه من أجل تجاوزه. ومثلما خطّطنا للإطاحة بالفاشية النوفمبرية ونجحنا في ذلك فإننا قادرون على مزيد رص صفوفنا وتجاوز مواطن ضعفنا كحزب وكجبهة شعبية حتى نقود نضالات شعبنا من أجل أهداف جديدة تفرضها استحقاقات المرحلة.
الرسالة الثالثة أتوجه بها الى النظام القديم وعندما أقول النظام القديم لا اقصد فقط حزب التجمع ورموزه بل كل الأطراف والاشخاص الذين يتمسكون بالسير على خطى هذا النظام سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ويتآمرون على ثورة الشعب التونسي ويحاولون حبسها في رحيل راس الدكتاتورية.
لهؤلاء أقول ان الثورة لم تحقق أهدافها وان تغيير راس النظام لا يكفي بل وجب تغيير الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والبرنامج السياسي والعلاقة بالخارج. التونسيات والتونسيون بحاجة الى خيارات وسياسات وعلاقات جديدة تقطع مع الفساد والاستغلال والتبعية المذلة وتعيد الاعتبار للعمل ولإنتاج الثروة وإعادة توزيعها على أساس المساواة والعدالة بين الفئات والجهات.
بتحقيق هذه الأهداف يمكن ان نؤسس لتونس جديدة خالية من الانتهاكات. وخارج هذا سننفخ من جديد في أرواح جيف النظام القديم ونعيده، ولو بثوب مختلف، الى مشهد الحكم.
الرسالة الرابعة موجّهة إلى عائلتي لقد ربحنا معركة في انتظار كسب الحرب كاملة. بدانا اثنين مع بن علي لنصبح اليوم خمسة. القمع يولّد المقاومة ويقوي القناعة ويجعلك تقطع مع التردد باستعمال كل اسلحتك. وعندما تضطهد العائلة فليس امامها الا الدفاع عن نفسها في إطار الدفاع عن شعب بأكمله.
اذكر ذات يوم انه عند مغادرتي السجن وتسللي إلى المنزل دون إعلام مسبق لعائلتي التي أردت مفاجأتها بالإفراج عني أذكر أن ابنتي الصغيرة التي تركتها في عمر يناهز الستة أشهر اختبأت وراء أمها لما رأتني إحساسا منها باني غريب عن العائلة. كان رد فعل قاس عليّ لم اتجاوزه الى اليوم لأني أحسست في تلك اللحظة أنى غريب عنها حقا. إنه أحد أوجه الدكتاتورية البشع الذي يدمّر العائلة ويمنعها من الحق في الحياة الطبيعية.
بقلم علي البعزاوي
عضو لجنة مركزية لحزب العمّال