بقلم عبد الجبار المدوري
عاد ملف “مراجعة التعيينات” ليطفو على طاولة رئيس الحكومة الحالية بعد عديد التصريحات من كلّ الأطراف بضرورة الإسراع بمعالجته. وقد بات من الواضح أنّ حكومة المهدي جمعة تماطل وتناور بخصوص هذا الملف، وأنّ حركة النهضة ترفض بشكل قطعي مراجعة التعيينات، في حين واصلت المعارضة تشبّثها بموقفها المطالب بضرورة حسم هذا الملف باعتباره أحد أهم بنود “خارطة الطريق” وأحد الشروط الواجب توفّرها للحكم على نزاهة وصحّة العمليّة الانتخابيّة.
فهل أنّ الحكومة جادّة فعلا في مراجعة التعيينات التي أقرّتها حركة النهضة؟ وهل أنّ المعارضة ستنجح في كسب هذه المعركة خاصّة وأننا لمسنا تراجعا نسبيّا في التزام الرّباعي الرّاعي للحوار بالضغط على الحكومة للإيفاء بتعهّداتها؟
الحكومة: أقوال بلا أفعال
رغم الخبر الذي تداولته وسائل الإعلام والذي نـُسب إلى “مصدر من رئاسة الحكومة” بخصوص أنّه من المنتظر أن يعلن رئيس الحكومة المؤقّت مهدي جمعة عن تعيينات جديدة على رأس عدّة ولايات وسيعتمد فيها على الكفاءات والخبرة بعيدا عن الانتماءات الحزبية، وأنّ هذه التعيينات الجديدة ستشمل ولايات تونس وقفصة وصفاقس وجندوبة والقصرين والكاف ونابل وبنزرت وسيدي بوزيد وتوزر وأريانة وبن عروس وزغوان والقيروان… رغم شيوع هذا الخبر فإنّ رئاسة الحكومة لم تنف أو تؤكّد مدى صحّته ما يوحي بأنّ المسألة قد تكون مجرّد محاولة للإيهام بحسن النيّة وامتصاص قليل من غضب المعارضة خاصة وأنه بعد هذا الخبر مباشرة راجت أخبار أخرى تقول بأنّ هناك عزوفا عن تولّي منصب الوالي في عدّة ولايات وهو ما عطّل عمليّة إجراء تحوير في سلك الولاّة !!!
وما يرسّخ هذا الاعتقاد هو أنّ رئاسة الحكومة غابت عن جلسة يوم الاثنين 24 فيفري 2014 التي انعقدت بمقرّ وزارة الشؤون الاجتماعية للنّظر في مطالب أعوان التلفزة الوطنية الذين أضربوا لمدّة يومين للمطالبة بمراجعة التعيينات في صلب هذه المؤسسة.
وقد كان وزير الداخلية واضحا في الندوة الصحفية التي عقدها يوم 25 فيفري 2014 حين أكّد أنّ وزارة الداخلية لن تفكّر في مراجعة التعيينات في الوقت الحاضر لأنّ “الفريق العامل حاليا رابح فلماذا يتمّ تغييره؟” – حسب ما جاء في تصريحه – مضيفا أنّ كوادر وزارة الداخلية يعملون بجدّ ويملكون عديد المعلومات حول ملف الإرهاب ولا يجب تغييرهم !!! ومن خلال هذا التصريح الواضح تتأكّد مخاوف بعض فصائل المعارضة وخاصة الجبهة الشعبية بخصوص أن يكون وزير الداخلية الحالي هو الضامن بأن لا يقع المساس بالتعيينات التي أقرّتها حركة النهضة صلب وزارة الداخلية وأنّه سيستعمل ملف الإرهاب كتعلّة لعدم المساس بمن تمّ تعيينهم.
حركة النهضة ترفض مراجعة التعيينات
بالنسبة لحركة النهضة فإنّ موقفها وكالعادة اتّسم بالازدواجية وبالغموض في محاولة منها للتقليل من أهميّة هذا الموضوع، ففي حين أكّد القيادي بحركة النهضة قسومة قسومة أنّ حركته لا تعترض على مراجعة التعيينات لأنّها لم تُجر تعيينات كبيرة بالمقارنة بما قام به الباجي قايد السبسي على حدّ تعبيره، وأنها تطالب بأن لا تقتصر مراجعة التعيينات على فترة حكم الترويكا بل يجب أن تشمل كلّ الحكومات التي جاءت بعد 14 جانفي، في حين جدّد علي العريض تأكيده على رفض حركة النهضة لأيّ مراجعة للتعيينات تجريها حكومة المهدي جمعة معتبرا ذلك إقصاءً على أساس حزبي.
نفس الموقف المتذبذب عبّرت عنه رئاسة الجمهورية. فقد أكّد السيد عبد الرزاق بن خليفة، كاتب الدولة المكلّف بالجماعات المحلية عقب لقائه بالسيد المنصف المرزوقي أنّ هذا الأخير أكّد أنّ الحركة المزمع إجراؤها في سلك الولاّة يجب أن تراعي “حسن سير العمل الإداري دون إقصاء”.
ومازال الصمت يميّز موقف رئيس المجلس التأسيسي السيد مصطفى بن جعفر الذي يبدو وأنه على نفس موقف حركة النهضة.
المعارضة في حاجة إلى التصعيد
رغم أهمّيّة الموضوع فإننا لم نلاحظ تحرّكات للمعارضة بخصوص هذه المسألة وما تتطلّبه من تعبئة ومن توحيد للمواقف ورسم خطط نضاليّة مستقبليّة لمزيد الضغط على الحكومة، فتحرّكات المعارضة لم تتجاوز التصريحات الصحفية وإصدار البيانات السياسية والخطب في الاجتماعات العامة. وقد لاحظنا تراجعا في موقف الرباعي بخصوص ملف مراجعة التعيينات وخاصة في موقف الاتحاد العام التونسي للشغل الذي اعتبر أمينه العام السيد حسين العباسي في اللقاء الذي جمع “الرباعي” برئيس الحكومة مساء الثلاثاء 25 فيفري الجاري أنّ “الحكومة جادّة في الالتزام بتعهداتها وتعمل على تهيئة المناخات الملائمة لإجراء انتخابات ديمقراطية” مبيّنا أنّ “بعض التعيينات تمّت مراجعتها والبعض الآخر بصدد المراجعة”، فالجميع يعلم أنّ حكومة المهدي جمعة لم تسجّل أيّ تقدّم يُذكر في ملف التعيينات وأنّ كلّ ما هناك هو مجرّد كلام وتطمينات لربح الوقت وامتصاص غضب المعارضة ومحاولة لشقّ صفوفها. وكان على حسين العباسي أن يمارس ضغطا واضحا على حكومة المهدي جمعة لإجبارها على الإسراع بتنفيذ تعهّداتها التي أمضت عليها في خارطة الطريق.
من سيكسب المعركة؟
لا بدّ من الإقرار بأنّ حكومة المهدي جمعة تبدو الآن في وضع مريح بعد تراجع ضغوط المعارضة عليها لإجبارها على تنفيذ ما جاء في خارطة الطريق وخاصة مراجعة التعيينات وحلّ رابطات حماية الثورة وإعادة تنظيم المساجد و”تطهيرها” من التوظيف الحزبي إلخ… وإذا تواصل هذا الوضع فإنّ المستفيد في نهاية الأمر سيكون حركة النهضة التي وضعت كلّ الأسس الضامنة لعودتها إلى السلطة في انتخابات لن تكون شفافة ونزيهة في ظلّ عدم التزام حكومة المهدي جمعة بتعهّداتها. لذلك فإنّ المعارضة وخاصة قواها الثورية مطالبة بعدم الانغماس في الإعداد الشكلي للانتخابات والعمل على توحيد صفوفها وتصعيد نضالها وضغطها لتحقيق الأهداف المرجوّة وخاصة ما نصّت عليه خارطة الطريق من مهمّات والتزامات توفّر المناخ الضروري لانتخابات حرّة، ديمقراطية ونزيهة بحق.