انعقد يومي 29 و30 نوفمبر مؤتمر الاستثمار “تونس 2020″. وكان هذا المؤتمر مبرمجا منذ فترة حكم الحبيب الصيد. ولكن الرجل رحل قبل أن يعقد هذا المؤتمر الذي يراد منه، حسب الدعاية الرسمية، “دفع الاستثمار” لتحقيق نسب نمو أفضل من النسب الحالية وإيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية وعلى رأسها مشكلة البطالة، غير أنّ أكثر الناس تفاؤلا، قبل انطلاق المؤتمر،أصبحوا الآن، أكثر تواضعا في تقديراتهم. ومن المؤكد أنه مع مرور الأيام وانقشاع الأوهام التي علّقت على هذا المؤتمر سيعود الكثير إلى رشدهم ويقرّون، إن في السرّ أو في العلن، أنّ الجبهة الشعبية لم تخطئ، مرة أخرى، حين اعتبر بعض قادتها مؤتمر الاستثمار المنعقد بتونس “مأدبة لبيع البلد قطعة قطعة”
إنّ مؤتمر الاستثمار ينعقد في ظل أزمة اقتصادية ومالية خانقة. وهذه الأزمة نابعة من اختيارات فاشلة ظلت الحكومات المتعاقبة تكرّسها دون حسبان لنتائجها الكارثية على البلاد والشعب. وقد جاءت الميزانية الأخيرة لتبيّن أنّ حكومة يوسف الشاهد، مثلها مثل الحكومات التي سبقتها، ليس لها بدورها أيةرؤية أو برنامج جدي لمواجهة الأزمة وأنها لا تعدو أن تكون أداة لتنفيذ إملاءات صندوق النقد الدولي التي ستقضي على كل أمل للنهوض بالاقتصاد التونسي، وهو ما أثار ويثير معارضة وانتقادات للميزانية تشمل كل الأطراف الاجتماعية كما تشمل حتى أوساطا من الائتلاف الحاكم. وقد يصل الأمر إلى تنفيذ المنظمة الشغيلة إضرابا عاما في الأيام القادمة، دون ذكر لتحركات المعطلين عن العمل وإضراب المحامين الخ…
وبعبارة أخرى فإنّ حكومة الشاهد، ومن ورائها الائتلاف الحاكم، ليس لها تصور للمستقبل تقدمه للمستثمرين الذين جاؤوا إلى مؤتمر “تونس 2020″، كما أنها ليس لها مناخ اجتماعي وسياسي توفره لهم لتشجعيهم، على المغامرة بتوظيف أموالهم في مشاريع (143 مشروعا حسب البيانات الرسمية) معظمها غير واضح، لذلك لم يبق لهذه الحكومة سوى عرض جملة من التشريعات، على غرار مجلة الاستثمارات وقانون الشراكة بين القطاعين العام وغيرهما، لإغراء هؤلاء المستثمرين، وطمأنتهم على أنّ أبواب البلاد مفتوحة أمامهم لينهبوها ويكدّسوا الأرباح على حسابها وحساب شعبها مقابل توفير مواطن شغل “الهانة”…
هذا هو المناخ الذي ينعقد فيه المؤتمر الدولي للاستثمار، الذي تلعب فيه قطر وتركيا بالخصوص دورا محوريا، والذي غاب عنه بالأساس ممثلون عن دول “البريكس”. وهو ما يجعلنا نتوقع لهذا المؤتمر الفشل، كما سبق أن فشل الملتقى الذي نظّمته حكومة مهدي جمعة في عام 2014، ليتأكد قصور الائتلاف الحاكم الذي يمثل مصالح الأقليات الثرية والمافيوزية، عن حل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة، كما يتأكد الطرح الذي قدمته الجبهة الشعبية بأن لا تجاوز لهذه الأزمة دون وضع أسس نمط إنتاج جديد، يتم التعويل فيه أوّلا على القدرات الذاتية للبلد والشعب، ويكون هدفه تحقيق تنمية وطنية تلبّي حاجات الشعب الأساسية وتضع البلد على سكة النهوض، ويكون للدولة في هذا النمط من الإنتاج دور القاطرة التي توجه وتراقب وتصحح. وفي هذا الإطار يمكن للاستثمار الخاص المحلي أن يقوم بدور إيجابي في التنمية. أما الاستثمار الأجنبي فلا مناص من أن يحترم سيادة البلاد وحقوق الشغالين.
ولكن تحقيق مثل هذا الهدف يبقى مستحيلا، كما كنا بيّنّا ذلك أكثر من مرة في نطاق حكم الائتلاف اليميني الحالي لأنّ اختياراته لا علاقة لها بمصالح الشعب والوطن، بل إنّ تحقيق هذا الهدف له شرطه السياسي الذي لا محيد عنه، وهو وصول الجبهة الشعبية والقوى الديمقراطية والتقدمية عامة إلى الحكم. وهو ما يتطلب من الجبهة ومن هذه القوى عملا دؤوبا في صلب الطبقات والفئات الكادحة وحضورا فعليا في نضالاتها وتحركاتها حتى تكسبها إلى برنامجها ومقترحاتها لحل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة والنهوض بالبلاد وتجنيبها مزيد التفكك ومخاطر الإرهاب والتدخل الأجنبي، سواء منه الغربي أو الرجعي العربي والإسلامي (تركيا، قطر، السعودية) فهل يعي كافة مناضلات الجبهة الشعبية ومناضليها هذا الأمر المهم ويشمّروا بسرعة عن سواعدهم ويتحملوا مسؤوليتهم فالزمن لا يتوقف؟
افتتاحيّة جريدة “صوت الشعب” / العدد 222