أحمد مولهي
“أيّ موقع للاقتصاد الاجتماعي والتّضامني في منوال تنمية بديل؟” هو عنوان حلقة النقاش التي نظّمها حزب القطب، يوم السبت 19 نوفمبر 2016، بفضاء مؤسسة “روزا لكسمبورغ” والتي أثّثها الخبير الاقتصادي لطفي بن عيسى الذي تناول في مداخلته التطور التاريخي لفكرة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني عالميا ومحليا. وعرض ملامح مشروع القانون الأساسي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي صاغه فريق من الخبراء بتكليف من الاتحاد العام التونسي للشغل قبل أن يعالج شروط تموقع هذا القطاع ضمن تصوّر بديل لمنوال التنمية.
جريدة “صوت الشعب” التقت، على هامش حلقة النقاش، الخبير المالي لطفي بن عيسى وأجرت معه الحوار التالي.
هل يشجّع الواقع الاقتصادي الحالي في بلادنا على اعتماد مثل هذا النمط؟
اقتصادنا يمرّ بأزمة هيكلية وليست ظرفية كما يتصور البعض، فلا يكفي أن يعود قطاع الفسفاط إلى نسقه العادي إنتاجا وتصديرا أو أن ينتعش القطاع السياحي من جديد بفضل اليقظة الأمنية أو أن نحقق موسما فلاحيا استثنائيا كما حصل مؤخرا بالنسبة إلى زيت الزيتون لكي نحقّق نسب نمو عالية تمتصّ البطالة وتعمّم التنمية على كل الجهات، بل الأمر يستدعي مراجعات جوهرية تتعلق بمنوال التنمية برمّته وخاصة إعادة الاعتبار لدور الدولة من خلال تخطيط وإنجاز مشاريع عمومية كبرى قائمة على حوكمة جديدة دون تهميش دور القطاع الخاص الذي يحتاج إلى عملية فرز داخله بين ما هو رأس مال وطني ورأس مال طفيلي مرتهن للمصالح الأجنبية، وكذلك دعم قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كرافد من روافد التنمية العادلة.
صحيح أنّ الوضع الاقتصادي الحالي متردّي إلى أبعد الحدود وجلّ محركات التنمية تشتغل بنسق متدنّي للغاية ولكنه يوفّر في نفس الوقت فرصة تاريخية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني لكي يعرّف بنفسه ويفرض وجوده ويكسب ورقة الاعتراف به كقطاع قائم بذاته له ما يقول زمن الأزمات وفي مجال خلق الثروة وتوزيعها بطريقة عادلة. كما يمكّنه أن يتحوّل من مجرد أداة لإصلاح الأضرار الناجمة عن السياسات الليبرالية في المجال الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وملء الفراغ الذي تركته الدولة المتخلية عن التزاماتها التنموية والقطاع الخاص الذي لا يخاطر باستثمارات غير مضمونة الربح الأقصى، يتحول إلى ركيزة من ركائز منوال التنمية البديل من خلال تموقعه في نقاط التقاطع التالية:
– السوق، حيث ينافس مؤسسات القطاع الخاص ذات الصبغة الربحية التقليدية وينشط وفق مبادئه الخاصة التي تعطي الأولوية للإنسان على رأس المال.
– والمجتمع المدني باعتباره يشارك الحركات الاجتماعية والنقابية والمواطنية غاياتها التنموية وخياراتها المجتمعية.
– والسياسات العمومية لا سيّما ضمن منظومة الديمقراطية المحلية وفي إطار مقاربة تشاركية وتعاقدية مع السلط المحلية لتنفيذ برامجها التنموية.
لكنّ ذلك يتطلّب اليوم وبإلحاح توفير الإطار القانوني التأسيسي المجمع لمختلف مكونات هذا القطاع الذي يشكو من حالة التشتت على المستوى التشريعي والتنظيمي والغموض على المستوى التعريفي والمفهومي والضعف على المستوى الهيكلي والتمويلي، وفي هذا الإطار تندرج المبادرة التشريعية للاتحاد العام التونسي للشغل لتنظيم هذا القطاع.
ما هو دور الجبهة الشّعبيّة في تهيئة الظروف لإدراج مثل هذا الخيار ضمن البديل الاقتصادي؟
أدرجت الجبهة الشعبية منظومة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ضمن خياراتها الاستراتيجية في مجال التنمية وخصّصت له حيّزا مهمّا في برامجها الانتخابية التشريعية والرئاسية، غير أنّ إنضاج النقاش حول هذا الخيار وتعميم الوعي بأهميته يتفاوت من مكوّن إلى آخر ومن مناضل إلى آخر داخل الجبهة. لذلك أصبح من الضروري تكثيف فرص النقاش حول هذا الموضوع مركزيّا وجهويّا وتعميم الوثائق المتوفرة حول هذا القطاع باعتبار أننا مقبلين على محطّتين في غاية الأهمية سيكون موضوع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في قلبهما.
المحطة الأولى هي مداولات مجلس نواب الشعب حول مشروع القانون الأساسي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني والذي سيكون محل صراع بين مختلف الكتل باعتبار تباين الخلفيات الإيديولوجية بينها. للتذكير كل رؤساء الكتل الذين حضروا ندوة إطلاق أشغال المبادرة التشريعية من قبل الاتحاد يوم 30 سبتمبر 2015 كانوا قد باركوا مقاربة الاتّحاد لاسيما صبغتها التشاركية لكن دون الإفصاح عن المضامين التي يريدون إدراجها ضمن مشروع القانون وعلى نواب الجبهة الشعبية التهيؤ لهذه المعركة كما يجب.
المحطة الثانية هي قانون الجماعات المحلية والانتخابات البلدية والجهوية باعتبار أنّ الاقتصاد الاجتماعي والتضامني مؤسس على سياسة القرب والالتصاق بمشاغل المواطن التنموية.
إلى جانب العمل النقابي والنشاط النسائي والشبابي والثقافي حان وقت إضافة مجال جديد لنشاط مناضلي ومناضلات الجبهة وهو القطاع التعاوني بكل مكوناته من جمعيات تنموية وتعاضديات وتعاونيات وغيرها من الأطر.
ما هو تقييمكم لجمعيّة حماية واحات جمنة؟
هذه الجمعية الفتيّة نجحت في جلب الأضواء على تجربة طريفة ومن خلالها على قطاع بأكمله قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وذلك بفضل ترجمتها على أرض الواقع المبادئ الأساسية التي يقوم عليها هذا القطاع أي مبدأ الاستقلالية تجاه السلك العمومية وحرية الانخراط والحوكمة (التسيير الديمقراطي والشفاف) توظيف المرابيح في مشاريع تنموية لفائدة الصالح العام بل ساهمت هذه التجربة في إثارة مسألة الإصلاح الزراعي كإحدى المسائل السياسية في هذه المرحلة.
ولعلّ الإطار القانوني الأساسي الذي نحن بصدده يوفّر أفقا تشريعيا رحبا لهذا النمط من العمل التنموي والبيئة المناسبة لازدهاره وتوسّعه.