تمرّ هذه الأيّام 100 يوم من تاريخ التصويت لصالح ما يسمّى بـ”حكومة الوحدة الوطنية” التي جاءت، حسب الحملة الدعائية التي صاحبتها، لتجاوز نقائص وإخلالات الحكومة السابقة ولدفع عجلة التنمية والاقتصاد والتخفيف من المشاكل الاجتماعية للفئات الشعبية وتحسّن الأوضاع الأمنية. وكانت الجبهة الشعبية نبّهت إلى زيف هذه الدعاية وكشفت عن حقيقة الأغراض الكامنة وراء ذلك التّغيير الحكومي والذي جاء استجابة إلى نزوات قصر قرطاج وانشغالات العائلة الحاكمة الجديدة.
واليوم وقد انقضت فترة الـ100 يوم التي عامة ما تعتمد كفترة رمزية، لا للحكم على نتائج عمل الحكومة، وإنّما أكثر لقياس مدى جدّيتها في تحقيق أهدافها المعلنة يوم التّصويت لصالحها بناء على ما أبرزته من مؤشّرات وما شرعت فيه من إجراءات وقرارات لتنفيذ مخطّطها، لنا أن نتساءل ماذا كانت الحصيلة؟ وإلى أيّ مدى يمكن التّعويل على هذه الحكومة في إنقاذ البلاد من أزمتها العامة؟
في الحقيقة لا يمكن الحكم لصالح حكومة الشاهد أو ضدّها بناء على ما يسمى “وثيقة قرطاج” التي نفخوا في صورتها على أنها مرجع أو برنامج حكومي، فيما لم تكن غير إعلان أفكار عامة توفيقية الغرض منها ترضية مختلف الأطراف التي اجتمعت حول مبادرة الباجي قايد السبسي وتمرير فكرة “الوحدة الوطنية” وتسريع إزاحة الحبيب الصيد وتنصيب “ابن العائلة” مكانه.
إنّ الحكم الحقيقي لحكومة الشاهد أو عليها ينبغي أن ينبني على مدى تقدّمها في:
1 – انتشال الاقتصاد من حالة الركود الاقتصادي والأزمة الحادّة التي يمرّ بها
2 – إيجاد حلّ للمعضلات الاجتماعية الحادّة التي تعاني منها أوسع فئات الشعب كالبطالة والفقر وتردّي خدمات الصّحة السكن والنقل والدراسة الخ…
3 – تحسين الوضع الأمني والتقدم في القضاء على التّهديد الإرهابي
4 – تحقيق خطوات جدّية في مكافحة الفساد والتهريب والتهرّب الجبائي والقطاع الموازي
5 – تدعيم المكتسبات وحماية الحريات والتخلّص من الضّبابية السياسية السّائدة وتحسين صورة البلاد في الخارج
6 – تحسين أداء مؤسّسات الإدارة والإعلام والأمن وغيره من مؤسّسات الدولة
من هذه الزاوية فقط – إلى جانب تفاصيل أخرى – ينبغي تقييم حصيلة عمل الحكومة خلال الفترة المنقضية والتي لا نبالغ في شيء وليس من التسرّع مطلقا القول إنها حصيلة هزيلة بل وسلبية.
فعلى الصّعيد الاقتصادي لم نسجّل أيّ تحسّن في المؤشّرات الاقتصادية العامّة بل بالعكس يتأكّد كل يوم أكثر أنّ نسبة النمو المتوقّعة بـ 2.5 % لن تبلغ الـ 1.5 % وأنّ نسبة عجز الميزانية سترتفع إلى ما فوق 5%،فيما كان منتظرا ألاّ تتجاوز 3 % وأنّ نسبة عجز ميزان الدّفوعات ستتعمّق أكثر مثلها مثل نسبة التضخّم المالي وتراجع مدّخرات البلاد من العملة الصعبة علاوة على تراجع نسبة الادّخار والاستثمار من جهة وارتفاع نسبة التداين إلى 63.9 %الخ…
أمّا على الصّعيد الاجتماعي فإنّ نسب البطالة والفقر والأمّية وتدهور المقدرة الشرائية والانقطاع عن الدراسة ازدادت وأنّ الخدمات العامّة في الصحّة والتربية والسّكن والنقل وغيرها تردّت أكثر ممّا كانت عليه السنة الماضية وهو ما زاد في حالة الاحتقان الاجتماعي وفي تفشّي الأمراض الاجتماعية أكثر كالجريمة والهجرة والكحولية وتعاطي المخدرات بما في ذلك في الأوساط المدرسية.
أمنيّا عادت ظاهرة الإرهاب لتصبح هاجسا لدى عموم التونسيّات والتونسيّين بعودة بعض الأعمال الإرهابية (سبيبة ونابل وزرمدين الخ…). وفي المقابل من ذلك عادت آفات التعذيب والتعدّي على التّحركات الاجتماعية ومنع الاحتجاجات وفبركة المحاكمات والتّضييق على الحريات عامة.
وعلى افتراض أنّ عامل الزمن لم يسعف الحكومة لتحقيق بعض المكاسب على هذه الأصعدة فإنّ ما أقدمت عليه من أعمال وما كرّسته في قانون المالية كبرنامج للسّنة القادمة يؤكّد ما ذهبنا إليه في الحكم على نتائجها للفترة المنقضية.
فقد جاء قانون الماليّة المعروض هذه الأيّام لمصادقة مجلس النواب صريحا في باب مزيد التداين ورهن البلاد والتغطية على أصحاب الثروات الكبرى وتسهيل التهرب الجبائي لبعض الأصناف منهم والإحجام عن مقاومة الفساد والتّغاضي عن القطاع الموازي، وبطبيعة الحال مقابل مزيد إثقال كاهل الفئات الضعيفة بتجميد الزيادة في الأجور والترفيع في الأسعار (توسيع نطاق الضّريبة على القيمة المضافة) وسدّ باب الانتداب وغيرها من الإجراءات الجبائية وغير الجبائية.
والحقيقة أنّ مختلف الأوساط المهنية والطبقات لم تنتظر كثيرا للتّعبير عن رأيها في هذه الحكومة بأشكال متعدّدة، فالشغالون والمحامون والأطباء والصيادلة وأرباب العمال والعاطلون عن العمل والتلاميذ والمثقفون والمربّون والمفروزون أمنيا وأهالي أكثر من جهة، في فرنانة وقرقنة ومكثر ومنطقة الحوض المنجمي وقابس، لم يخفوا امتعاضهم من قرارات الحكومة وغضبهم من توجّهاتها واختياراتها. ومن غير المستبعد بالنظر إلى ما تضمّنه قانون المالية الجديد من إجراءات معادية لمصالح الشعب والوطن، أن تنفجر الأوضاع الاجتماعية من جديد في الأسابيع القادمة.
وعديد المؤشّرات تدلّ على أن شتاء 2017 سيكون ساخنا بالدرجة التي كان عليها شتاء السّنة الماضية والسنوات التي سبقتها، وربّما بدرجات أشدّ.