بقلم ميسّر عطياني /ناشطة في قضايا الأسرى وعضو الاتحاد العام للمرأة الفلسطينيّة
في السنوات الأخيرة نلاحظ ازدياد وتيرة التصعيد والتهديدات “الإسرائيلية” من قِبل إدارة السجون بحرمان الأسرى من حقوقهم في التعليم مع الملاحظ أنّ الاحتلال لم يمنح هذا الحق للأسرى إلاّ بعد نضالات وإضرابات وتضحيات كبيرة ولكنّها لم ترتق إلى درجة تحصين هذا الحقّ وفرض عدم التراجع فيه، علما أنّ مصادرة هذا الحق مخالف للقواعد والقوانين الأساسية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونصوص اتفاقية جنيف التي كفلت للأسرى حقّ التعليم وممارسة الأنشطة الذهنية والتعليمية. هذه التهديدات المتكرّرة بمنع التعليم تظهر للعالم كأنّ (إسرائيل) كانت تمنح للأسرى حقوقهم في التعليم والدراسة والقراءة في حين أنّ دولة الاحتلال كثيرا ما تمنع استكمال الدراسة الجامعية وتمنع إدخال الكتب وتمنع التجمّعات الثقافية والجلسات وبصفة خاصّة للأسيرات والأشبال.
مراحل العمليّة التعليمية والثقافيّة في سجون الاحتلال
بعد خوض الحركة الأسيرة إضرابات ومواجهات مع إدارة السجون استطاعت انتزاع هذا الحق عن طريق تهريب الأقلام واستخدام ورق السجائر وأوراق الكرتون أو أي مادة ورقيّة يمكن الكتابة عليها. وتم انتزاع الحق في امتلاك الدفتر والقلم وعقد الاجتماعات داخل الغرف وإدخال بعض الكتب التعليمية (مع منع كتب الكيمياء والفيزياء والكتب الثقافية السياسية). وكردّ فعل وضعت إدارة السجون وضع قيودا بتحديد نوعيّة وكمية الدفاتر والكتب المسموح بإدخالها وعدد الأقلام في الغرف. كما عمدت إلى مصادرة المادة المكتوبة في الدفاتر وإتلافها أحيانا كثيرة واقتحام الغرف فجأة ومصادرة الكتب والكراسات ومنع التجمعات والجلسات الثقافية للحيلولة دون تطوّر الوعي داخل السجون.
التعليم الثانوي والجامعي
في السبعينات استطاعت الحركة الأسيرة انتزاع الحق في التعليم الثانوي، وفي بداية عام 1992 استطاعت انتزاع الحق في التعليم الجامعي بعد الإضراب المفتوح عن الطعام الذي خاضته. فتمّت الموافقة بشروط، ولهذا نقول أنّ الحق في التعليم لم يقع انتزاعه بالكامل. وتتمثّل هذه الشروط في:
1- المراسلة عبر الجامعة المفتوحة بداخل “إسرائيل” فقط.
2- المنع من الدراسة والتواصل مع الجامعات المحلية.
3- حديثا وبعد إضرابات طويلة خاضتها الحركة الأسيرة سمح للأسرى بالانتساب إلى جامعات عالميّة. 4- امتحان الثانوية العامة: آلاف من الأسرى تمكّنوا من الحصول على شهادة الثانوية العامة لكن هذه الامتحانات لا تسير بانتظام ووفق إجراءات عادية بل تمّ منعها في بعض السنوات وتمّ حرمان الآلاف من التقدم لاجتيازها. والجدير بالذّكر انّ آخر امتحان للثانويّة العامّة كان سنة 2006. لقد أصبح التعليم الثانوي مشروطا بالفترة الزمنية التي يقضيها الأسير بالمعتقل وبقضاء ثلاث سنوات كحدّ أدنى، ومن حصل على الأولى ثانوي يستطيع التقدم لامتحان الثانوية والتعليم الجامعي بشروط حيث يتقدّم الأسير بطلب إلى مدير السجن الذي هو صاحب القرار بالقبول أو الرفض حسب اعتباراته السياسية، هذا إضافة إلى اضطرار الأسير تعلّم اللغة العبرية.
الرسوم الجامعية الباهظة
إنّ العام الدراسي يكلّف الأسير ما يقارب 1200 دولار كحدّ أدنى للفصل الواحد. وتتكفّل وزارة الأسرى بتغطية الرسوم بعد دفع القسط الأوّل من قبل الطالب، حيث أكّدت الوزارة أنّ ما يتمّ إنفاقه على التعليم بالسجون يقارب 2 مليون شيكل. والتعامل لا يكون مباشرا بين الجامعة والأسير بل من خلال ضابط التعليم. كما أنّ استكمال التعليم يستعمل كورقة ضغط للمساومة والابتزاز والعقاب بحق الأسرى. والإدارة هي التي تحدّد طبيعة التخصّصات التي يرغب الأسير في دراستها. ويحرم الأسرى المعزولون من استكمال التعليم مواصلة للعقاب المفروض عليهم بالعزل. هذا ولم يتجاوز عدد الأسرى المنتسبين إلى لجامعة العبرية 360 أسيرا، تمكّن 100 فقط منهم من الحصول على الشهادة الجامعية، وعدد محدود جدا حصل على الماجستير. أمّا الطلبة الأسرى الذين تمّ اعتقالهم وهم على مقاعد الدراسة الجامعية فيحرمون من استكمال دراستهم بجامعاتهم.
الأسيرات والأشبال
مارست إدارة سجن “وهشارون” وسجن “تلموند” سياسة تجهيل بحق الأسيرات من خلال المنع من التعلّم داخل السجن ومنع استكمال الدراسة لكنّ الأسيرات خضن إضرابات مع الأسرى. وسُمح للبعض فقط من استكمال الدراسة الجامعية، وخاصة اللواتي اعتقلن وهنّ على مقاعد الدراسة لكن حرمن من استكمال الدراسات العليا، فمثلا الأسيرة “دعاء الجيوسي” اعتقلت وهي على مقاعد الدراسة الجامعية منذ عام 2004 ولم يُسمح لها باستكمال دراستها إلاّ حديثا ومُنعت من قبل إدارة الجامعة من استكمال دراستها العليا. وكذلك الأسيرة “أحلام التميمي”. أمّا الأشبال فلديهم وضع خاص جدا حيث تتعمّد إدارة السجن بـ”تلموند” و”الدامون” إلى عدم دمجهم مع الأسرى وعزلهم كليا عن العالم الخارجي وذلك بهدف تجهيلهم ومنعهم من استكمال دراستهم. ويحق للأسرى بعد الإفراج عنهم استكمال تعليمهم الجامعي ولكن أسرى الأرض المحتلة عام 1948 والقدس يُمنعون من استكمال دراستهم الجامعية داخل الأراضي المحتله 48 والقدس ممّا يضطرّ الأسير إلى استكمال دراسته بالجامعات بالضفة وهو ما يعدّ اغترابا داخل الوطن.
إنّ الحركة الأسيرة ناضلت وما تزال من أجل الحصول على الحق في التعليم داخل السجون وضدّ إدارتها في التعامل مع ملفّ تعليم الأسرى. كما أنّه لا بدّ من العمل على الضغط الدولي على “إسرائيل” لفرض حقّ الأسرى في التعليم وممارسة حقوقهم التي كفلتها القوانين الدولية والإعلان العالمي لحقوق الانسان